رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى 30 يونيو «3».. الثوريون والإخوان «عضّوا» اليد التي امتدت لهم

لولا مساندة الجيش المصرى لما نجحت ثورة يناير ولما قامت من الأساس

الجيش عبر عن مساندته الثورة بعدة طرق فهمها الجميع

مدير المخابرات الحربية وقت الثورة اللواء السيسى رفع تقريرًا يوصى فيه بالانحياز للثوار

كان على القوى المدنية أن تتحالف مع الجيش لإصلاح البلاد لكنها اختارت طريق المراهقة الثورية

الإخوان استغلوا أخطاء المرحلة الانتقالية فى بسط سيطرتهم وشوّهوا الجيش المصرى الذى لولا مساندته ما نجحوا

كانت ثورة يناير محطة مهمة فى الطريق إلى ٣٠ يونيو، والحقيقة أنها كانت رغبة قوى كثيرة فى التغيير، لكن أهمها كانوا من يمكن تسميتهم «مجموعة النسور»، وهو لفظ مجازى أرمز به للنواة الصلبة للدولة المصرية، الذين أدركوا أن الدولة تواجه خطر الاضمحلال نتيجة الشيخوخة التى ضربت مفاصلها، فضلًا عن ارتفاع معدلات الفساد، والنفوذ الخارجى، وقد كان القرار بالتغيير مطروحًا منذ ٢٠٠٥، لكنه لم يتحوّل لحقيقة على الأرض إلا بعد التأكد من إقرار مخطط التوريث.

 

كانت هناك أشكال احتجاجية تدرك هذه الحقيقة، وتوجه النداءات للجيش المصرى فى مظاهراتها المختلفة، وكان أشهرها نداء «واحد اتنين الجيش المصرى فين».. وكانت هناك حركات أخرى لها ارتباطات خارجية، تم التعامل معها بعد ٣٠ يونيو وفقًا للقانون ولمقتضيات الأمن القومى.. وكانت الحقيقة الناصعة التى تجاهلها ثوار يناير وقادتهم إلى حائط المبكى أنه لولا مساندة الجيش المصرى لما قامت ثورة يناير بالأساس.. لقد قامت يناير بمبادرة من قوى شبابية مختلفة.. ذات مشارب مختلفة منها ما هو وطنى خالص، ومنها ما هو مرتبط بالدوائر الغربية.. وحققت مظاهرة ٢٥ يناير ما هو أكثر من المرجو.. وتطورت من مظاهرة ضد الداخلية وممارساتها إلى نواة لحركة تظاهرات ضد النظام.. واستمرت المظاهرات متفرقة وصغيرة ومفاجئة طوال يومى ٢٦ و٢٧ ثم كانت جمعة الغضب.. والحقيقة التى يتجاهلها الجميع أن كل القوى السياسية كانت تولى وجهها تجاه الجيش المصرى وتتحسس موقفه. وأنه كان من المستحيل أن تحشد أو تشارك لو لمست أدنى اعتراض من الجيش المصرى بالتلميح وليس بالتصريح.. تفاعلت الأحداث فى جمعة الغضب ٢٨ يناير وأصدر مبارك أمرًا بنزول قوات الجيش لحفظ النظام.. ونزلت دبابات الجيش المصرى بالفعل، ولكن كان مكتوبًا عليها «يسقط حسنى مبارك»، وكانت هذه خطوة لا تخطئها عين.. وقد صرح أعضاء المجلس العسكرى، فيما بعد، بأن العبارة كانت مقصودة.. وبأنها كُتبت على الدبابات قبل خروجها من معسكراتها، وقالت المعلومات إن الجيش قرر الانحياز للثورة، بناء على تقرير رفعه مدير المخابرات الحربية، وكان وقتها اللواء عبدالفتاح السيسى، للمشير طنطاوى.. أوصى فيه بانحياز الجيش للثورة، وتم الأخذ به.

وقفت الدبابات على مداخل ميدان التحرير وكأنها تحرس الميدان من أى محاولة لاختراقه، وكانت فوهات المدافع موجهة لخارج الميدان وليس لداخله.. وأصدرت القوات المسلحة بيانات تقول فيها إنها تضمن سلامة المتظاهرين.. وانعقدت الصداقات بين المتظاهرين والضباط المكلفين بحراسة الميدان، وكان من أشهرهم النقيب ماجد بولس، الذى عُرف باسم «أسد الميدان».. ثم جاءت وقائع القبض على وزير الداخلية ورجاله، لتصل بالمعنى إلى غايته، وعندما جرت «موقعة الجمل» قامت القوات الخاصة فى الجيش بالقبض على البلطجية، الذين كانوا يتوافدون إلى الميدان، وإن كان ذلك لم يعلن وقتها حتى لا يُقال إن الجيش ينصر فريقًا من المصريين على فريق آخر.. والحقيقة أن موقف الجيش المصرى كان مشرفًا، وأنه جرت مواجهة بين المشير طنطاوى والرئيس مبارك بعد أن رفض المشير أن يشغل منصب رئيس الوزراء. وحاول مبارك الغدر بالمشير طنطاوى.. وصممت القوات المسلحة على أن يتخلى مبارك عن الحكم.. وتدفقت الحشود تجاه سكن مبارك يومى ١٠ و١١ فبراير وأدارت دبابات الحرس الجمهورى فوهات مدافعها تجاه القصر لا تجاه المتظاهرين.. وتم إجراء الاتصال بمبارك فى شرم الشيخ من مقر وزارة الدفاع، وفيه وافق على أن يتنحى عن الحكم، وطلب استبدال كلمة «تنحى» بكلمة «تخلى» ووافق الجميع.. وسجل اللواء عمر سليمان البيان، الذى يعلن فيه عن تخلى مبارك عن الحكم فى مقر وزارة الدفاع.. والمعنى أن الجيش كان شريكًا فى كل شىء من البداية للنهاية، وأنه لولا موقفه لما تغيرت الأمور فى مصر مقدار حبة من خردل، وقد كانت هذه حقيقة ناصعة لم يستوعبها من سموا أنفسهم «النشطاء» أو «ثوار الميدان» أو «القوى الثورية»، وهم خليط بشرى عجيب يضم الصالح والطالح والمخلص والأفاق والممول من الخارج بالشريف الذى لا يجد قوت يومه.. لكن الأكيد أن العناصر الأكثر مراهقة وفسادًا كانت هى الأعلى صوتًا. وكان الإخوان فى خلفية المشهد يحرضون ويمارسون الابتزاز واللعب بعرائس الماريونيت المختلفة، وأسس صفوت حجازى كيانًا سماه «المجلس الثورى».. والحقيقة أن المجلس العسكرى القديم، وقتها، كان يدير الأمور بخليط من الصوفية والمثالية والزهد، وهو ما لم يكن مناسبًا لمشهد امتلأ بالثعالب والضباع.. فالقوى المؤيدة لنظام مبارك كانت لها مصلحة أكيدة فى إثارة الارتباك والفوضى.. والإخوان أصحاب مصلحة أكيدة فى الضغط.. والثوريون يمارسون المراهقة الثورية فى أقصى صورها.. وهناك عشرات الأيادى الأجنبية فى البلاد.. وهكذا بدلًا من أن يتحوّل التيار المدنى إلى طاقة إصلاحية قوية، ويضع يده فى يد المؤسسة العسكرية ضد الإخوان.. حدث العكس.. انفجرت طاقات لا نهائية من المراهقة الثورية.. تمت استضافة حالات لضباط لديهم مشاكل نفسية ووظيفية مختلفة فى الميدان، ليعلنوا عن تمردهم على المؤسسة العسكرية، وكان ذلك ضربًا من التفاهة السياسية والخيانة الوطنية معًا.. ثم ارتفع شعار شيطانى كريه يقول «يسقط حكم العسكر» مع أن الجيش كان ملتزمًا بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية.. وانتشرت المزايدة على الجيش والإساءة لأفراده مع استغلال حوادث فردية تقع أثناء فض المظاهرات فى التشهير بالمؤسسة العسكرية، وشيطنة أفرادها.. وأذكر أن جريدة «التحرير» صدرت صباح يوم فض مظاهرات مجلس الوزراء، وهى تحمل ما نشيت «كاذبون»، وكانت تقصد أعضاء المجلس العسكرى القديم.. واندلعت أحداث غامضة تمامًا، منها أحداث محمد محمود «١» ومحمد محمود «٢».. وفى وسط هذه الأحداث كان الإخوان يقدمون أنفسهم للمجلس العسكرى على أنهم القوة السياسية الوحيدة المنضبطة والمنظمة التى يحكمها عقل محافظ لا مراهق.

والحقيقة أن الجيش المصرى لم يكن لديه أى مانع من وجود الإخوان فى المشهد السياسى لا بعد ٢٥ يناير ولا بعد ٣٠ يونيو ولا بعد ٣ يوليو.. لكن عقلية الإخوان التكفيرية والصدامية والراغبة فى السيطرة هى التى قادتهم إلى ما قادتهم إليه.. كانت هناك مشاكل فى إدارة المرحلة الانتقالية بكل تأكيد لا تقلل من وطنية رموزها.. وكانت المثالية ونقص الخبرة بألاعيب الساسة أبرز هذه العيوب، وقد كان فشل إدارة المرحلة الانتقالية إحدى المحطات البارزة فى الطريق إلى ٣٠ يونيو. 

مصر فى خطر 

وسط كل هذه الأحداث بدا أن هناك من هو مشغول بسؤال المستقبل.. كان اللواء السيسى- وقتها- مدير المخابرات الحربية، قد بدأ فى عقد جلسات مع الإعلاميين والمثقفين المصريين.. كانت كل جلسة تضم ثلاثة أو أربعة إعلاميين، وكان يحدثهم وقتها عن الوضع الاقتصادى.. والخطر الذى يهدد البلاد، وضرورة تكاتف المصريين.. وعلى ما يبدو فإن ذهنية رجل الأمن المدرب جعلته يحقق هدفًا آخر من هذه الجلسات وهو فرز هذه الشخصيات التى تكوّن قطاعًا هامًا من النخبة المصرية، وتكوين انطباعات عنها، وعن مدى صلابتها الأخلاقية والوطنية.. وقد كان هذا تبريرًا لما بدا عليه المشهد الإعلامى والسياسى بعد أن تولى المشير منصب رئيس الجمهورية. 

مغالبة لا مشاركة 

كان إجراء الانتخابات النيابية أحد أبرز العلامات فى الطريق إلى يونيو.. ففى بداية الثورة رفع الإخوان شعار «مشاركة لا مغالبة» وقالوا إنهم سيترشحون على ٣٠٪ من مقاعد مجلس الشعب.. لكنهم تلقوا أوامر خارجية بتغيير السيناريو.. فكان أن توسعوا فى الترشيحات مع إتاحة مقاعد لبعض أعضاء حزب «الكرامة» الناصرى وبعض الشخصيات الأخرى.. وبتحالفهم مع السلفيين كانت للإسلاميين أغلبية كاسحة فى مجلس الشعب المصرى، تزيد على سبعين فى المائة، مع وجود شخصيات مدنية موالية للإخوان.. وبدأ الإخوان يستشعرون القوة.. وبدأوا فى مضايقة د. كمال الجنزورى، رئيس الوزراء، وهو رجل دولة قوى ونزيه، واجه الاضطهاد أيام مبارك، ولم ينخرط فى حلقات الفساد.. ومع ذلك استقبل المراهقون الثوريون خبر تعيينه بالتظاهر ومنعوه من دخول مكتبه.. ومات فى المظاهرات أشخاص تحوّلوا لأيقونات ثورية.. ولم يسأل أحد عن جدوى التظاهر من الناحية المنطقية.. خاصة أنه جاء بعد د. عصام شرف وهو إخوانى مستتر، وواحد من أفشل المسئولين فى تاريخ الدولة المصرية على مر التاريخ.. انتشى الإخوان بنتائج الانتخابات وبدوا راغبين فى تغيير صيغة العلاقة مع الجيش المصرى، وقالوا إن من حقهم تعيين رئيس وزراء إخوانى.. وانفعل د. الجنزورى فى نقاش معهم، وقال إن قرار حل مجلس الشعب فى الدرج.. وهو ما حاول الإخوان استغلاله.. ثم تفجرت أزمة أخرى بعد أن اتضح عدم دستورية إحدى مواد قانون الانتخابات التى تتيح للأحزاب أن تقدم مرشحيها على مقاعد المستقلين أو المقاعد الفردية.. وهو ما تمسك به الإخوان بحثًا عن مزيد من السيطرة والتكويش.. رافضين أن يلعبوا لعبة «مشاركة لا مغالبة» ومستجيبين لنصائح خارجية بالتكويش والصدام.. خاصة أن المجلس العسكرى كان قد تصرف بما يمليه الكبرياء الوطنى فى قضية المنظمات الأجنبية العاملة فى مصر، حيث أغلق مقرات هذه المنظمات، وأحال العاملين فيها للمحاكمة، وقد خلق هذا نوعًا من التوتر والجفاء مع الولايات المتحدة الأمريكية قرر الإخوان استغلاله.. وعلى ما يبدو فإن نصيحة أمريكية وحمساوية دفعت الإخوان لكى ينافسوا على منصب الرئاسة فى مصر، خاصة بعد إقدام المحكمة الدستورية على حل مجلس النواب.. وقد تصاعد الخلاف بين الإخوان واليد التى ساعدتهم حتى اضطر المجلس العسكرى لإصدار بيان، يُلمّح فيه من طرف خفى للصدام بين الإخوان والجيش عام ١٩٥٤ ويحذر من عودته.. والحقيقة أن البيان يكشف عن وضوح واستقامة سياسية لا تليق بالإخوان ولا تجدى معهم.. كان المجلس العسكرى القديم يفكر فى صيغة سياسية يتشارك فيها الجميع ويكون للجيش وضع دستورى يكفل له حماية الطابع المدنى للدولة.. وبالفعل صاغ د. على السلمى وثيقة دستورية بهذا المعنى، لكنها تحوّلت للوحة تنشين للإخوان.. ولغيرهم من القوى السياسية.. كان الإخوان قد رفعوا شعار المغالبة السياسية.. والتكويش.. والسيطرة.. وأصابهم الغرور.. وسيطروا على حياة المصريين بالفعل بعد يناير ٢٠١١ وسرقوا الثورة من أصحابها الأصليين وسيطروا على بعض القوى الثورية، مثل مجموعة الاشتراكيين الثوريين، وهى تنظيم سياسى صغير لا يزيد عدد أعضائه على سكان عمارة صغيرة فى أحد شوارع مصر.. وهو يستقى تحليلاته ومواقفه من بعض قادة اليسار الأوروبى والبريطانى تحديدًا.. وسرعان ما نمت بينه وبين جماعة الإخوان روابط مالية ومهنية وتمويلية متشابكة ومختلفة.. لكنه فى الحقيقة يضم عناصر مثقفة ومزروعة فى بعض المنظمات الهامة، ومن هنا كان تأثيره، رغم قلة عدد أفراده واغترابهم عن المجتمع المصرى، وهكذا فى ضوء تمرد جماعة الإخوان ورغبتها فى تغيير قواعد اللعبة جرت وقائع الانتخابات الرئاسية التى جاءت بمحمد مرسى رئيسًا لمصر.

 

الحلقة المقبلة: أسرار معركة الانتخابات الرئاسية التى جاءت بالإخوان