رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الرحمن الأبنودي: جاهين كان سببًا فى دخولى عالم الطرب من أوسع أبوابه

عبد الرحمن الأبنودي
عبد الرحمن الأبنودي

لم يكن الفن فقط هو من جمع الشاعران الكبيران، ولكن الموت أيضًا، حيث توفى "جاهين" في 21 إبريل من عام 1986، ليعود الخال "الأبنودي"، ويشاركه الوفاة بعد 29 عاما في اليوم ذاته، أما عن بداية الخال عبد الرحمن الأبنودى فكانت عندما نشر له صلاح جاهين أول قصائده بتاريخ ١٦ نوفمبر ١٩٦١، فى مجلة "صباح الخير" فى باب "شاعر جديد أعجبني"، نشر جاهين للأبنودي حتى قبل أن يعرفه وقبل أن يأتي الأخير للقاهرة فقد كان وقتها يعمل كتابيا في محكمة قنا الإبتدائية.

كتب صلاح فى تقديمه للأبنودى: "أترقب رسائله، تصلنى أحيانا على ورق أبيض، مقطع سلائخ طويلة كأعمدة الصحف، مكتوبة بإتقان شديد على الآلة الكاتبة، وأحيانا بالحبر على ورق مسطر، مطبوع على رأسه اسم تاجر خضار وفواكه وقومسيونجى، بمدينة قنا، وأحيانا على "فولسكاب" كبيرة ذات هوامش واسعة، على أنه مهما اختلفت أشكال رسائله، فهى لا تحمل إلا شعرا، ونادرا ما يوجه لى كلاما فى أى من هذه الرسائل، لذلك لا أكاد أعرف عنه شيئا كثيرا، حتى عمره لا أعرفه، ولكنى أرجح أنه ما زال فى عشرينياته الأولى، كل الذى وصلنى أنه يعمل موظفا كتابيا فى محكمة قنا الابتدائية".

 

وأضاف جاهين في وصفه لشعر عبد الرحمن: "أما عن شعر عبدالرحمن الأبنودى فهو على درجة كبيرة من التقدم، فصوره يختارها من الحياة اليومية، ولكنه يستطيع أن يشحنها بالعاطفة، فنكتشف -بفرحة- كم هى موحية وعميقة هذه الصور، إن اكتشاف الشعر في زوايا حياتنا التي أهملها الزمن، وإثراء عاميتنا بالتعبير الأدبي الخصب، لهو عمل وطنى قد يكون فى أهمية اكتشاف البترول فى قفارنا، إن لم يكن أهم".

 

دودة القطن 

 

تناولت القصيدة التي نشرها جاهين مشكلة القطن آنذاك، فأعجب بها وقرر نشرها ويعلق "الأبنودى" على ما فعله صلاح معه فيقول: "تلك البادرة فتحت لى مجالًا للاتصال بالناس فى المحيط، وزيادة إقبالى على النظم، وتوطد علاقتى بصلاح جاهين، وكانت سببًا فى دخولى عالم الطرب من أوسع أبوابه"، وذلك لأن أغنية "دودة القطن" تم الاتفاق على غنائها فى الإذاعة، فاتصل بـ"جاهين" الذى أكد له ذلك، وطلب إليه أن يذهب إلى الأستاذ حسن الشجاعى فى الإذاعة، وقابل الأبنودى حسن الشجاعى وحصل على 5 جنيهات وربع ثمن كلمات الأغنية وكذلك دعوة لكتابة كلمات 3 أغنيات جديدة، أما عن قصيدة دودة القطن نفسها فتقول كلماتها: "ماتقولش حاجات مقسومة.. ماتقولش الأيام سود.. قوم من أحلاها نومة.. وانجد قطنك من الدود".

يصف "الخال" شاعر العامية الأبرز صلاح جاهين راثيًا له بعد صداقة امتدت لأعوام طويلة: "هو ظاهرة لن تتكرر، كتب شعرًا عبقريًا، لكنه عرف الطريق إلى لغة بسيطة سلسة، هو حالة متفردة استطاع أن يكون من أوائل المكتشفين العظام لجيولوجيا مشاعر الإنسان المصرى وأخلاقه وتراثه فى القول والسمع".

وفى لقاء خاص جدًا، جمع الخال بعدد من الأصدقاء قال: "إن النظام الناصرى لم يعتقل صلاح جاهين لأنه كان شاعر الثورة، ودائمًا أضع حدًا فاصلًا ما بين الداعى للثورة، ووظيفة العاشق؛ فصلاح جاهين كان عاشقًا للثورة ويحب جمال عبدالناصر حبًا حقيقيًا، وكان يحلم معه حلمًا كبيرًا، وعندما جاءت النكسة قتلت اثنين كما أقول دائمًا صلاح جاهين ويوسف إدريس، وصلاح جاهين لم يكن أكثر تعقلًا منا مع النظام لأنه لم يتناقض مع النظام، وربما كان على حق، لو كان صلاح جاهين قد كتب لجمال عبدالناصر والثورة لما استطاع أن يكون له حضور قوى معنا، وكل الشواهد التى تؤكد أنه تعلق بالقضايا العربية ودافع مريرا عن قضية فلسطين بعيدة عن قضية الأمة المصرية".

 

ويحكى الخال عن "جاهين" بقوله: "صلاح ابتعد بالحلم طويلًا عن واقعنا وأنه لا يجب أن نحلم إلا بقدر ما نحقق وعلى ما يبدو فإننى كنت جارحًا أو قاسيًا بعض الشيء، دعانى جاهين للغداء فى كافتيريا جريدة الأهرام ليقول لى إنه لن يكف عن الحلم، فقلت له إن علينا أن نحلم فالشعر يقوم أساسًا على الحلم، وأننا إذا فقدنا الحلم سنموت ولكن يجب حين نحلم أن نكون نائمين بكامل ملابسنا وأظن أن هذا الحوار هو الذى أوقف الحوار بيننا، وظللنا بعد ذلك نهاتف بالتليفونات".

وما لا يعرفه الكثيرين أن عطيات الأبنودي الزوجة الأولى لعبد الرحمن هي من قامت بجمع وتنسيق الأعمال الكاملة لجاهين، حتى يتم توثيقها، والمفارقة الأهم كانت في وجود عبد الرحمن الأبنودي في إنجلترا، من خلال مرافقته لزوجته عطيات أثناء دراستها للسينما في الوقت نفسه الذي توفي فيه جاهين في أحد مستشفيات إنجلترا، ليصبح الأبنودي رفيقاً له في وفاته في الغربة، وكأنه يرد له جميل بدايته على يد جاهين، ورثاه الأبنودى فور رحيله بقصيدة قال فيها:

"الاسم زى الجواهر فى الضلام يلمع\ تسمع كلامُه ساعات تضحك ساعات تدمع\ شاعر عظيم الهِبات\ معنى ومبنى يا خال\ يشوف إذا عَتِّمِت واتشبَّرت لاحْوال\ كإنه شاعر ربابة\ ساكن الموّال\ يقول.. وحتى إن ما قالش تحسّ إنه قال\ ولا يقول مِ الكلام إلا اللى راح ينفعْ\ والاسم زى الجواهر فى الضلام يلمعْ\ المسألة مش قوافى أد ما هى رؤى\ الكون فى إيد البصير أصغر من البندقة\ وضحكة الفيلسوف متجمعة من شقا\ تفتحها تقفل عليك.. مسا دا ولا صباح؟\ والصوت دا وسط الفرح زغروتة ولا نواح؟\ يا بهجة الدنيا.. يا غنيوة الأفراح\ أكلوا تمورك وراضي\ لو صابوك بالنقا\ المسألة مش قوافى أد ما هى رؤى\ نزل من بطن أمه\ بصراخ موزون مقفى\ وكإن فنه دمه\ وتقيل مع إنه خِفه..\ واسمه.. صلاح جاهين".