رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تنشر الحوار الأخير مع شاكر عبدالحميد.. حول كورونا والخوف والموت

شاكر عبد الحميد
شاكر عبد الحميد

تعيد «الدستور»، نشر آخر حوار مع الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، والذي توفي مساء اليوم عن عمر ناهز 69 عاما.

الحوار نشر في 21 يونيو 2020.

وإلى نص الحوار:
فى ظل جائحة فيروس «كورونا»، التى غيّرت مفاهيم كثيرة حول الإنسان والعالم، بات هناك الكثير من الأسئلة التى تدور حول: كيف سيكون العالم بعد انحسار الفيروس؟، وما التبعات التى ستظل ملتصقة بالأفعال الإنسانية، وما يمكن أن نسميه «إرث كورونا»؟، وما أثر التباعد الاجتماعى والحظر والعزل المنزلى على الشخصية؟، وكيف يمكن الرجوع لـ«إنسان ما قبل كوفيد- ١٩»؟
الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، أستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون، يحاول فى حواره مع «الدستور»، وضع تصور لشكل الإبداع العالمى فى مرحلة ما بعد «كورونا»، وكيف سيستطيع المبدع التأقلم مع تلك المتغيرات، وتطويع الآثار السلبية العديدة على النفس البشرية، وغيرها من التفاصيل.


■ ما الذى سيتغير فى إبداعات ما بعد «كورونا».. الدوافع أم الموضوعات أم الآليات؟
- من الصعب التنبؤ بهذا الأمر، ومن يجزم بأن أشياء معينة ستحدث بعد «كورونا» فهو مخطئ، نعم، بالتأكيد هناك تغيرات ستفرضها الظروف، أما عن توقعاتى فلا أظن أن الجائحة ستنتهى، ستظل مثل الأوبئة فى تاريخ العالم، تكمن وتظهر، لكن هناك كمونًا يطول، لمدة قرن مثلًا ويعود للظهور، والوباء الذى نعيش فيه سيكمن شهورًا أو فصولًا لكنه لن يختفى بسهولة حتى بعد اكتشاف المصل.
وحالة التوقع أو الترقب والتنبؤ واليقظة كلها موجودة لدى الناس بشكل عام، سيرجعون إلى حيواتهم العادية بالطبع، ولكن ستظل هذه الأيام فيهم، مثل ذكريات ليست مبهجة لكنها ذكريات، بعضها مؤلم وبعضها مرتبط بالموت، وبعضها مرتبط بالحذر من الموت، وبعضها مرتبط بالحذر من الآخرين، وأخرى مرتبطة بالشك والحيرة، وبالطبع هناك أساليب جديدة فى الحياة وعلى مستوى التعامل الإنسانى، تخيل أن ما حدث جعل هناك حالة عامة من البُعد والتباعد الاجتماعى، فلا سلام ولا تقبيل، حالة جديدة تمامًا على العالم، وظاهرة غير مسبوقة فى عمر أى إنسان، الظاهرة غيّرت شكل العالم وستغير الكثير، وتشمل بالطبع هذه التغيرات الأدب والفن أيضًا.
■ هل ستُخلد فى أعمال فنية وأدبية مثلما حدث فى أوبئة سابقة مثل الطاعون وغيره؟
- نعم، مثلما حدث تمامًا فى أوبئة قديمة كان لها تأثيرها، فحين ظهر مثلًا «الموت الأسود» أو «الطاعون» فى القرن الثالث عشر تغيّرت بعده الأمور، وظهرت حركة عصر النهضة، وبعده ظهرت أوبئة ترتبت عليها أشياء أخرى، مثل القرن الـ١٨ حين ظهر الفن القوطى وأدب الرعب والأعمال الفنية التى ترصد حالات الموت، وظهرت أعمال كثيرة لفنانين تخلد هذه المراحل، حيث شرحت أعمالهم هذا الخوف غير المسبوق. وأنا أظن أنه ستكون هناك زيادة فى «أدب الدستوبيا والكوارث والخوف»، أدب يوضح أن الحياة نفسها أصبحت أشبه بالكارثة فى كل ناحية.
■ هل ستترتب على ذلك إعادة النظر فى «منظومة القيم» لدى العامة فى المرحلة المقبلة؟
- بالطبع، فكلمة «قيم» هى ما نعطى له قيمة مثل القيم السياسية والأخلاقية والجمالية والتربوية والدينية، والسؤال هنا: هل سيحدث نوع من التغيير؟.. نعم بالطبع سيحدث، فى البداية سيكون هناك نوع من التضامن الإنسانى وميل كبير لفعل الخير، وستتراجع النزعة الرأسمالية المتوحشة وستكون أقل حدة، وحتمًا ستكون هناك مراجعة لأشياء كثيرة أخرى.
■ التقلبات التى شهدها المجتمع، من الحجر المنزلى إلى الحظر وما واكب ذلك من عزلة.. إلى أى مدى يمكن أن يؤثر ذلك على الناس فى مرحلة العودة؟
- بالطبع هناك من سيمرون بحالة «متلازمة الكوخ»، وأنا أطلق عليها اسم «متلازمة الكهف»، وهناك حوادث فى التاريخ الإنسانى كثيرة دالة على هذا الأمر، تمامًا كما حدث مع الجنود اليابانيين إبان الحرب العالمية الثانية، فحين دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بعض الجزر فى المحيط الهادئ، هرب الجنود اليابانيون ودخلوا بعض الكهوف واختبأوا هناك، وظلوا مختبئين وتعايشوا مع اختبائهم سنوات طويلة لا يعرفون شيئًا عن العالم الخارجى، حتى تم اكتشافهم عام ١٩٧٢، وكانوا يتغذون على الأسماك والفواكه التى تملأ الأشجار، ولم يكونوا مدركين أن الحرب انتهت، وحين أخبروهم بذلك رجع بعضهم والآخر تآلف مع فكرة انعزاله ولم يحب الرجوع، لذلك فما بعد «كوفيد- ١٩» سيعجب بعضنا بعزلته، وبعضنا سيخاف مواجهة الناس، لأنه سيظن دائمًا أن هناك قنبلة وبائية ووباءً محتملًا قادمًا، ولو عطس أحدهم بجواره سيسبب له رعبًا، فالخوف هو سيد الموقف بالتأكيد، وهل سيخرج الناس بسهولة من هذا الأمر؟.. بالفعل البعض خرج ولكن البعض الآخر والسواد الأعظم يخاف، وأعتقد أنه ستكون هناك مراجعة للحياة بشكل عام، وسيكون هناك نظام أفضل وتعليم أفضل ونظام اقتصادى أفضل.
■ تتحدث عن نظام اقتصادى وتعليمى وصحى أفضل.. ما الإيجابيات الأخرى من وجهة نظرك؟
- بالنسبة للإيجابيات، فأنا أتوقع أن تكون هناك مراجعات للسياسات الاقتصادية والتعليمية والتربوية والصحية، وسيكون لهذه المراجعات نوع من التصحيح لهذه المسارات، أى أن يكون هناك اهتمام بالمستشفيات وإنشائها وتجهيزها لأى احتمالات، وسيكون التعليم أفضل مما هو الآن، وسيكون هناك اتجاه أكبر للطب والتمريض، ومراعاة أكثر للطبقات الكادحة، وستكون هناك مشروعات إنتاجية أفضل، أنا أتوقع كل هذه المراجعات، نحن فى أزمة، والأزمة يعتبرها البعض فى الدراسات النفسية فرصة للنجاح وليست فرصة للفشل، ومن الممكن أن تجعلنا هذه الأزمة أفضل.
■ لو كُلفت بوضع «روشتة عودة» تساعد الناس فى الخروج من صدمة «كورونا» وتوابعها.. فما أبرز عناصر تلك الروشتة؟
- أتمنى أولًا أن يخرج الناس من هذه التجربة بشكل أفضل، وأن يكونوا أكثر تعاطفًا مع بعضهم، وأكثر إحساسًا ببعضهم بعضًا، وأكثر محبة لوطنهم وأكثر تفاؤلًا، نحن نواجه الأزمات بالتفاؤل، والتفاؤل يرفع كفاءة جهاز المناعة، ليس للفرد فقط ولكن للأمم أيضًا، وأتمنى أن نتجاوز هذه الظروف القاسية وأن نكون أكثر ثقة فى الدولة والبلد، وأن تكون مصر قادرة على تجاوز كل أزماتها، وأنا متفائل بالمستقبل.
■ لا شك أن الثقافة أيضًا تأثرت بما حدث.. ماذا عن الملامح التى وقفت عليها فى تأثرها؟
- الثقافة بالمعنى العام وهى الثقافة الرسمية تحاول أن تجد لها مسارات بديلة، مثل برنامج الندوات والحفلات «أون لاين» وعلى القنوات، وأعتقد أنه جيد، لكنه ليس كافيًا، هناك فعاليات يجب أن تكون بالتفاعل المباشر، بالضبط كما يحدث فى حالة التدريس عن بُعد، التدريس «أون لاين» أفضل لبعض الحالات ولكن أنا أفضل التدريس المباشر، وإن حدث ما يحول دون ذلك فنلجأ للتدريس عن بُعد، ونفس الأمر متعلق بالثقافة، وفى نفس الوقت أعتقد أن هذه فرصة للتعلم، كان من الممكن أن تكون هناك برامج بديلة، ومن خلال قراءاتى خلال الفترة الأخيرة أقول لك إن بعض الدول منحت دعمًا للمشروعات الصغيرة والإبداعية للشباب، بمعنى أنه لو هناك مشروعات لصنع سجاد أو منسوجات أو سيراميك أو غيرها من الصناعات لكان ذلك أفضل، كان من الممكن أن نمنحهم دعمًا ونعرض منتجهم ونسوّق له، وأن يكون هناك أيضًا دعم للشباب لتجهيز مسرحيات وأفلام، كان لا بد أن يكون هناك صندوق لدعم الثقافة والفن فى هذه الفترة، ومن الممكن أن يكون هذا مطلبًا لوزارة الثقافة أو للدولة عمومًا، صندوق لدعم الشباب فى مجال الفن.
وبالنسبة لدور النشر، فقد تأثرت كثيرًا، ولا بد أن يكون هناك دعم لها أيضًا، أنا أذكر تجارب الدول الأفضل اقتصاديًا ولكن ليست الأفضل حضاريًا، يجب أن يكون لدينا بنك أفكار إبداعية لمواجهة الكوارث بالابتكارات، ولو كان لدينا ذلك لكانت هناك حلول بديلة لما حدث من تباعد اجتماعى مثل طرق بديلة، هل كان من الممكن أن تكون الحياة أفضل؟ بالطبع كان من الممكن أن تكون الحياة أفضل.
■ هل سنقرأ لك قريبًا كتابًا على خلفية صدمة «كورونا»؟
- أحاول ذلك بالطبع، وأنا أكتب مقالات دورية فى هذا الصدد، ومن الممكن أن أجمعها فى كتاب، لكن هذه الجائحة فرضت الكثير من الأفكار، فهى ليست جائحة مرضية فقط، بل جائحة إنسانية وثقافية، وكل يوم هناك أفكار وموضوعات تفرض نفسها، ولا أحد يعرف شيئًا على مستوى العالم بما فيها منظمة الصحة العالمية، فمن خلال المتابعة لتطورات هذا الوباء، ترى أن الأعراض نفسها تتغير والأسباب تتغير، وليست هناك حقيقة ثابتة، وبالطبع لا بد أن يكتب فى كل هذا بإذن الله، أنا أحاول لأن اهتمامى بهذا الموضوع جعلنى أترك كل شىء، وأهتم به فقط بالقراءة عنه.