رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقارنة أهمية أن نتحاور يا ناس




ليسمح لى أستاذى الكاتب الكبير «يوسف إدريس» فى مرقده الأبدى أن أقتبس منه عنوان هذا المقال، مع بعض التحوير، فقد كتب هاتفًا: «أهمية أن نتثقف يا ناس»، وعلى العموم لا فرق بين المحورين، فالحوار، الشخصى والمجتمعى، عمومًا، جزء من ثقافة كل شعب، بعضهم يحترمه ويجيده، فيقره ويهتم بإدارته، وبعضهم يلفظه ويقيم دونه الحدود والسدود، فلا يستفيد من قيمته وجدواه.
لكن «سقراط» هو الذى قال: «تكلم حتى أراك؟!»، والكلام المقصود هنا، ليس «الأى كلام»، كما يقول الناس، تعبيرًا عن الكلام الخالى من المعنى والمضمون، ولا الكلام الساكت الذى يقصد به أهلنا فى الصعيد، ذلك النوع من الكلام الذى لا قيمة له، والذى «لا يودى ولا يجيب»، ولا كلام «فض المجالس»، أى ذلك النوع من الكلام الذى يطلق للاستهلاك اللحظى، بلا أدنى نية للالتزام بمحتواه.
إنما المقصود، فى كل الحالات، ذلك الكلام الهادئ، الموضوعى، الطيب المبتغى، الذى يريد الوصول إلى لب الحقائق، ويسعى إلى استكشاف جوهر القضية، بهدف حل الإشكالات، وفك التعقيدات، والوصول إلى خطوة مقبولة تحقق الصالح العام، وتحرك المسائل المتنازع عليها، خطوات إيجابية للأمام.
إن «الكلام»، المقصود هنا، أى الحوار الهادف الرصين، هو ذلك الكلام المبنى، أولًا: على الحقائق المجردة، والمعلومات الصادقة، وليس على الشائعات أو الأساميع أو «قالوا له»، وهو ثانيًا: الكلام الهادئ الموضوعى، الذى يستهدف الحل لا الجدل، ويبتغى المساهمة فى دفع العجلة إلى الأمام، لا وضع العربة أمامها، وهو ثالثًا،: ذلك الكلام الذى يستهدف الصالح العام، لا الجدل الفوضوى للـ«غلوشة» تحقيقًا لأغراض خاصة، أو مصالح ذاتية ومطامع شخصية صغيرة.
هذه «الفذلكة» ليست نوعًا من أنواع «الكلام» الفارغ، الذى أشرنا إليه آنفًا، وإنما لها ضرورتها، بمناسبة الجدل الذى يدور فى فضاء المجتمع المصرى هذه الأيام بشأن بعض الملفات.. وهو جدل بعضه يستند إلى أسس واضحة وأركان صحيحة، وبعضه لا يستند إلى معلومات يقينية، أو بيانات مؤكدة، والبعض الثالث هو فى جوهره أمر مختلق، اصطنعه البعض لتحقيق مصالح خاصة، أو لأغراض التشويه المتعمد، والتشويش المقصود.
وخطورة هذا كله أن ترك الأمور المختلف عليها دون إدارة حوار موضوعى حولها، يضخم ككرة الثلج الجانب الضبابى بها، ويعظم الجزء المغلوط فيها، ويكتم الحقائق عن غير قصد أو بسوء نية، فتختلط الأمور، وتغيب الوقائع، ويزداد الجدل العشوائى بين الاتجاهات والآراء ويتفاقم الخلاف، وتوزع الاتهامات بين هذا وذاك.
إن «الحوار» المطلوب ليس أمرًا عبثيًا مطلوبًا لذاته، لأن ارتفاع وتيرة اللغط هنا وهناك، الذى يصاحب كل عمل، وينطلق مع كل خطوة، إنما يكشف، بكل وضوح، أن قنوات الحوار «الطبيعية» اللازم وجودها فى كل مجتمع لاستيعاب الآراء، واختبار صدقية الأفكار، واستخلاص الصالح منها ونبذ الطالح، معدومة أو تكاد، ومن هنا فـ«الـحوار» المطلوب، أمر ضرورى، بل بالغ الضرورة، وغيابه يجعل المجتمع هشًا، ويُعرضه للاختراق من هنا أو هناك، ويتركه عرضة للتأثر بهذا الرأى المغرض أو ذاك، من هذا الطرف المدفوع أو من غيره!
يقول «زينون الرواقى»: «لقد وُهبنا لسانًا واحدًا وأذنين، لنعلم أننا ينبغى أن ننصت أكثر مما نتكلم»، أما العم «صلاح جاهين» فيزيد: «لولا اختلاف الرأى يا محترم لولا الزلطتين ما الوقود انضرم ولولا فرعين ليف، سوا مخاليف كان بيننا حبل الوداد كيف اتبرم؟».
ومن هنا «أهمية أن نتحاور يا ناس»!