رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وعلى أرض مصر السلام وبالناس المسرة



تحتفل مصر كلها- مسلمين وأقباطًا- بعيد الميلاد المجيد، عيد ميلاد السيد المسيح، عيد ‏المحبة، وحسنًا فعلت الدولة المصرية عندما جعلت السابع من يناير عيدًا مصريًا وعطلة قومية، ‏تأكيدًا لمعانى القومية، ومكانة مصر فى المسيحية. فهى البلد الذى لجأت إليه العائلة المقدسة ‏هربًا من الاضطهاد، وما زال مسار العائلة المقدسة من المزارات الدينية والسياحية المهمة فى ‏مصر حتى الآن.‏
أحدثكم عن مصر مهد الأديان، هل هى صدفة أن ينشأ النبى موسى على أرضها، ‏ويرتوى من مياه النيل، ويتعلم من كهنتها الحكمة؟ هل نتذكر قصة الخروج وأحداثها التى تدور ‏على أرض مصر؟ ما أروع قصة التجلِّى الإلهى لموسى على أرض الفيروز، سيناء الحبيبة التى ‏رويت بدماء الشهداء على مر التاريخ دفاعًا عن مصريتها.‏
يحدثنا التاريخ كيف دخلت المسيحية إلى إفريقيا عن طريق مصر، نعم فالكرازة المرقسية ‏هى كنيسة عموم إفريقيا، لذلك كانت كنيسة الإسكندرية- الكنيسة القبطية- هى الكنيسة الأم ‏والراعية لكنائس إفريقيا. ربما لا يعلم البعض ارتباط الكنيسة الإثيوبية «الحبشية» بالكنيسة ‏المصرية، والنفوذ الروحى للبابا القبطى ليس فقط على الكنيسة الإثيوبية، بل على إمبراطور إثيوبيا نفسه، وكان أهل إثيوبيا يطلبون من البابا القبطى إرسال مطران قبطى إلى بلادهم ‏ليعطيهم البركة ويشرف على الشئون الدينية، بل ويكون مرجعًا روحيًا للإمبراطور. وكثيرًا ما ‏تدخلت الكنيسة القبطية بنفوذها الروحى لحل المشاكل السياسية التى نشبت بين مصر وإثيوبيا، ‏لكن الغرب لم يرضَ عن هذه العلاقة الوثيقة، وتدخل كثيرًا لكسر هذا الترابط بين مصر وإثيوبيا.‏
هل أحدثكم عن هدية مصر إلى العالم المسيحى كله، أى نظام الرهبنة، نعم تؤكد كل ‏المراجع التاريخية على خروج الرهبنة من مصر وانتشارها فى جميع أنحاء العالم، والدور المهم ‏الذى تلعبه الرهبنة فى تاريخ المسيحية حتى الآن.‏
ولنتذكر جميعًا الدرس المهم الذى قدمته مصر إلى العالم كله فى أثناء ثورة ١٩١٩، درس ‏المواطنة الحقة، ووحدة الهلال مع الصليب، ذُهِلَ العالم الغربى مع نشر صور مظاهرات الثورة ‏فى مصر وعلى رأس هذه المظاهرات رجال دين أقباط يضحون بحياتهم من أجل استقلال مصر، ‏لذلك أصبح «القمص سرجيوس» بحق خطيب ثورة ١٩، واعتقلته السلطات البريطانية هو ورفيقه ‏فى المظاهرات الشيخ «مصطفى القاياتى» وتم نفيهما إلى معتقل رفح.‏
وقدم الشاب «عريان يوسف سعد» طالب الطب درسًا فى الوطنية، حيث تعهد باغتيال «يوسف وهبة باشا» عميل الإنجليز، حتى لا يقوم بذلك شاب مسلم فتُشعل بريطانيا نيران الفتنة ‏الطائفية، وقال «عريان»: أنا فداء للوطن.‏
هل نتذكر «مكرم عبيد» الفارس الذهبى للحركة الوطنية، كما وصفه الكاتب الكبير «أحمد ‏بهاء الدين»، «مكرم عبيد» القبطى الذى وُصِفَ بأنه قارئ حافظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، ‏بجانب حفظه التوراة والإنجيل، مستشهدًا بكل ذلك فى خطبه الوطنية