رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكم نهائى ينتصر للصحفيين: بدل التكنولوجيا حق وليس منحة

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى

خبير منازعات ضريبية: الحكم أنشأ بدل التكنولوجيا بقاعدة عرفية والضريبة لا تفرض إلا على بدل تشريعى 

 

قضت المحكمة الإدارية العليا، بمجلس الدولة، الدائرة الثامنة فحص فى الطعن رقم 36696 لسنة 59 قضائية عليا باعتبار الطعن المقام الجهة الإدارية كأن لم يكن وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى الدعوى رقم 2562 لسنة 67 قضائية بجلسة 25 يونيه 2013 بكامل حيثياته.

وقضت المحكمة بأحقية المدعي (م.ش.ع) عضو بنقابة الصحفيين بجدول  المشتغلين فى صرف بدل التدريب والتكنولوجيا باعتباره مقيدا بجدول نقابة الصحفيين وصرف الفروق المالية له، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات منح ذلك البدل لجميع الصحفيين المقيدين بجدول النقابة أيًا كانت الصحيفة التى يعملون بها قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء وسواء كانت مطبوعة أو رقمية والذى أصبح نهائيًا وباتًا.

وقد أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى حكمها الذى أصبح نهائيًا وباتًا على مجموعة من المبادئ بصدد حق بدل التكنولوجيا للصحفيين هى أن علة بدل التكنولوجيا إتاحة الفرصة للصحفيين للاستعانة بأدوات العصر لمواجهة تحديات تطور فنون صناعة الصحافة وأن بدل التكنولوجيا حق لصيق للحياة المهنية للصحفي وبدونه لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله من إنجازات.

والمحكمة تناشد المشرع تقنين بدل التكنولوجيا للصحفيين بعد أن صار لصيقا بالحياة المهنية لا ينفك عن الصحفى وإعادة تقدير قيمته، كما أن التسلح التكنولوجي  يكفل للصحافة المصرية أن تكون عابرة للحدود والقارات وقادرة على مخاطبة الرأي العام العالمى، وبناء شخصية الصحفي الموسوعي فى عالم التخصص القاعدة الصلبة لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع، وبدون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية، وأن الصحافة المصرية أثرت الحركة الوطنية وأرست حجر الأساس فى البناء الديمقراطي، وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة، والصحافة هى الضمير العام للأمة.

حيثيات الحكم لبدل التكنولوجيا كاملة 

قالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة القاضى المصرى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة إن مقطع النزاع يكمن في مدى استحقاق المدعى وعموم الصحفيين والصحفيات – بناء على طلب نقيب الصحفيين - المقيدين بجدول نقابة الصحفيين في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا حال عدم وجود نص في القانون أو اللائحة ينص على تنظيمه وتقريره.

 وعلى الرغم من أن الدولة تصرف ذلك البدل بالفعل منذ أكثر  من عشرين عامًا وبغض النظر عن الصحيفة التى يعمل بها سواء كانت  قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء وسواء كانت ورقية أو إلكترونية.

 وقد استبان للمحكمة أنه لا يوجد قانون صادر من السلطة التشريعية أو لائحة صادرة من السلطة التنفيذية تنظم تقرير منح بدل التدريب والتكنولوجيا لعموم الصحفيين،  فإن القضاء الإدارى يبسط ولايته المعقودة له بحكم الدستور والقانون ليضع تصرف الإدارة المدعى عليها في ميزان المشروعية في ضوء ما قررته نقابة الصحفيين، والمدعى من أن الدولة تصرف ذلك البدل منذ أكثر من عشرين عامًا.

وأضافت المحكمة أن العرف الإدارى  مصدر من مصادر القانون الإدارى، وهو جملة القواعد التنظيمية الإدارية التى تحترمها وتلتزم بها الجهات الإدارية فى أداء مسئولياتها وواجباتها والتى لا تتعارض مع أية قاعدة قانونية مكتوبة أو مع النظام العام، ومن ثم فإن العرف الإداري هو القانون الإداري غير المكتوب وقواعده تنبعث من واقع الحياة وتبرز من خلال الممارسة الإدارية وتفاعلها فى ظروف الواقع وتُكتسب بتكرار التعامل بمقتضاها ومداومة تطبيقها على نحو تَكتسب معه بمضي الزمن منزلة فى ضمير رجال الإدارة واعتقادهم، وفى ذهن القائمين على مسار العمل الإداري ترتفع إلى قيمة القواعد القانونية بما يستوجب الالتزام بها كقاعدة قانونية.

وأشارت المحكمة إلى أن الثابت من الأوراق أن المدعى عضو بجدول نقابة الصحفيين ومقيد بالتأمينات الاجتماعية، كما أن الثابت أن نقابة الصحفيين قررت أن الحكومة ممثلة فى وزير المالية قد اعتادت على صرف بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين منذ أكثر من عشرين عامًا بصورة منتظمة والغاية من ذلك معايشة واقع الحياة الصحفية التى يعيشها الصحفيون فى سبيل أداء رسالتهم النبيلة وتفاعلاً منها مع ظروف الواقع الصحفي، وما يحتاجه الصحفي من أدوات مهنية للتدريب واستخدام التقنيات الحديثة فى وسائل التكنولوجيا والاتصال فى العمل الصحفي.

 ومن ثم فإن تكرار صرف ذلك البدل سنوات طويلة ومداومة تطبيقه على نحو اكتسب معه بمضي الزمن منزلة ملزمة فى ضمير رجال الإدارة، وفى اعتقادهم وذهن القائمين على مسار العمل الإداري، فإنه بذلك يرتفع إلى قيمة القواعد القانونية بما يستوجب الالتزام بها كقاعدة قانونية إدارية وعرفًا إداريًا من القواعد الراسخة للقانون الإداري.

 ومن ثم فلا يجوز للجهة الإدارية تعطيل صرف ذلك البدل للصحفيين المقيدين بجدول النقابة ومنهم المدعى، وهو ما يدعو المحكمة إلى مناشدة المشرع لتقنين صرف ذلك البدل للصحفيين بعد أن صار لصيقًا بالحياة المهنية للصحفى لا ينفك عنه بحال. 

وذكرت المحكمة أنها تجد لزامًا عليها أن تبين الحكمة من تقرير بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين لبيان مدى أهميته بالنسبة لمهنة الصحافة، فهذا البدل مقرر لمواجهة أدوات العصر ومستحدثاته نتيجة للتطور الهائل المذهل فى العلوم ووسائل التكنولوجيا اللازمة لمهنة الصحافة وعلى قمتها تكنولوجيا الاتصال بدءًا من الهاتف المحمول والآي باد ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات المتلاحقة التى يستخدمها الصحفي فى تحميل الأخبار والمعلومات بسرعة مذهلة وهي أدوات العصر التى أضيفت إلى الصحافة التقليدية المسماة بالورقية، فأضحى تأثيرها لازمًا للعصر خادمًا للحقيقة، ساحرًا للكلمة دون التغول عليها، فضلاً عما يحتاجه الصحفي من دورات تدريبية وبعثات داخلية وخارجية ومقررات تأهيلية.

وأوضحت المحكمة أن القصد من منح هذا البدل هو إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للاستعانة بأدوات العصر للمساهمة فى تنمية مهارات العمل الصحفي ولمواجهة التحديات التى تلازم تطور صناعة الصحافة من فنون التحرير الصحفي والإخراج الصحفي وجمع المعلومات والطباعة وإدارة المؤسسات الصحفية والإعلان، فضلاً عما يقتضيه ذلك من مهارات التذوق والنقد الفني.

 وبهذه المثابة فإن تقرير هذا البدل يبدو لازمًا للحياة المهنية للصحفي وبدون استعانة الصحفيين بأدوات التكنولوجيا فلا يمكنهم القيام بوظائفهم الأساسية فى الوفاء بحق الشعب فى المعرفة، ولا تستطيع الصحافة التعبير عن الرأي العام وتوجيهه وفى وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله، وبما تقدمه للمواطنين من أنباء وآراء ، بحسبان أن حق المواطنين فى المعرفة هو جوهر العمل الصحفي وغايته وهو ما يستوجب ضمان التدفق الفوري المباشر للمعلومات، وتمكين الصحفيين من الحصول عليها من مصادرها بما يستوجب إسقاط أية قيود تحول دون نشرها أو أية قيود تنال من حق الصحفي فى الاستعانة بمستحدثات تكنولوجيا العصر اللازمة للمهنة سوى ما يحفظ الأمن القومى للبلاد والنظام العام.

واستطردت المحكمة أن قيمة ذلك البدل كما هو ثابت بالأوراق لا تكفي لتغطية نفقات المهنة فى ضوء مواجهة مستحدثات التكنولوجيا وما يتكبده الصحفي من نفقات ومصروفات فى سبيل تزوده بأحدث وسائل التكنولوجيا فى علم الصحافة ولا يتناسب بذلك مع كرامة الصحفي المهنية، مما يستنهض عدل المحكمة فى مناشدة المشرع تقنين البدل وإعادة تقدير قيمته عند تقنينه حتى يكون ذلك معبرًا عن حقيقة العصر وما يلازمه ما تكاليف مستحدثات وسائل التكنولوجيا التى أضحت حقيقة متطلبة فى جميع مراحل أدوات العمل الصحفي، لا سيما وأن الصحفيين يتعرضون أثناء ممارستهم المهنة لمخاطر جسيمة قد تودى بحياتهم نتيجة البحث عن الحقيقة.

ومن ثم فإن تقرير ذلك البدل أضحى حقًا لصيقًا لمهنة الصحافة وليس منحة من جهة الإدارة إن شاءت منحتها تارة، وإن رغبت منعتها تارة أخرى، مما يتوجب تقنينه بعد أن صار من مستلزمات المهنة، فلا يجب التقطير فى الأرزاق على الصحفيين، بل يتعين الحيلولة دون وقوفهم موقف المستجدى من طلب ذلك البدل.

وذكرت المحكمة أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن الصحافة المصرية هي مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس البحث عن المغانم والمكاسب وأن مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية التى شاركت بتاريخها المجيد فى إثراء الحركة الوطنية وإرساء حجر الأساس فى البناء الديمقراطي، وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة على رأسهم عبدالله النديم وتوالى نضال أجيال الصحفيين دفاعًا عن الحريات المهنية والعامة باعتبار أن حرية الصحافة الركن الركين فى الضمير العام للأمة، وبدون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية، ومثل تلك الأمور تضع المهنة فى مأزق تفقد فيها مصر ريادتها أمام التقدم والتطور التكنولوجي التى تميزت به الصحافة الحديثة، وهو ما يتوجب معه صرف ذلك البدل وعدم التفرقة بين أعضاء المهنة الواحدة رغم تماثلهم فى مراكزهم القانونية بالقيد فى جدول نقابة الصحفيين.

واختتمت المحكمة أنها- وهي جزء من نسيج هذا الوطن- تسجل أن الصحافة المصرية قد حققت منجزاتها الأساسية ثقافيًا ومهنيًا عندما تمتعت بالحرية المسئولة فى بداية القرن الماضي، مما وضعها فى موقع الريادة العربية واقتربت من مقاييس الأداء العالمية، وأن الرقي المهنى وبناء شخصية الصحفي الموسوعي فى عالم التخصص هي بمثابة القاعدة الصلبة للانطلاق لآفاق رحبة، وأن الإبداع غير المقيد هو قرين الحرية وهي تشكل البنية الأساسية لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع، وأنه إذا كانت طبيعة المهنة قد فرضت على أبنائها التضحية بأرواحهم من أجل أداء رسالتها المقدسة، فإنهم كذلك يتكبدون نفقات ومصروفات مالية لكي يضاعفوا قدراتهم المهنية ليتسلحوا بالتكنولوجيا المهارية خاصة فى هذا العصر الذى تتميز فيه أنواع المعرفة بالتجدد والتطور، وهو ما يجب ألا يغيب عن ذهن وعقل الجهة الإدارية لتجعل من الصحافة المصرية صحافة عابرة للحدود والقارات وتكون قادرة على مخاطبة الرأي العام، فتكسب ثقته وتضاعف احترام الآخرين لوطننا، وهذا لن يتحقق إلا عندما توفر الدولة للصحفيين ما يمكنهم من أن يتسلحوا جميعًا كأبناء المهنة الواحدة بلا تمييز بكل مقومات الريادة وعلى قمتها بل فى أعلى مدارجها التسلح التكنولوجي والتأهيل التدريبى المتصل والمستمر. 

خبير فى المنازعات الضريبية 

وقال علاء غالب المحامى الخبير فى المنازعات الضريبية إن هذا الحكم أنشأ حق بدل التكنولوجيا للصحفيين بقاعدة عرفية وليس بأداة تشريعية لأنه لم يكن منظمًا بأداة تشريعية، وإن عبقرية هذا الحكم  الأول من نوعه أنه استند فيه القاضى الإدارى إلى العرف لخلو التشريع منه.

 وبالتالى لا يجوز فرض ضريبة على بدل منشأ بحكم قضائى تعبيرًا عن قاعدة عرفية إعمالاً لمبدأ قانونية الضريبة أو شرعية الضريبة. فلا يمكن فرض أي ضريبة إلا بقانون وفقا للمادة 38 من الدستور التى نصت على أنه لا يكون إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا فى الأعمال المبينة بالقانون وطالما أن البدل لم يصدر به قانون تشريعى لتقريره فيبطل فرض الضريبة عليه .

وأضاف المحامى أن قضاء المحكمة الإدارية العليا استقر على أن خضوع البدلات للضريبة يتحقق بمجرد تحقق الواقعة المنشئة لها التى تستلزم أن يكون البدل ذاته مقررًا بأداة تشريعية وأنه يجب تفسير النصوص على وجه لا يتوسع فيها بما يسمح بفرض ضريبة على بدل لم يصدر به قانون أو لائحة بتقريره.

فإنشاء الضريبة العامة وتحديد فئاتها محظور دستوريًا إلا بنص في القانون وهو ما يستلزم أن يكون البدل ذاته مقررًا عن طريق التشريع وليس بقاعدة عرفية أنشأها القضاء.

 ولا يجوز التوسع أو القياس في تفسير القواعد القانونية التي تقرر الخضوع لضريبة معينة أو الإعفاء منها، لما في ذلك من افتئات على مبدأ شرعية الضريبة بإدخال ممولين في نطاق زمنى حديث مجال الخضوع لها وإبعاد ممولين عن دائرة الخضوع للضريبة فى نطاق زمنى سابق ودون وجود نص تشريعى بتنظيم البدل للفئتين، وهو ما يستقل به دستوريًا المشرع ولا يملكه غير القانون.