رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ابنة «موشي ديان» وصفتها بـ«الزلزال».. الرواية «العبرية» قبل وبعد 1973

حرب أكتوبر في الأدب
حرب أكتوبر في الأدب الإسرائيلي

كان هناك مستقبل ما قبل حرب 73، وبعد الحرب تبددت هذه الرؤية وأصبح المستقبل ضبابي مشوه، هكذا عبر الأدباء في دولة الكيان الصهيوني في رواياتهم، وربما تعتبر أهم الروايات رواية ياعيل دايان والتي شرحت فيها الانهزام والخيبة وكانت عبارة عن شهقة بكاء طويلة..


- الرواية ما قبل أكتوبر

هناك العديد من الروايات التي ناقشت قبل وما بعد حرب أكتوبر المجيدة، كيف صورت الرواية وأرخت لتلك الفترات، فمثلا هناك رواية "رحلة دانيال" للكاتب إسحاق أورباز، والتي تتحدث عن البطل الذي كان محاربًا يعود إلى بيته عقب حرب 67 وهو ممتلئ بأسئلة لا تتيح له العودة إلى إطار حياته الذي اعتاده قبل الحرب، وهنا يسائل أورباز الواقع عن كنه المستقبل، وكيف سيكون وقد اعتاد العيش بطريقة ما، وكيف سينتصر لذاته على حساب الحرب التي أدخلت فيه ذاتا أخرى هي ذات الجندي.

نفس الحيرة والمأزق ناقشته الأديبة "عماليا كهانا كرمون" فقد نشرت رواية "قمر في وادي آيالون" والتي تعتبر حرب 67 خلفية لها ولأحداث بطلتها التي تبحث لنفسها عن هوية فأحيانا تقول أنها "إسرائيلية" وأحيانا "تل أبيبية" وأحيانا "بدون هوية"، والرواية هنا تحاول البحث في كنه المصطلحات الرنانة، أين هي من كل هؤلاء، وإلى أين تنتمي؟.

وعلى عكسهم يسير الروائي "شمعون بيري" في روايته "الإسرائيلي الظريف" والتي صدرت في خريف عام 1971، وناقش فيها من خلال قالب أدبي ظاهرة سيطرة جنرالات جيش الدفاع الإسرائيلي على مراكز الصدارة في الحياة المدنية، والرواية كلها عبارة عن سخرية أدبية تصفع المجتمع الإسرائيلي.

أما رواية يجآل ليف" الحرب تحب الشباب"، الرواية صدرت عن دار "بيثان"، وهي رواية عن الحرب ولكنها حرب المقاومة الفلسطينية والمواجهة مع قوات الاحتلال على النحو الذي تجري عليه في المنطقة.

أما الأحداث فتدور حول جندي احتياطي يستدعى للخدمة العسكرية، ويصادف الواقع الحقيقي، النيران والدم والنفاق والدهاء، واقع حرب الصراع بين طغمة تحاول التشبث بما حققته قوة السلاح، وبين عناصر الفدائيين الفلسطينيين.


- رواية ما بعد حرب أكتوبر

أما رواية ما بعد الحرب فهناك أعمال كثيرة ظهرت بعد أكتوبر وكرست للصراخ والعويل والندب الذي حدث، فمثلا هناك رواية "العاشق" ليهوشواع"، وتدور فكرتها الرئيسية عن الحرب التي سيطرت على مناحي الرواية من أولها إلى آخرها، وتشير إلى المجتمع اليهودي الذي يتطلع للخراب الذاتي.

في روايتين متتابعتين صدرتا للروائي الإسرائيلي "بنيامين تموز" هما "ميراث نعمان" 1978، ورواية "مينوتور" 1980، يكشف تموز قصة أسرة متعددة الأجيال ليقيم من خلالها مدى نجاح مشروع الصهيونية، وكيف صور الفشل في التمسك بأرض الأجداد، وفي مناقشة رمزية يلقي "تموز" الضوء على المجتمع الإسرائيلي وتحولاته ما بعد الحرب، والاتجاه المعاكس لدولة إسرائيل إلى المحبوبة الأوروبية كما في رواية مينوتور، وأنه بسبب التجربة المادية التي افتعلها أبوه سابقًا، يفقد القدرة على الحب.

وتعتبر أشهر الروايات التي تناولت أكتوبر وتبعياتها هي رواية "ثلاثة أسابيع في أكتوبر".. تأليف "ياعيل دايان" ابنة موشى دايان، وياعيل روائية وصحفية كانت لها شهرة واسعة في إسرائيل، وبالذات في تغطية الحروب العربية الاسرائيلية وأخبارها، وعملت في حقل الصحافة وكانت لها زوايا خاصة في صحف شعبية مثل صحيفة يديعوت أحرونوت، معاريف، هامشمار.

نشرت دايان خمس روايات وكذلك مذكرة حول حرب الأيام الستة بعنوان "جورنال إسرائيل.. حزيران 1967"، كما كتبت سيرة ذاتية حول والدها بعنوان: "والدي وابنته".

تعالج رواية ياعيل "ثلاثة أسابيع في أكتوبر" موضوع حرب أكتوبر 1973، وهي الحرب التي تصفها الكاتبة في مقدمة الرواية بالزلزال أو الكارثة، ونفس الوصف أطلقته ياعيل أيضا على حرب غزو لبنان عام 1982.

تجري أحداث الرواية في مستشفى أقيم بالقرب من تل أبيب، ليتلقى جرحى الحرب العلاج والرعاية الطبية، واختيار المستشفى للأحداث له مغزى عميق، إذ أن الكاتبة كانت تريد القول أن إسرائيل هي مستشفى كبير، وقلب هذه المستشفى أو مركزه هو عنبر المصابين بالحروق من جراء الحرب، وشخوص الرواية في مجملهم يعانون من مشكلات الخوف والقلق والأسى الرهيب ولكل منهم قصة في هذا الشأن.

المستشفى هنا هي عالم رواية ابنة موشي ديان، وكأنها تصرخ في الجميع من الهزيمة في صورة للكيان الصهيوني برمزية مصغرة صاغتها ياعيل وكما تقول في الرواية وعلى لسان شخصية أمريكية وزوجة لمقاتل اسرائيلي يترك أمريكا ويعود للقتال في حرب أكتوبر دفاعا عن إسرائيل" إنكم مشغولون بشيء لا يعني إلا القليل بالنسبة لي.. إنه المصير، إنكم تحللون أنفسكم وتعيدون معيشة التاريخ، وتتحدثون بألفاظ كبيرة عن المصير والهوية، وتحفرون في أرواحكم الجماعية في كل لحظة من النهار وقد يكون هذا بطولة ويستحق الثناء، ولكنه بالنسبة لي مرعب ولا إنساني".

لعل هذا القول راجع لحقيقة النفسية الإسرائيلية بوجه عام هذه النفسية التي اكتوت بنار الحرب المستمرة على الإسرائيليين كلعنة كبيرة، والرواية في حقيقتها ليست سوى مرثية لهذه النفسية ومن يتصفح الرواية سيجد جوا من الحزن والكآبة والشعور بالأسى يلفها من البداية إلى النهاية، حزن كبير كبير، وكيف تصف أن المجتمع الاسرائيلي في قبضة شريرة خرافية ولا يظهر أنه سيكون له فكاك منها في القريب ولا البعيد.

تقول إحدى شخصيات الرواية وهي أماليا" إن المكسب يقاس هنا بالأميال المربعة، ولكن الخسارة هي التي تقاس بالأرواح.. لقد كانت الخسارة أكبر من المكاسب".

وهناك رواية "حرب جميلة"، وصدرت عام 1974، للروائي "دان بن أموتس"، وفيها يتخيّل "أموتس" أن العرب وصلوا إلى تل أبيب بعدما حقّقوا انتصاراتٍ عسكرية كبيرة، ويقومون بممارساتٍ عنيفة بوجه الإسرائيليين، وتُعد هذه الرّواية هجومًا كبيرًا من قبل الكاتب على النّظام السياسي الإسرائيلي الّذي اعتبره السّبب في حرب أكتوبر. وتثير الرّواية أسئلةً وأفكارًا عميقة بخصوص معنى الحياة ومعناها في إسرائيل تحديدًا.

بقي أن نقول أن المفاجأة التي حطت على كتف الكيان الصهيوني وأمالته جعلت الجميع يسائلون واقعهم وجنرالاتهم عن كنه مستقبلهم، وإذا كانت تلك هي البداية فكيف سيكون العيش ومرارة التجربة في حلوقهم، ويمكن أن نقول أن الأدب كان هو الصرخة الحقيقية التي أطلقها الأدباء في محاولة منهم لجلو الأمور من زيفها، وكشف كل شئ على حقيقته، فلا هناك جيش يقهر ولا هناك جندي له أسطورة.