رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بدايته في العصر العباسي.. رحلة ظهور «المسحراتي» واقترانه بشهر رمضان

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

مع حلول شهر رمضان الكريم تحل معه طقوسه الخاصة التي تميزه وتمنحه رونقه المميز التي تزيد من بهجته، ومن أكثرها فرحة وخاصة عن الأطفال وجود المسحراتي الذي ينطلق في جولاته مع اقتراب موعد السحور لينبه الصائمين أنه حان الوقت لتناول السحور قبل أن يحين موعد الإمساك وآذان الفجر.

 

 ومن خلال الطبلة والعصا أو الأولى وحدها ينطلق المسحراتي في الشوارع والأحياء مناديًا بأسماء من يعلمهم من الاطفال لينبههم وينبه والديه، وفي أحيان أخرى يلف وراءه الأطفال كي ينادي باسمائهم خصوصًا في مشهد احتفالي بهيج يتميز به الشهر الكريم. 

وفي هذا الصدد يرصد لنا الخبير الأثري عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء، وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم للسحور. 

 

ـ السحور في بداية الإسلام 

أوضح ريحان أن السحور في بداية الإسلام كان عن طريق أذانان للفجر أحدهما يقوم به بلال وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر والثاني يقوم به عبد الله بن أم مكتوم، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن آذان بلال ليس موعدًا للإمساك عن الطعام والشراب لبدء الصيام وإنما هو آذان للمسلمين في تناول طعام السحور حتى يسمعوا آذان ابن أم مكتوم. 

 

فجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم " إن بلالًا يؤذن بالليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وروى أحمد " لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ليرجع قائمكم وينبه نائمكم " ، فقد كان آذان بلال بمنزلة الإعلام بالتسحير في شهر رمضان وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور.

 

 ـ بداية ظهور المسحراتي 

 

وأضاف الدكتور ريحان أنه مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور وبدأ المسلمون يتفننون في وسائله وأساليبه حتى ظهرت وظيفة المسحراتي في الدولة الإسلامية في العصر العباسي، وكان والي مصر عتبة بن إسحاق أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور عام 238هجريًا. 

 

وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط مناديًا الناس "عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة"، وذلك طبقًا لما جاء في دراسة للدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

 

 وذكر الدكتور ريحان أن المسحراتي في العصر العباسي كان يحمل طبلة صغيرة يطبل عليها مستخدمًا قطعة من الجلد أو الخشب ومعه طفل أو طفلة صغيرة معها شمعة أو مصباح لتنير له طريقة، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها من ضوء النار فيدعي لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة.

 

 وفي نهاية الشهر الكريم كان يلف على البيوت التي كانت تعتمد عليه في السحور ليأخذ أجرته وكان من المعتاد أن ينشد المسحراتي شعرًا يسمى بال" قوما" نسبة الى قيام الليل لتناول السحور وكان مشهورًا وقتها عن شهر رمضان. 

ـ المسحراتية من النساء

 ولفت الدكتور ريحان إلى أن مهنة المسحراتي لم تقتصر على الرجال فقط كما يعتقد البعض فكما أن هناك المسحراتي فهناك أيضاَ "المسحراتية"، ففي العصر الطولوني كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة في وقت السحور لتوقظ أهالي البيوت المجاورة لها كما كانت المرأة المستيقظة في وقت السحور تنادي على جاراتها لإيقاظهن. 

 

وفى العصر الفاطمي أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرًا بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلًا للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي يا أهل الله قوموا تسحروا ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها في يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة.

 

 ـ محاولات تلاشي مهنة المسحراتي 

 

وأضاف الدكتور ريحان أنه في العصر المملوكي كادت مهنة المسحراتي أن تتلاشى تمامًا لولا أن الظاهر بيبرس أعادها، حيث عين أناسًا مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بتلك المهمة وكانوا يحشدون من وراءه الأطفال الصغار ومعهم الفوانيس والشموع. وتعرف طبلة المسحراتي بـ "البازة" إذ يُمسكها بيده اليسرى وبيده اليمنى سير من الجلد أو خشبة يُطبل بها في رمضان وقت السحور.