رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المراة..عيد كل الأعياد


كيف يكون للمرأة عيد،وهي عيد لكل الأعياد؟!
أليس من غرائب وعجائب كوكبنا هذا؛ أن يكون شهر (مارس/إله الحرب عند الإغريق)؛ هو شهر الاحتفال في اليوم الثامن منه بما أسمَوه بـ "يوم المرأة العالمي" ؛ ويليه في الثلث الأخير منه احتفالية عالمية كبرى بـ "عيد الأم" ثم احتفالية" يوم الشهيد " ؟ 

بلى؛ لأن العالم ــ في اعتقادي ــ أراد أن يقوم بالتكفيرعما ارتكبه من فظائع وجرائم بإراقة بحور الدماء في الحروب التي أشعلها لأتفه الأسباب؛ بمحاولة تكريم المرأة التي فقدت زوجها وابنها في طاحونة الحروب، وعادوا إليها أشلاء في صناديق، أو في شكل "سًترة" ملطخة بالدماء، وربما لم يستدل علي رفاتهم إلى يومنا هذا، وعندما تداركوا مدى الحسرة واللوعة والأسى والفجيعة في فقدان شهدائهم، زادوا الطين بلَّة لزيادة عدد الأيام المتشحة بالأحزان والسواد؛ فقاموا بتحديد يوم التاسع منه لإقامة احتفالية تعويضية بـ "يوم الشهيد" ! وهل تفيد "الطبطبة" والبكاء على جسد الصندوق الفارغ من الروح وصاحبها؟ ولكنها الاستجابة الفطرية والتضحية بالأجساد والأرواح لنداء الوطن؛ واحتسابهم عند الله في جنة الرضوان الأبدية .
ألم أقل لكم إنها عجائب وغرائب طبائع الإنسان على الأرض ؟

 ولكن مايعنينا في المقام الأول هو المرأة المصرية ودورها الفاعل والمؤثر في المجتمع؛ كملقنة أولى للنشء "صبيان وبنات" للمبادىء السامية واعتناق قيم الحق والخير والجمال والحرية، عند أداء أدوار شخصياتهم على خشبة مسرح الحياة ، وليخرج من بين يديها المئات من العباقرة في الطب والهندسة والأدب والشعر  والموسيقا والجنود حماة الوطن والعمال والصنَّاع المهرة منذ عشرينيات القرن الماضي .  

وتعنينا أيضًا دراسة أبعاد وأسباب ظاهرة اختفاء المرأة المصرية خلف "خيمة الحجاب والنقاب والعباءة السوداء"، تلك الخيمة والعباءة التي طارت من أرض نجد والحجاز والجزيرة الوهَّابية العربية لتحط على رأسها؛ لتصبح ـ كما يقولون ـ "ملكيَّة أكثر من الملك"، أو ربما جاءت مع أفكار العائدين من بلاد النفط والدولار وجبروت "الكفيل" وتحقيق أوامره حفاظًا على لقمة العيش، ثم تلقفها لتثبيتها فوق الرؤوس أدعياء الفتوى ورجالات كهنوت الدعوة العقائدية، وتحقيقًا للمساواة الوهمية اختصروا جلابيبهم إلى منتصف الساق وأطلقوا اللحى لتتدلى على صدورهم ! وبادعاءاتهم المغلوطة ـ بما لهم من سطوة في المجتمع الذكوري ـ أن هذه هي مظاهرومتطلبات الدين الحنيف، وعلى المرأة أن ترضخ لتلك الظاهرة الغريبة على المجتمع المصري، منذ قامت المرأة بمشاركة الرجل جنبًا إلى جنب في ثورة التنوير عام 1919 . 

 و إحقاقًا للحق .. فإن المرأة المصرية؛ تتحمل الجزء الأكبر من هذه التبعات التي أوصلتها برضوخها إلى ماهي عليه الآن؛ فهي من ابتدعت ـ منذ عهد حواديت الجدَّة  ـ " أغاني المهد" التي تحمل في طيات مضامينها إعطاء الدرع والسيف والفرس والشجاعة للفارس الذي لم يشُب بعد عن الطوق؛ لتقول للولد/الذكر: "«لما قالوا ده ولد/اتشـد ضهري وانسند/وجابوا لي البيض مقشَّر/ وعليه سمْن البلد"، وتقول للبنت/الأنثى: "لمَّا قالوا دي بُنيَّة/قلت الحبيبة جايَّة/تعجن لي وتخبز لي/وتسخَّن لي الميَّه"، وفي بعض المناطق تتحول الأغنية إلى مناحة وعديد ""لمَّا قالوا دي بنيَّة/قلت الخيبةجايَّة !

وعلى هذا الإيقاع يشُب الذكر؛ وفي تلافيف رأسه كل هذا الموروث التراثي الذي يُعلي قدره، وتشب البنت بكل القناعة أنها جاءت للعجين والخبيز وتجرأشلاء الخيبة التي التصقت بها وهي مازالت في المهد رضيعة من لبن التلقين السلبي المسموم ! ولم يخلُ التراث من أساليب "المعايرة" من "أم البنات" فاخترعت الأغاني التي تكيد "الضُّرة " التي تنجب الذكور .. فتقول  أغنيتها : ما تفرحيش ياامُّ الولد/البنت كبرت عِشقته/يبني لها بيت قبلي البلد/تحرم عليكي حِجِّته" !! ولكن هذه الأغنيات الكيدية لاتصمد طويلاً أمام مايسمَّى بـ "العزوة" والتباهي بـ "خِلْفة الصُّبيان" !

ولكن مافات قد فات، ولا يجب أن يفوتنا العمل الجاد على الاحتشاد لإنقاذ المرأة المصرية و"الأم" على وجه الخصوص من تلك الهجمات الشرسة على عقلها وفكرها ووجدانها؛ لنخلق النموذج الأمثل للأم الشجاعة التي تُرضع طفلها في المهد سلاف روحها الوثابة؛ ليشُب عن الطوق حاملاً كل صفات الولاء والانتماء للوطن؛ ونبذ الأفكار الهدَّامة التي تبثها جماعات الإرهاب الأسود في جدران مجتمعنا المسالم الآمن البسيط؛ وتقوم بتجنيد النشء على العنف واللعب بأفكارهم الغضَّة بالوعود الوهمية بجنة حورالعين في الحياة الآخرة . 

إنني أهيب بمنظمات المجتمع المدني  والمجلس القومي للمرأة ومؤسسات الدولة السيادية؛ أن تُعيد للمرأة المصرية قيمتها وهيبتها، تلك المرأة التي وضعت على رأسها تاج عرش مصر منذ فجر التاريخ ؛ حين كانت نساء العالم "سبايا" يُبعن بأرخص الدراهم في أسواق الرقيق .

إننا في "يوم المرأة العالمي" نتمنى أن تكون الاحتفالية بها للتمجيد الحقيقي بإنصافها بكافة القوانين، وإن صدر بعض تباشيرها لكنها مازالت غير كافية ولاتغطي كل استحقاقاتها. كما نأمل في الإضاءات المستمرة على تاريخها الناصع في نصرة الوطن ورجالاته التي تقوم على تربيتهم، ولا تكون الاحتفالية للبكاء على أطلال الماضي؛ وتجديد كل الموروثات العقيمة التي لانريد لها تبديلاً ولا تحويلاً ، فعجلة الأيام تدور بضراوة؛ ونخشي أن تدهسنا تروسها التي لاترحم ؛ وحتى لانظل سطورًا مجهولة على هامش صفحات التاريخ !
 وختاما أسوق رأي مناضلة‏ الحرية نوال السعداوي :"جريمتي الكبرى .. أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل."
ولا يخفى على أحد أن المرأة عقل الأسرة..بل الأمة!