رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكراها.. زينات صدقى النبيلة التى جعلت من مدفنها لكل عابر سبيل

زينات صدقي
زينات صدقي

«أيوة إعلان جواز يا حبيبتي، عذراء هيفاء حسناء، ولهاء دعجاء سمراء فيحاء، فى العشرين من ربيعها الوردى الزاهر المزدهر، تملك سيارة وفيلا ودار أزياء، ملفوفة القوام كغصن اللبان، تطلب زوجا مش ضرورى جامعيا، ثقافيا إعداديا إلزاميا أهو راجل والسلام، الإمضاء مراهقة».. من ينسى تلك الجملة الشهيرة لفاكهة السينما المصرية الفنانة القديرة «زينب محمد سعد» الشهيرة بزينات صدقى، والتي تمر اليوم الذكري الــ 109 لميلادها. 

عبر أكثر من جيل سواء كان قد عاصر زينات وشاهدها على خشبة المسرح، من أول كازينو بديعة مصابنى مرورا بفرقة نجيب الريحانى المسرحية، وصولا إلى فرقة يوسف بك وهبي، أو فى دور العرض السينمائى. 

وحتى الأجيال الحالية، ما زالت لا تفوت فرصة لمشاهدة أفلامها، سواء على شاشات الفضائيات أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، فكل هؤلاء ما زالت محفورة فى وعيهم إفيهات وعبارات زينات، ومن ينسى السباب المهذب الذى وجهته لإسماعيل ياسين فى فيلم «ابن حميدو»: «الوحش الكاسر الأسد الغادر إنسان الغاب طويل الناب»، أو الأخرى التى كانت من نصيب عبدالسلام النابلسى: «يا مُهدَى إلى الحديقة يا وارد إفريقيا يا مجنون بالأقدمية يا واخد السراية بوضع اليد»، فى فيلم «شارع الحب»، وغيرها من عباراتها الأثيرة ومنها: «يعنى أنا اللى هفضل كده من غير جواز؟! ده حتى مش كويس على عقلى الباطن، يا روح الرووووح.. يختى جماله حلو يختى دلاله حلو، حسب الله حسبولو حسبولى.. املالى الوسادة الخالية-بتبصلى كده ليه والمكر جوا عينيك؟ ياختى جماله حلو شبابه حلو، كتاكيتو بنى، يا سارق قلوب العذارى، عوّض عليا عوض الصابرين يا رب، أنا قلبى ليك ميال ولا فيه غيرك ع البال إنت وبس اللى حبيبى».

وفى كتابه «زينات صدقى.. سيرة درامية» يقدم مؤلفه «ماهر زهدى»، سيرة فنية أقرب للسيناريو يتتبع فيها حياة زينات صدقى منذ النشأة الفنية وقبلها بقليل، ويمهد للمناخ الذى ولدت فيه زينات فى حى بحرى بالإسكندرية، الذى يكاد يكون الحى الوحيد المحاط بالبحر من ثلاث جهات، ورغم أن تلك الطبيعة المكانية أجبرت ساكنيه على العمل فى مهن الصيد وصنع الشباك والسفن، كان من طراز فريد، حيث يتفرد بوجود أماكن تجمعات صفوة المجتمع، مثل نادى اليخت، النادى البحرى اليوناني، بل ويقع فيه قصر رأس التين أفخم قصور مصر الملكية. 

تكشف خلفية «زينات» الخاصة بعشق والدتها «حفيظة حسن» للعزف على آلة العود، سر تعلقها بالفن منذ أن كانت طفلة، ورغم أن الأم حفيظة كانت تعزف على العود فى الخفاء بعيدا عن أعين عائلة زوجها خاصة «سِلْفتها» إلا أنها كانت تحظى بأوقات خاصة تمارس فيها حبها للموسيقى، فكانت تنظم سهرات لبعض جاراتها ممن تثق فيهن وتظل تعزف طوال الأمسية، ولاقت استحسانا كبيرا من الجميع خاصة طفلتها زينات. 

وعندما تقرر زينات صدقي العمل كمطربة فى الأفراح تخفى هويتها واسمها الحقيقي، وتستعير اسم والد صديقتها «خيرية» ليصير «زينب صدقى» إلا أن عمها يكتشف عملها بالغناء فيطاردها حاملا سكينا لينتقم منها لأنها أساءت لسمعة العائلة. 

تضطر زينات صدقي لهجر بيتها بصحبة أمها، فاستأجرتا منزلا بعيدا عن أسرتها التى تطاردها، تزامن مع هذه الخطوة التحاقها بتياترو «محمد على» فى زيزينيا لصاحبه الخواجة «إيليانو» مقابل جنيهين فى الأسبوع، ولمع نجم زينات وأصبحت واحدة من أشهر مطربات ملاهى وكازينوهات الإسكندرية خاصة بعد تعاقدها مع ملهى (اللونا بارك) ليصبح راتبها أربعة جنيهات فى الأسبوع.

في حياة زينات صدقي الشخصية ثلاث زيجات لم تثمر أطفالا، كانت الأولى من ابن عمها الطبيب، الذى كانت تحسدها عليه بنات العائلة، إلا أنها انتهت فى أقل من عام بالتحديد 11 شهرا، نظرا للتباين الشديد بين الشخصيتين فى كل شيء، أما ثانى أزواجها فهو الملحن إبراهيم فوزى، الذى زاملها فى فرقة الريحانى المسرحية، ولم يدم أكثر من 3 أشهر وانتهى بإجبارها على الاختيار بينه وبين عملها، أما ثالث زيجاتها فكانت من أحد ضباط ثورة يوليو وانتهى سريعا أيضا، خاصة أن أعمال زينات الفنية زادت حتى إنها وصلت لتصوير أكثر من 3 أفلام فى الشهر الواحد، تخرج من هذا البلاتوه لتدخل آخر ولا تحظى بعدد ساعات نوم أكثر من أربع ساعات. 

كانت زينات صدقي تخاف من المرض والوحدة، فأخذت على عاتقها تربية ورعاية ابنة شقيقتها «نادرة»، والتى أسمتها بذاك الاسم تيمنا باسم بطلة فيلم «أولاد الذوات»، نشأت نادرة فى كنف خالتها زينات وحتى بعدما تزوجت أقامت معها فى شقتها حتى لا تتركها وحيدة، خاصة بعد وفاة الأم حفيظة. 

من المواقف التى تنم عن نبل وأصالة معدن تلك الفنانة العظيمة، ما حدث بعد رحيل المخرج «كمال سليم» عن 32 عاما، ولم يستكمل فيلمه الأخير «قصة غرام»، وكانت تشارك فيه زينات صدقي، فوفاة سليم لفتت انتباه زينات إلى ضرورة شراء مدفن للعائلة: «يعنى يا أمى لما أموت هتستنوا لما تسافروا بيا كل الطريق ده لحد إسكندرية؟» وبالفعل تشترى المدفن، لم تضع عليه لافتة تحمل اسم أسرتها، إنما كتبت عليه عبارة «مدفن لكل عابر سبيل»، وأوصت حارس المدفن أن يسمح بدفن أى إنسان ليس لديه مدفن خاص به أو بعائلته، وكان أول من دفن فيه هو زوجها السابق إبراهيم فوزى خاصة أن أحدا لم يستدل له على أقاربه أو أهله.