رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب «شوية رتوش بقلم كحل» لـ فايزة إسماعيل يكشف الوجه الآخر لجائحة كورونا

شوية رتوش بقلم كحل
شوية رتوش بقلم كحل

صدر كتاب "شوية رتوش بقلم كحل" للكاتبة السورية فايزة إسماعيل، المقيمة في إيطاليا، ويقع الكتاب في 92 من القطع المتوسط، عن دار فضاءات الأردينة للنشر والتوزيع٬ ويشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

الكتاب مجموعة من النُّصوص السَّردية المُتسلسلة زمنياً ومنطقياً والتي تحوي في مضمون كل منها حكاية واقعية تنطبق على حيوات العديد من الأشخاص والأسر, وقد عنُون كل نصٍّ بعنوان منفصل, غيرَ أنَّ ما يُوحي به العُنوان الرئيسي للكتاب (شوية رُتُوش بقلم كحل) يتفقُ مع ما سيَتبادر للذِّهن بأنَّ المحتوى قد سُرِدَ بروح أنثوية، ولكن الفرق أنّ هذه الأنثى وبحسب معطيات الزمان الذي تعيشه, قرَّرتْ أنْ تُنحِّي قلم الكحل هذا عن أداء وظيفته التقليدية "التجميل" وتُوكل له وظيفة أخرى, ألا وهي التَّوثيق وبلغة سردية سلسة شيقة لمرحلة حرجة تمر بها البشرية.

ومن أجواء الكتاب: “تكون البداية من العام 2020 عام جائحة كورونا التي أرهقت البشر وغيَّرت نمط وإيقاع حيواتهم, واضطرتهم للانصياع لقواعد حياتية جديدة لا تتفق مع كونهم كائنات اجتماعية من حجر منزلي وعزلة وتباعد وتعطل عن العمل وسواه, وتعود بذاكرتها إلى ما كان عليه أسلوب حياتها قبل عام الجائحة، حيث تقول: أما أنا.. للعزلة معي كان وقع آخر.. فعلى الرغم من حبي الشديد لصخب الحياة و ضوضاءها، إلا أن الوحدة حتى لا أقول عزلة، كان لها أيضاً مكانة شديدة الوضوح في حياتي، فما أخذت من قرار صائب في حياتي قط إلا بعد مدة قضيتها مع نفسي وحيدة وما من كتاب أنجزته أو من رواية ولدتها إلا بعد مخاض شديد مع وحدتي بنفسي، و لكن هذه المرة الوضع كان مختلف تماماً.. كنت وحيدة معزولة  غريبة سورية! أمارس دور المراقب المتفرج، الكاتب المتلصص المترقب وراء نافذة الأحداث كي يدون قصته الجديدة، و لكنها كانت مجموعة من حكايات الوجع والفشل والقهر..  تراتبية خسارات وانتكاسات، رغبة في النهوض.. وولادة عاشرة”.

وتتابع: “كورونا أو بمعنى دقيق أكثر: الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا كان بمثابة عدسة مكبرة افتقدتها منذ سنوات، حلقة وصل كنت قد قطعتها مع كل ما يمت للواقع البعيد بصلة.. نعم للأسف فالعمل اليومي المرهق في أجواء غربة مقيتة، تنسيك حتى ذاكرتك القديمة المحببة كانت دوماً إلى قلبك، تنسيك الحنين و تفقدك القدرة على التواصل مع قديمك بنفس ذات الروح و المتعة.. إذا وفي اللحظة الفاصلة ما بين الهدير والصمت، ما قبل الجائحة وبعدها، وفي اللحظة التي تأخذ الجائحة العالم إلى أقسى أشكال العزلة القسرية، تجد الكاتبة نفسها قد توقفت مجبرة لتتأمل فيما يسمى عزلة، لتكتشف تلك التفاصيل الصغيرة الجميلة والتي تشكل بمجموعها هويتها الإنسانية، وكيف أن دولاب الحياة الذي اضطرت فيه للركض وخوض حروبها الخاصة لتظل واقفة مما جعلها تنفصل عن هذه الأشياء الحميمة بل وتنعزل عنها حد التغرب والاستلاب، لكن هذه العزلة القسرية التي تفرضها الجائحة تجبرها على إعادة خلق حالة من التواصل بينها وبين كل شيء تركته خلفها منذ ست سنوات”.

وتضيف: “لتبدأ قشور الذاكرة بالذوبان، ولتتجلى العلائق الإنسانية وحالة الانتماء إلى الهوية الأولى، الهوية الأم. حيث تأخذ العزلة في ذاكرتها مداليل أخرى مختلفة عما قد يفهمه الآخر، حيث تقول: تغيّر الوضع هذه الأيام إذن. لم تعد العزلة اختصاصاً إبداعياً يجرّبه الكتّاب والفنانون وحدهم، ولا مكاناً سحرياً لشخصيات غرائبية، فقد أُرغِم العالم كله على تجربتها، وهذه المرة يبدو الأمر شبيهاً بعزلة النسّاك والكتّاب، إنها عملية هروب من المجتمع. غير أنها هنا تنشُد الحرص على الحياة نفسها.. شوية رتوش بقلم كحل.. صرخة في زمن بات السكات فيه هو الأصل، أما الأحياء الأموات من فرط قسوة الحياة، فقد اعتادوه مرتعاً وراحة”.

وزادت: “هي قصص من وحي حرب دامية قاسية متوحشة قذرة، انتهكت أرواحنا على مدى عشر سنوات ولم تنته شراهتها بعد.. حرب لم يك فيها الرصاص ولا القنابل و لا حتى الأسلحة الكيميائية هي القاتل فقط، بل كان الجشع والجوع والظلم والألم أسلحة ذات وقع أكبر و أكثر إيلاماً.. ثم حالة من الاغتراب ومحاولة العودة والتواصل مع الأنا بجوهرها وهويتها الأساس، ربما هذا ما كانت تحاول ان تفتش عنه فايزة إسماعيل، التي شكلت من عزلتها طريقًا لتصل إليها”.