رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سارقو الأرواح».. «الدستور» تحقق في نقص «السولوميدرول» ومعاناة مرضى المناعة

السولوميدرول
السولوميدرول

في إحدى مناطق محافظة القاهرة، تقطن هناء حسن، 27 عامًا، لم تكن تضع في حسبانها أن تكون واحدة من أصحاب الأمراض المناعية وتصبح رقم ضمن إحصائيات أعداد هؤلاء المرضى، ورغم ذلك تعايشت مع وضعها ونجحت في التأقلم معه.

"هناء" إحدى مصابات التصلب اللويحي (MS)، وهو أحد الأمراض المناعية الذاتية الأكثر شيوعًا الذي يُصيب الجهاز العصبي المركزي، مع الالتزام بالأدوية الخاصة به يمكنها استكمال حياتها بشكل الطبيعي، لكن حينما تواتيها هجمة مفاجئة تظهر المشكلة، والتي تحتاج معها لأخذ حقنة لتثبيط مناعتها وتمنع عنها اشتداد الهجمات عليها.

"وقت هجمة المرض على جسمي مبقدرش أقاومه من غيرها"، تبدأ "هناء" معنا حكايتها بهذه الجملة، فوقت اشتداد المرض عليها تأخذ جرعة من حقنة "سولوميدرول"، وهوي إحدى مثبطات المناعة التي تحتوي على كورتيزون، لوقف تأثير تلك الهجمات.

حقن السولوميدرول

الأزمة الكبرى ظهرت أمامها حينما وضعت وزارة الصحة ضمن برتوكول علاج "كورونا" هذا النوع من الحقن، فلحقها النقص في السوق الدوائي، بالتالي فالحل الوحيد بالنسبة لها هو الذهاب إلى مستشفى حكومي لتتمكن من الحصول عليها، ورغم ذلك عندما واتتها هجمة مفاجئة منذ أيام لم تجد سوى البديل بتركيز أقل وفقط ربع الجرعة التي تحتاج إليها.

"أنا بحتاج الحقن ومبقدرش على تكلفتها والمقابل هيكون سرير في مستشفى"، الحقنة وصل سعرها إلى 1000 جنيه بدلًا من 200 جنيه، وهي عندما تواتيها الهجمة الواحدة تحتاج إلى 7 حقن، فبعد أن كان سعرهم يصل إلى 1500 جنيه، باتت تحتاج إلى 7000 جنيه، ورغم أن كل أدوية التصلب المتعدد تصرفها على نفقة الدولة، لكن هذه الحقن مستوردة ولا تحتاج إليها إلا وقت الهجمات التي تكون بلا وقت معين. 

 

إنفوجراف عن مرض التصلب المتعدد MS

 

حالة "هناء" واحدة الكثير من أصحاب الأمراض المناعية الذين هم في حاجة إلى ذلك النوع من الحقن، ومدى حاجتهم إليها مرتبط بالهجمات التي تؤثر على أجسادهم في وقتها، إن لم يتم اللحاق بهم ستكون الأضرار وخيمة، "الدستور" تحقق في السطور التالية في ملف اختفاء حقن "سولوميدرول"، وترصد عددًا من الحالات التي عانت من تلك الأزمة في محافظات مختلفة، في ظل تكتم وزارة الصحة على هذا الاختفاء، ما يتسبب في كثير من الوفيات وتدهور حالات أخرى.

 

شعبة الصيدليات: السوق السوداء تبيعها على "فيسبوك" 

تأكيدًا على كلمات "هناء"، قال الدكتور حاتم بدوي، السكرتير العام للشعبة العامة للصيدليات باتحاد الغرف التجارية، قال إن سبب هذا النقص يجب أن يُسأل عنه الهيئة العليا للدواء، لأنها الجهة الرسمية المنوط بها كل ما يتعلق بملف الدواء في مصر، فحتى الآن لا نعرف سبب النقص؛ هل مشكلة في الشركة أم المادة الخام أم هناك شبهة احتكارية، فلما نحتاجه لا نجد في الصيدليات "أمبول فايل" واحد، في حين أنه منتشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يُباع بأسعار السوق السوداء بأضعاف ثمنه.

وأشار إلى أن "سولوميدرول" من أنواع الكورتيزون طويل المفعول واستخدامه يكون لأصحاب الأمراض المناعية والروماتويد ومرضى حساسية الربو والصدر وغيرها، أما أنواع الكورتيزون قصير المدى فهو المستخدم في حالات "كورونا" المتأخرة بحسب برتوكول وزارة الصحة.

د. حاتم بدوي

أماني: كدت أن أفقد عيني 

من المنيا لمنطقة العمرانية محافظة الجيزة، حيث تقطن أماني كمال، 30 عامًا، أيضًا كان لها نصيب من الإصابة بأحد الأمراض المناعية "مرض بهجت"، وهو اضطراب نادر يسبب التهاب الأوعية الدموية في كل الجسم، يشمل العلاج أدوية لتخفيف علاماته وأعراضه ولمنع المضاعفات الخطيرة مثل العمى، اكتشفت ذلك بعدما أصيبت بالتهاب قزحي في العين، حيث الاحمرار الدائم في عينيها، وشخصها طبيب عيون أنه بسبب المناعة.

"أدوية تثبيط المناعة اللي بحتاجها غالية جدًا وحتى اللي على نفقة الدولة لو رحنا نجيبه بناخد نص الدواء وبنضطر نجيب من حسابنا بردو"، أما حقن "سولوميدرول" لتثبيط مناعتها تستخدمه فقط عند اشتداد الهجمات عليها، لكنها منذ عام احتاجت إليها وجابت كثير من الصيدليات حتى السلاسل الكبيرة منها ولم تجدها إلا بعد فترة كبيرة من البحث، كانت النتيجة حدوث هجمة شرسة اقتربت من الدخول على شبكية العين، لولا الحقن الثلاث التي وجدتها بصعوبة كادت تفقد عينها.

"طول ما وضعي آمن مش هحتاج الحقن دي، لكن الهجمات المفاجئة مش ببقى عارفة هتيجي امتى ووقتها هقدر أوفر الحقن دي ولا لأ في ظل النقص اللي حاصل ليها دلوقتي".

انفوجراف عن مرض بهجت

 

صيدلي: "السولوميدرول" تعاني النقص لزيادة سحبها من مرضى "كورونا"

وشرح الدكتور عاصم والي، صيدلي، أن حقن "السولوميدرول" تعاني من نقص كبير في السوق الدوائي بسبب السحب الكبير عليها من مرضى "كورونا" في الحالات المتأخرة التي وصلت إلى العناية المركزة، وهي ليست موجودة في بروتكول العلاج بـ"كورونا" إلا في الحالات المتأخرة وفي هذه الحالة تكون المستشفى هي المسئولة عن توفيره للمريض، مشيرًا إلى وجود بدائل أخرى لتلك الحقن لكنها أيضًا تعاني نقصًا.

بحسب النشرة الداخلية لحقن "سولوميدرول"، فهي تنتمي لعائلة الكورتيزون لذلك يستخدم بحذر وتحت إشراف الطبيب أو الصيدلي، ومن ضمن استخداماته أنه علاج للأمراض المناعية التي يهاجم فيها الجسم نفسه، حيث يعمل كمثبط للمناعة، والمادة الفعالة له تسمى "ميثيلبريدنيزولون".

د. عاصم والي

 

زكي: عدم تثبيط المناعة وقت الهجمات يؤدي لكثير من الأضرار

بمركز ديرمواس بمحافظة المنيا يقطن مدحت زكي صاحب الـ٣٧ عامًا، والذي يعمل نجارًا مسلحًا، نال هو الآخر نصيبا من أحد الأمراض المناعية "الذئبة الحمراء"، وهو مرض التهابي مزمن، ينشأ عندما يهاجم الجهاز المناعي أنسجة الجسم نفسه وأعضاءه، والالتهاب الذي يشكل مرض الذئبة مصدره قد يصيب أجهزة الجسم المختلفة، بما في ذلك المفاصل، الجلد، الكليتان، خلايا الدم، القلب والرئتان.

4 من الأبناء هم من خرج بهم الثلاثيني من الحياة، أكبرهم 11 عامًا وأصغرهم 3 سنوات، منذ عام ونصف العام كانت بداية تشخيصه بالمرض، وبعد أسبوعين من التحاليل في مستشفى أسيوط الجامعي، بدأ العلاج بحقن "السولوميدول" 3 جرعات على 3 أيام ثم واظب على أقراص أخرى.

"وقتها لم يكن هناك نقص فيها"، يقولها "زكي" لـ"الدستور" عن حقن "السولوميدرول"، مشيرًا إلى أنها مهمة في وقت الهجمات التي يحتاج الجسم وقتها إلى تثبيط مناعته، بالتالي نقصها سيؤدي لكثير من الأضرار غير المتوقعة.

انفوجراف عن الذئبة الحمراء

 

طبيب عزل: يجب عدم إتاحتها إلا في المستشفيات

كونها صُرفت لـ"ذكي" في المستشفى، يوضحه الدكتور محمد العيسوي، طبيب متخصص في الباطنة والقلب والأوعية الدموية، مسؤول الفرز والعزل بمستشفى الشيخ زايد المركزي، أن حقن "سولوميدرول" تستخدم بشكل أكبر في المستشفيات، وبشكل عام فإن أنواع حقن الكورتيزون تستخدم مع أصحاب الأمراض المناعية، لأن أجسامهم لديها جهاز مناعي عنيف يهاجم الجسم نفسه، بالتالي يتم استخدام مثبطات مناعة وأقواها تأثيرًا هو "السولوميدرول"، مؤكدًا أنه يجب عدم صرفه خارج المستشفيات.

د.محمد العيسوي

 

مغامرة لشراء "سولوميدرول" من السوق السوداء.. الأسعار وصلت لـ650 جنيها

حديث المرضى عن هذا النقص الشديد، واضطرار البعض منهم للجوء إلى السوق السوداء جعلنا نتجه إلى أبرز أماكن السوق السوداء في الوقت الحالي وهو "فيسبوك"، وبالفعل وجدنا عشرات الإعلانات عن توفر تلك الحقن، وبسؤالهم كانت الأسعار متفاوتة بداية من 250 جنيها وحتى 650 جنيها، وأصحاب تلك الإعلانات متنوعين ما بين صيادلة ومخازن أدوية، وآخرون أرادوا الاستفادة مما لديهم بعدما زاد عن حاجتهم فأصبح بيعهم له بأسعار تفوق السوق العادية.

وقامت محررة "الدستور" بالتواصل معهم مع 5 أشخاص منهم، الأول كان مكتب مستورد بطنطا محافظة الغربية، يبيع تركيز 500 مجم بسعر 470 جنيها، والآخر كان مخزن للأدوية بمحافظة الإسكندرية والتوصيل من خلال عربات متجهة من الإسكندرية إلى رمسيس وتركيز 500 مجم لديه بـ650 جنيها، ومخزن آخر بنفس المحافظة لديه تركيز 1000مجم بـ250 جنيها، والآخر كانت لديه كمية قام بشرائها لحالة من أقاربه وانتهى احتياجه منها فقرر بيعها، المكان في منطقة المنيل والأسعار تركيز 500 مجم بـ350 جنيها و1000مجم بـ 500 جنيه.

 

جولة بين الصيدليات: ناقصة لكن أسعارها لا تتخطى 180 جنيها

https://soundcloud.com/el-dostor/1000-180a

وقمنا بجولة أيضًا بين الصيدليات في مناطق مصر الجديدة وحدائق الأهرام والدقي، للبحث عن تلك الحقن فكانت الإجابة واحدة: "ليست لدينا وبها نقص شديد"، قمنا أيضًا بالاتصال على الخط الساخن الذي أعلنته هيئة الدواء المصرية "15301"، الخاص باستفسارات المواطنين عن نواقص الأدوية فأخبرنا أحد ممثلي خدمة العملاء أنها متوفرة في فروع صيدليات الإسعاف والشكاوي.

https://soundcloud.com/el-dostor/500-98a

ولمعرفة السعر الأساسي لتلك الحق تواصلنا مع الخط الساخن للشركة المصرية لتجارة الأدوية، فأخبرنا أحد ممثلي خدمة العملاء بأن تركيز 500 مجم بـ98 جنيه أما تركيز 1000 مجم تعاني نقصًا، لكن سعرها علمنا من إحدى سلاسل الصيدليات أنه وصل إلى 180 جنيها فقط لكنه غير موجود لديها.

https://soundcloud.com/el-dostor/apgxabmpfyay

 

أخصائي باطنة: تموت أغلب الحالات في حالة عدم توافرها

هذا النقص وظهور السوق السوداء، فسره الدكتور أحمد شرابي، أخصائي باطنة عامة بمستشفى الحوامدية العام، فقال إن حقن "سولوميدرول" تعاني نقصًا كبيرًا بعد شيوع استخدامها لمعالجة مرضى "كورونا"، على الرغم أنها تستخدم فقط في الحالات الشديدة سواء "كورونا" أو الأمراض المناعية وتحت الإشراف الطبي، لكن السحب زاد عليها بسبب حالات "كورونا" التي تلجأ للعزل المنزلي.

وأوضح "شرابي"، في حديثه مع "الدستور"، أن الكورتيزون رغم ما يتسبب فيه من أعراض جانبية إلا أنه يطلق عليه "منقذ للحياة" في بعض الحالات المرضية الحادة، وهذا يعني أنه إذا لم يتم إعطاء الحالة هذا الدواء في ذلك التوقيت تموت، وقبلها يحدث لها مشكلات كبيرة على مستوى أجهزة الجسم الحيوية، مشيرًا أنه لا يوجد له بديل وهو دواء مكمل في كثير من الحالات ولا غنى عنه مثل أصحاب الأمراض المناعية ومرضى الحساسية وغيرها.

د. أحمد شرابي

أستاذ مناعة: مهمة لإحباط هجوم "العاصفة المناعية"

واتفق معه الدكتور محمد أبو عامر، أستاذ علم المناعة بجامعة المنوفية، في أن تلك الحقن يجب ألا يتم وصفها إلا بالإشراف الطبي للحالات الحرجة، بعد متابعة السكر والضغط يوميًا، فهي تقوم بتثبيط المناعة لدى بعض الأمراض التي تجعل الجسم يهاجم نفسه، ولإيقاف تلك الهجمات نقوم بإعطاء المريض "سولوميدرول"، ولكنها تواجه نقصًا في الوقت الحالي.

وأوضح "أبو عامر"، في حديثه مع "الدستور"، أنه يجب عدم استخدام تلك الحقن وإتاحتها للجمهور بل يتم صرفها من المستشفيات بعد أن يوصي بها الطبيب إذا رأى أن الحالة تستدعي تلك الحقن، ويحدد ذلك بناء على تحديد نسبة السيولة في الدم، أيضًا قياس نسبة الأكسجين له كل 4 ساعات، أيضًا قياس الضغط والسكر له وألا تتخطى نسبة السكر 200، بالتالي نقص تلك الحقن ستؤثر بالفعل لكن على الحالات الحرجة.

شعبة الصيدليات: الحل في "التتبع الدوائي"

وحلًا لتلك الأزمة، عدنا إلى الدكتور حاتم بدوي، السكرتير العام للشعبة العامة للصيدليات باتحاد الغرف التجارية، الذي أكد أن الحل هو تطبيق منظومة التتبع الدوائي، الذي يتيح تتبع المادة الخام منذ دخولها إلى مصر، حيث تتبع المصانع التي دخلتها والكمية التي دخلتها وكمية المنتج المفترض إنتاجه منها، ثم تتبع تلك الكمية إلى أماكن توزيعها، بالتالي تظهر أسباب أزمة نواقص بعض الأدوية التي لا نجد لها تفسيرًا.