رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجبار».. اذهب إليه بكسرك وسيجبر بخاطرك «2 - 2»


لجوء النبى، صلى الله عليه وسلم، للجبار:
ضُرِبَ النبى بالحجارة يوم الطائف وقد كان يبلغ من العمر خمسين عامًا، وكان يبحث عن مكان يأوى إليه مع زيد بن حارثة، فدعا النبى شاكيًا إلى الله دون أن يطلب منه شيئًا، قائلًا: «اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس.
أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى؟- حال الأُمة حاليًا- أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك علىّ غضب فلا أبالى». ثم يأتى طفل صغير يسمى عدَّاس يقدم عنبًا للنبى، ويجرى حوارًا معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبّلًا قدمى النبى. لا بد أن يجبرك! قد يجبرك الله تدريجيًا لحكمة يعلمها، ولكن لا بد وأن يجبر خاطرك ولو بإشارة. ثم يأتى الجبر الكامل وهى رحلة الإسراء والمعراج. وبالنسبة لأمتنا، فهذا هو أنسب وقت تحتاج الأمة فيه إلى أن يجبرنا الجبار.
كى يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:
يقصم الله من ظلمك، ليجبرك. فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسرًا ومن كسرك لم يتب ومُصِر على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك. لاحظ أن كلمة «جبار» فى حياة الناس هى كلمة مذمومة، لكن «الجبار» سبحانه وتعالى هى كلمة كلها خير ومصلحة، لأنه يرد للظالمين حقوقهم. فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين. لا بد أن يقصم الله من ظلمك. وكأن اسم الله «جبار» له شقان: شق إذا كان ظالمًا وشق إذا كان مظلومًا.
الفرق بين «الجبار» و«المنتقم»:
«المنتقم» علاقة بالظالمين فقط، ولكن «الجبار» الأصل فيها للمظلومين، لكن ليتم حق المظلومين، فلا بد أن يُؤخذ من الظالمين. ونتعلم من هذا الآتى: «إياك أن تنام ليلتك وأنت ظالم». هناك مثل عامى نصه: «يا بخت من بات مظلوم، ولا بات ظالم». يا من ظلمتم الناس، احذروا! يا من ظُلمت وتحترق شوقًا لتنتقم ممن ظلمك، احذر.
يقول أحدهم: «يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟! ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!» لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: «يا جبار، اجبر بخاطرى».. ولو ظَلمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.
الجبار يوم القيامة:
أصعب موقف يوم القيامة هو يوم ينادى على البشر للعرض على الله سبحانه وتعالى. تخيل أنه ينادى على كل شخص يومئذ: «فلان بن فلان»، وأن الملائكة ستأخذك الآن وأنك ستقف بين يدى الله، ليس بينك وبينه ترجمان، وستتعرف عليك الملائكة من شدة قلقك وخوفك، وينادى، «فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار» ينادى باسم الله «الجبار» هنا، لأنك فى الدنيا كنت إما منكسِرًا أو ظالمًا. وتخيل وقفتك بين يدى الله وحقوق الناس، وتخيل أنك تقول لله: «يا رب، كما جبرت بخاطرى فى الدنيا، اجبر بخاطرى فى الجنة، اجبر بخاطرى يوم القيامة» فيجبرك، أو تقول له، «يا رب، لقد ظَلمت فى الدنيا ولكننى علمت أنك الجبار فذهبت وجبرت بخاطر فلان، اجبر بخاطرى اليوم يا رب».
نوع آخر من الجبر:
فتاة أو سيدة نفسها تتعبد فى رمضان توقفت عن الصلاة عدة أيام.. تخير الله عملها ويكمل لها الثواب.. إذا أردت أن يجبر ربنا بخاطرك.. اجبر بخاطر الناس.. ما عبد الله بشىء أحب إليه من جبر الخواطر.. أحب خلق لرسول الله كان «جبر خواطر الناس».
أكثر الناس جبرًا لخواطرهم من الله:
أولهم الوالدان، فإياك أن تكسر بخاطر أبيك أو أمك، أو تدمع أعينهما أو تحمر وجهيهما أو تكسر قلبيهما!، لذلك وردت كلمة «جبار» مرتين فى القرآن. احذر أن تكون جبارًا على والديك، القرآن يحكى مرة على لسان سيدنا يحيى فى قوله: «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا» (مريم: ١٤)، ومرة على لسان سيدنا عيسى فى قوله: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا» (مريم: ٣٢). إياك أن تشعر بالعار من أبيك أو أمك أو تَكسر بخواطرهما، وذلك بألا تريدهما أن يظهرا أمام أصدقائك.
ثانيًا: المرأة.. يجبر بخاطر المرأة.. النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «رفقًا بالقوارير».. من يجبر بخاطر اليتامى، يقول النبى: «أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة».
إذا كنت مظلومًا، الجأ للجبار واسجد بين يديه وقل له: «اجبر بخاطرى يا رب». إذا كنت ظالمًا، اذهب لمن ظلمته حتى يرضى عنك قبل أن يقصمك الله سبحانه وتعالى سواء كان خادمًا أو ساعيًا أو زوجة.
ابحث عن مسكين، أو اذهب لملجأ أو مستشفى، اجلب معك هدية، ابن خالك محتاج رعاية، ابتسم فى وجه فقير، امسح على رأس يتيم.. إلخ.. لكى تقول لله يوم القيامة، «جبرت بخاطر فلان، فاجبر بخاطرى»، ولكى يعرف كل الناس أن هذا الدين لإصلاح الدنيا وليس عبارة عن روحانيات فقط.
تخيل نفسك لو أنك عشت بهذا الاسم.. اسم الله الجبار «كأنك تراه»، من كثرة تعلقك وإحساسك بهذا الاسم.. ستعبد الله به كأنك تراه.. أسماء الله الحسنى.. طريقك للإحساس العميق بالله.. طريقك للإحسان.
؟؟؟؟؟؟