رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا باخوم: السيسى أنقذنا من السير نحو «اللا مصر»

الانبا باخوم يتحدث
الانبا باخوم يتحدث إلى محررى الدستور

لدينا 180 مدرسة على مستوى الجمهورية ونؤمن بأن دورنا لا يقتصر على الصلاة

علاقتنا بالكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية رائعة وخلافاتنا لن تحل فى بضع سنوات

 

قال الأنبا باخوم، النائب البطريركى لشئون الإيبارشية البطريركية المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى أنقذ المصريين جميعًا، وليس الأقباط فقط، من السير نحو «اللا مصر» بعد ٢٠١٣، معربًا عن أمله فى انتقال فكره المستنير بشأن «المواطنة» إلى أجهزة الحكم المحلى. وكشف، فى حواره مع «الدستور»، عن عدد الكنائس التى انتهت أجهزة الدولة المعنية من «تقنينها»، ورأيه فى قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، والعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية وكل من الأرثوذكس والإنجيليين، إلى جانب مسألة «توحيد المعمودية» مع الكنيسة الأرثوذكسية، وغيرها من الملفات.

 

■ بداية.. ما المهام المكلف بها نيافتكم كنائب بطريركى لشئون الإيبارشية البطريركية؟

- الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك فى مصر، هو رأس الكنيسة الكاثوليكية فى مصر التى تضم ٨ إيبارشيات، ومطران الإيبارشية البطريركية التى تشمل القاهرة والدلتا والإسكندرية، فضلًا عن رئاسته مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك فى مصر، الذى يجمع جميع الطوائف الكاثوليكية الأخرى، مثل «اللاتين» و«الموارنة» و«الأرمن»، إلى جانب مسئوليته عن العلاقة مع روما.

ولتعدد وتشابك تلك الأدوار والمسئوليات يسمح القانون الكنسى للبطريرك بأن يختار نائبًا بطريركيًا له، من أجل إدارة شئون الإيبارشية البطريركية فى القاهرة والدلتا والإسكندرية، وبالتالى تم اختيارى من قِبل الأنبا إبراهيم إسحق لأداء هذا الدور.

ويشمل دورى ٣ أوجه محددة، الأول هو الدور التقديسى، الذى يعنى مسئولية ممارسة الأسرار المقدسة السبعة، وإقامة القداسات الإلهية والصلوات الكنسية والاحتفالات والمناسبات المختلفة، والثانى هو الدور التعليمى والرعوى، ويخص التعليم الكنسى ورعاية الشباب والأسر وجميع فئات الشعب، والثالث هو الدور الإدارى والخدمى، ويمتد للإشراف على جميع المدارس والمستشفيات والمؤسسات التنموية التابعة للكنيسة الكاثوليكية، مثل: «الدياكونية».

■ ماذا عن دوركم كمتحدث رسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر؟

- أنا بدأت كمتحدث إعلامى باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، أنشر الأخبار والبيانات الخاصة بها، ثم امتد الأمر لأداء أدوار متعددة ومتنوعة تتناسب مع طبيعة الإعلام فى عصرنا الحالى، الذى صار أداة للتنبيه والتثقيف ونشر الوعى وتكوين الأفكار والأشخاص، وهو ما أدركناه فى المكتب الإعلامى، وتجسد هذا فى إعداد تقارير مكتوبة ومصورة من أجل التعريف بكل ما يتعلق بالكنيسة الكاثوليكية عقائديًا وإداريًا وتاريخيًا، وتغطية المهام التوعوية والتنموية المختلفة بها.

■ على أى أساس يقوم الهيكل الإدارى فى الكنيسة الكاثوليكية؟

- هيكلية الكنيسة الكاثوليكية كانت تتدرج من «البابا» إلى «البطاركة» و«الكرادلة» و«الأساقفة»، ثم «الشمامسة» و«الرهبان» و«الراهبات»، وصولًا إلى «العلمانيين»، حتى جاءت مقررات المجمع الفاتيكانى الثانى فى ستينيات القرن الماضى وأجرت تغييرًا جذريًا فى هذا المفهوم، بأن نصت على أن جوهر الكنيسة الكاثوليكية هو «الجماعة المسيحية»، وتتعدد وتتنوع أدوار أعضاء الجماعة الواحدة، بداية من «البابا» بدوره ومسئولياته، ثم «البطاركة» و«الكرادلة» و«الأساقفة» بأدوارهم ومسئولياتهم، وهكذا.

ليس هناك فى الكنيسة الأفضل أو الأهم أو الأكبر، تمامًا مثل هيكلية العائلة، فلا نستطيع القول إن الأب هو الأعلى يليه الأم ثم الأبناء، بل لكل منهم دور مميز، إن انتقص أثَّر على باقى الأعضاء.

■ ما الموقف الأخير للكنيسة الكاثوليكية من مسألة «عصمة البابا» على ضوء هذا المفهوم الهيكلى؟

- معنى «العصمة» فى الكنيسة الكاثوليكية يختلف عن الأوساط السياسية والدبلوماسية، فهو لا يعنى لدينا أن البابا فوق الجميع، والكل يسير وراءه دون تفكير أو تعقل، بل يثق أبناء الكنيسة فى أن البابا حينما يتخذ قرارًا إيمانيًا أو يفصل فى شأن أخلاقى، وهو فى تناغم تام مع التقليد الكنسى وجسد الكنيسة الواحد، فإنه لا يخطئ.

■ كم يبلغ عدد الكنائس الكاثوليكية فى مصر؟.. وكيف تعاملتم مع أزمة فيروس «كورونا»؟

- أجهزة الدولة المعنية انتهت من «تقنين» نحو ١٥ من أصل ١٢٠ كنيسة كاثوليكية حتى اليوم.. وفيما يتعلق بـ«كورونا» فإن الكنيسة الكاثوليكية كانت من أولى المؤسسات الدينية على مستوى العالم التى تعاملت بحكمة وحزم مع هذه الأزمة، وتتماشى كل قراراتنا بشأنها مع القرارات العامة الصادرة عن مجلس الوزراء لمنع انتشار الوباء.

■ كيف تنظمون وتديرون الهيئات والمراكز والأنشطة المجتمعية التابعة لكم فى إطار الدور المجتمعى للكنيسة الكاثوليكية؟

- تهدف الكنيسة الكاثوليكية فى جميع خدماتها إلى تنمية الإنسان، ولأن الإنسان كيان واحد يتكوَّن من ٣ عناصر هى: الروح والجسد والنفس، تتنوع خدمات الكنيسة لتغذى هذه العناصر الثلاثة، فالخدمات الروحية مثل التبشير والأسرار والصلاة تغذى الروح، وأيضًا تملأ الجسد والنفس بالسلام والطمأنينة، والخدمات الاجتماعية تلبى احتياجات الجسد الأساسية، وتعمل على خلاص الروح وسلامة النفس، مثل خدمات «المشورة»، التى تركز على الدعم النفسى للأسر بما ينعكس بالإيجاب على الجسد والروح.

ومن هذا المنطلق ترى الكنيسة الكاثوليكية أن الخدمة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من خدمتها للإنسان، وأن دورها ليس فقط تعليم الناس الصلاة فقط، لكن العمل على تنميتهم اجتماعيًا ونفسيًا.

والكنيسة الكاثوليكية لديها ١٨٠ مدرسة على مستوى الجمهورية، تخرجت فيها شخصيات مرموقة عديدة، ويسعى الكثيرون لإلحاق أبنائهم بها، إلى جانب المستشفيات الكبرى والمؤسسات التنموية النشطة، مثل: «كاريتاس» و«الصعيد للتنمية» ومكتب «الدياكونية»، التى تقدم خدمات اجتماعية شاملة ومتكاملة لخدمة الإنسان، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو الطائفية.

■ وماذا عن إنشاء هيئة الأوقاف القبطية الكاثوليكية؟ 

- إنشاء هيئة أوقاف للأقباط الكاثوليك مثال واضح على أن التوجه العام للدولة يسعى لتحقيق مبدأ المواطنة والمساواة بين الجميع، وهى مبادئ راسخة فى مواد وأبواب الدستور. فعلى غرار وجود هيئة أوقاف للمسلمين، وأخرى للأقباط الأرثوذكس، تقرر إنشاء هيئة أوقاف للأقباط الكاثوليك. 

■ كيف ترى علاقتكم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية والطائفة الإنجيلية؟

- علاقتنا بالكنيسة الأرثوذكسية رائعة، ونحن نُكن ونحترم ونقدر البابا تواضروس الثانى، وأنا على المستوى الشخصى أزوره بشكل دائم وأجده أبًا بمعنى الكلمة، وهكذا علاقتنا أيضًا بالطائفة الإنجيلية، والقس الدكتور أندريه زكى هو أخ حقيقى، والود والتواصل لا ينقطع بيننا أبدًا.

■ أقامت كنائس قبطية أرثوذكسية فى المهجر قداسًا لعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، إلى جانب قداس ٧ يناير.. هل ترون أن مسألة «توحيد الأعياد» قابلة للتحقق على ضوء هذه الخطوة؟

- إقامة قداس يوم ٢٥ يناير من قِبل الكنائس الأرثوذكسية القبطية فى المهجر هو شأن داخلى يخص الكنيسة الأرثوذكسية وحدها. أما مسألة «توحيد الأعياد» فهى بالتأكيد خطوة مهمة على طريق الوحدة، وسيكون أمرًا رائعًا أن نرى جميع المسيحيين يحتفلون بالأعياد فى توقيت واحد، وتكون أيام الإجازات موحدة لهم جميعًا.

البعض يرى أن هذه الخطوة يمكن أن تأتى كمبادرة طيبة من طرف الكنائس المختلفة لدفع مسيرة الوحدة قُدمًا. والبعض الآخر يرى أنها يجب أن تعقب بعض الخطوات الأولى لتأسيس مفهوم الوحدة. وآخرون يعتقدون أن «توحيد الأعياد» لن يكون إلا ثمرة الوحدة الكاملة بين الكنائس، وليس هناك فرق كبير بينها من وجهة نظرى، فالأهم هو السعى نحو الوحدة بروح المحبة والمسئولية.

■ ماذا إذن عن مساعى «توحيد المعمودية» بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية؟ 

- هذا الأمر يُناقش حاليًا فى لجان الحوار اللاهوتى للكنيستين. ويمكن أن نرى الأمر فى إطار الحوار الدائم بين الكنيستين الذى يشمل القضايا اللاهوتية المختلفة. 

■ هل تحتاج الكنيسة لـ«تجديد الخطاب الدينى»؟ وهل تلاحظون أى مظاهر تعصب من قِبَل المسيحيين نحو الآخر؟ 

- قضية تجديد الخطاب الدينى من أهم القضايا المطروحة فى وقتنا هذا، وقد طرحها بقوة ووضوح الرئيس عبدالفتاح السيسى بنفسه، ونحن فى الكنيسة الكاثوليكية نرى تجديد الخطاب الدينى من خلال محورين جوهريين. أولًا: تأكيد أن محبتنا لله لا يمكن أن تنفصل بأى شكل عن محبتنا لكل من حولنا. فالوصية الكتابية تعلمنا أن: «تحب الرب إلهك من كل قلبك وتحب قريبك كنفسك»، فالمحبة الإلهية لا بد أن تتجسد فى محبتك للبشر. و«قريبك» هنا لا تعنى قرابة الدم أو الدين أو الطائفة، بل تعنى كل إنسان قريب منى، أى كل من حولى.

ثانيًا: يجب تجديد الخطاب كى يكون متصلًا بشكل مباشر مع حياة الناس العملية ومسائلهم الحياتية والوجودية. فلا نكتفى بالوعظ عن الفضائل وممارسة العبادات والطقوس بشكل عام، بل نطبق مفعول كل هذا على واقع حياتهم الشخصية العملية، فاقتصار الخطاب الدينى والعظات الروحية على القيم والتعاليم السامية، بشكل منفصل عن المشاكل اليومية للناس، يؤدى إلى نفورهم من أماكن العبادة وبيوت الصلاة، وقد لمسنا أن هذا الأمر يعد سببًا لا يستهان به أبدًا لوصول البعض إلى الإلحاد. 

■ كيف ترون مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين؟ وما أبرز مزاياه من وجهة نظرك؟

- قانون الأحوال الشخصية يعتبر خطوة رائعة للأمام، فقد سد «الثغرات» التى كان يستغلها البعض فى الماضى للتحايل والالتفاف على القانون، مثلما يُغيّر أحد الزوجين المذهب كى يحصل على الطلاق طبقًا للشريعة الإسلامية. أما مشروع القانون الجديد فقد نص بوضوح على أنه فى حال لجوء أحد الزوجين أو كليهما للقضاء، يتم الرجوع لشريعة الكنيسة التى تم تحرير عقد الزواج من خلالها. 

■ ما الدور الوطنى للكنيسة الكاثوليكية بعد 30 يونيو 2013؟

- الكنيسة الكاثوليكية كأى جهة أمينة، وككل واحد له ضمير صحيح، تدرك تمامًا قيمة وغلاوة الوطن. فهو الخير الذى تربينا جميعًا عليه، وله يجب أن يعود كل الاهتمام والخوف لأن يبقى أمنًا ومستقرًا وحاميًا للجميع. بل إننا نرى أن أمن الوطن الأولوية الأولى بين كل الأولويات والقضايا والأهداف، لذا حين تم حرق كنائسنا عقب أحداث ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لم يكن فى ذهننا إلا حماية وطننا، فطالما كان الوطن محميًا سيحمى جميع أبنائه «مسلمين ومسيحيين» بلا تفريق.

■ أخيرًا.. كيف ترون حال المسيحيين اليوم بعد مرور سنوات من حكم السيسى؟ 

- لا شك أبدًا أن بلدنا قد خطا قدمًا خطوات مهمة ومرحلية، فيكفى أنه قد عادت هوية مصر المغتصبة. فنحن قد رأينا بين ٢٠١١ و٢٠١٣ كيف أن البلد كان يسير نحو «اللا مصر».

أما اليوم، فلا أحد يستطيع إنكار عودة الأمن والسياحة التى تأثرث بشكل مؤقت جراء أزمة «كوفيد- ١٩»، كما أننا نسير بروح شجاعة على طريق الإصلاح الاقتصادى. ولا بد أن ندرك جميعًا أنه ما زال أمامنا مسيرة لنصل إلى الازدهار الاقتصادى والنضج الديمقراطى.

ولا أقول هنا: ماذا ربح المسيحيون على مدار الأعوام الماضية؟ بل أقول: ماذا ربح المصريون جميعًا؟.. ومن وجهة نظرى أهم وأخطر التحديات التى تواجهنا فى مسيرة التقدم والمواطنة هو انتقال الفكر العالى المستنير للرئاسة إلى مستوى المحليات والأحياء، التى تتحكم بشكل كبير فى واقعنا وشئون حياتنا.

فإن تحدثنا عن حقوق المواطنة تحديدًا، سنرى الرئيس بنفسه يهنئ المسيحيين فى الأعياد، بل يحضر إلى الكنيسة سنويًا، ويصر على أن تُبنى كنيسة فى كل مدينة جديدة.