رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعمار غزة.. لمن تذهب المساعدات؟

مصر هى الدولة الوحيدة، إلى الآن، التى أعلنت عن تقديم مساعدات لإعادة إعمار قطاع غزة. ومن العاصمة الفرنسية باريس، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبل التوصل إلى الهدنة، عن مبادرة الـ٥٠٠ مليون دولار. وهناك دول عديدة أبدت استعدادها لتقديم مساعدات، لكنها حذرت من الاستغلال السياسى لتلك المساعدات، أو بمعنى أوضح، اشترطت عدم ذهابها إلى حماس.

بوضوح، تعهد الرئيس الأمريكى جو بايدن بجمع «مبلغ كبير»، وقال إن بلاده ستعمل من خلال الأمم المتحدة ومع أطراف دولية أخرى، على تقديم مساعدات، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، «بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها العسكرية». كما دعا بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى، إلى إيجاد طرق تمنع وصول مواد إعادة الإعمار إلى حماس. وقال دينيس روس، الذى سبق أن قاد عملية السلام، إن طرفًا ما، ربما يكون المصريون، ينبغى أن يكون له وجود فعلى فى غزة، لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها.

قيل إنه تم الاتفاق على أن تكون أموال المساعدات تحت يد السلطة الفلسطينية، مع تشكيل لجنة دولية، للإشراف أو المراقبة، وضمان عدم توجيه أموال المساعدات إلى شراء أسلحة. وفى برنامج «آخر النهار»، قال دياب اللوح، السفير الفلسطينى لدى القاهرة، لزميلنا وصديقنا الدكتور محمد الباز: «لا نريد أموالًا توضع فى خزائن السلطة أو غير السلطة، بل نرحب بإعادة إعمار غزة وفق أى آلية مريحة ومطمئنة للدول المانحة». غير أن وكالة «رويترز» نقلت عن مسئولين أمريكيين وأوروبيين، حاليين وسابقين، أنه من شبه المستحيل تطويق غزة ومنع تحول السلع المخصصة لإعادة الإعمار إلى صواريخ محلية الصنع، مؤكدين أن سلعًا عادية، مثل الأنابيب والسكر والخرسانة يمكن توجيهها إلى استخدامات عسكرية.

مع تواصل المساعى المصرية لتثبيت هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية وتل أبيب، تصدّر ملف إعادة إعمار غزة قائمة الأولويات. وبعد أن انفكت عقدة لسانه دعا مجلس الأمن إلى إطلاق «حزمة دعم متكاملة وقوية» بشكل «فورى»، لإعادة إعمار القطاع وللحاجات الإنسانية. وفى البيان، الذى صدر بعد أربع محاولات فاشلة، أشاد المجلس بـ«الدور المهم» الذى اضطلعت به «مصر والأمم المتحدة ورباعية الشرق الأوسط وغيرها من الشركاء الدوليين»، وشدّد على «أهمية استعادة الهدوء بالكامل»، مؤكدّا «أهمية تحقيق سلام شامل يقوم على رؤية منطقة تعيش فيها دولتان، إسرائيل وفلسطين، بسلام، جنبًا إلى جنب، بحدود آمنة ومعترف بها».

مطالب الطرفين لتحقيق تهدئة طويلة الأمد، تتركز على الوضع فى القدس وتخفيف الحصار حول القطاع وتبادل الأسرى وفتح المعابر أمام التجارة والعمالة وستكون هذه الأمور، مع ملف إعادة الإعمار والمساعدات، على أجندة محادثات وزير الخارجية الأمريكى مع الرئيس محمود عباس وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، خلال زيارته المنطقة الأربعاء والخميس المقبلين. وغالبًا سيتم تعيين هادى عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشئون الفلسطينية والإسرائيلية، مبعوثًا أمريكيًا خاصًا للشرق الأوسط.

لعبت الولايات المتحدة دور «مذيع المباراة» المنحاز لأحد الفريقين، ومع ذلك زعم وزير خارجيتها لقناة «إيه بى سى نيوز»، أمس الأول الأحد، أن بلاده ركزت على «الدبلوماسية الحازمة والهادئة» التى أوصلت إلى «إنهاء العنف فى أسرع وقت ممكن، ووقف المزيد من المعاناة الإنسانية»، وكرر ما قاله بايدن حول ضرورة عدم ذهاب الأموال إلى «حماس»، متعهدًا بالعمل مع «الأطراف المستقلة الموثوقة»، التى يمكن أن تساعد فى إعادة الإعمار، وليس «بعض السلطات شبه الحكومية» التى قال إنها «لم تجلب سوى الخراب للشعب الفلسطينى». ورأى أن «التحدى الحقيقى هو مساعدة الفلسطينيين المعتدلين والسلطة الفلسطينية».

على ما تضمنه كلام وزير الخارجية الأمريكى من تدليس، إلا أن السلطة الفلسطينية، بالفعل، هى الجهة الشرعية، التى يمكن للعالم أن يتعامل معها. مع ملاحظة أن حماس مدرجة على قوائم التنظيمات الإرهابية فى العديد من دول العالم. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن موقع «واللا»، وثيق الصلة بالمخابرات الإسرائيلية، نقل عن «مسئول أمنى كبير»، أن الجيش الإسرائيلى قرر إحداث تغيير جذرى فى تعامله مع «حماس»، وأوصى القيادة السياسية بأن توقف تحويل المساعدات المالية، التى تقدمها قطر إلى غزة، إذا لم يتم تحويلها للسلطة الفلسطينية.

أخيرًا، ودون ترتيب البيت الداخلى الفلسطينى، لن يتمكن الأشقاء من مواجهة التحديات، كما لم يتم تحرك عملية السلام دون دعم جهود السلطة الوطنية الفلسطينية، من جميع الفصائل. وليس منطقيًا ألا تقبل حماس بأن تتلقى السلطة المساعدات وأن تتولى الإشراف على إعادة إعمار قطاع غزة، لأن الحركة، ستكون جزءًا من تلك السلطة إذا ما تشكلت حكومة وحدة وطنية، وتم توحيد كل الفلسطينيين تحت مظلة سلطة واحدة، تسعى لتحقيق أهدافهم واستعادة حقوقهم.