رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل إلى «ميلينا».. خطابات «كافكا» الحزينة

كافكا وميلينا
كافكا وميلينا

كتابة الرسائل لحظات من تلاقى الأطياف فهى استحضار لطيف المتلقى وطيف المرسل ليتجسدا فى كلمات الرسالة، هكذا قال الكاتب الكبير كافكا لحبيبته ميلينا فى إحدى رسائله، التى نشرت بعد وفاته ووفاة ميلينا عن طريق صديقهما ويلى هاس، بعد أن حصل على هذه الرسائل من ميلينا بعد وفاة كافكا الذى مات فى الأربعين من عمره بسبب المرض والوحدة والخوف، لذا كان يقول كافكا لميلينا سيكون مشهورا وكتبه تدرس فى الجامعات بعد موته وقد كان.

كان كافكا من خلال التمعن فى رسائله إلى ميلينا يعانى من عدم الطمأنينة إلى من حوله ربما لقسوة والده ووفاة والدته، لذا قال كافكا لميلينا تستطيع كلماتى إن تتجرد أمامك تماما كما لا يمكن لها أن تفعل مع غيرك، وحدها ميلينا التى اطمأن لها وسماها شعلة النار، وكانت ميلينا تترجم أعماله إلى اللغة التشيكية وكانت بارعة فى ذلك، وكانت تعانى من مرات عديدة بين شتات أسرى وفقر وسجن وزواج تعيس، ربما لكل هذه المنغصات الدنيوية تحولت العلاقة بين ميلينا وكافكا من علاقة عمل ورسائل تخص الترجمة إلى قبول ثم إلى تعود ثم إلى حب نقى جارف جعل كافكا يرى الحقيقة من خلال حبيبته ميلينا.
لذا قال لها: استطيع أن استشف الحقيقة كما تبدو لى أو لك استطيع أن أميز الحقائق من خلالك، غير أن إحساسا دفينا بالمستحيل فى إتمام الحب كان يؤلم كافكا، كانت العقبات كثيرة أولها زواج ميلينا وثانيها أنه المانى من براغ وهى ألمانية تشيكية كما أن اختلاف العقيدة بينهما كان له أثر كبير فى عدم وصول الحب إلى مبتغاه، لذا تحدث عن ديانته اليهودية المكروهة فى ألمانيا فى عدة رسائل وكلما توجست منه قال تتوجسين لأنى يهودى وكلما توجس هو منه ظن أنها توجست منه لأنه يهودى، رغم أن كافكا كان يهوديا وليس صهيونيا ولم يكن يكره أحد من أصحاب الديانات الأخرى، كل ما كان يكرهه كافكا هو الخوف من الوحدة، والإحساس بالتعاسة لذا قال لميلينا: لن أروى لكى قصتى فهى كالغابة الكثيفة فى ثناياها تفاصيل أخاف أن أذكرها كطفل صغير غير قادر على النسيان.

كانت أزمة كافكا الحقيقية أنه يحتاج إلى ونس لذا حين وجد ميلينا عشقها بكل ما فيها، وهذا يبرر كتابة كافكا لأكثر من ثلاثة رسائل فى يوم واحد مما يدل أنه تعايش معها ومعها فقط دون أى شخص فى العالم، حكى له أدق تفاصيل يومه، فقال لها أود أن أسمع كلماتك قبل أن أسمع صرير الباب الذى يغلق فالبنسبة لى كل الأبواب المغلقة سيئة، هذه السطور تؤكد أن كافكا كان يرى براح العالم فى رسائله لميلينا.