رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشرق الجديد.. لا جديد غير الاسم


فى العاصمة الأردنية عمان، انعقدت أمس، الثلاثاء، القمة الثلاثية الثالثة بين مصر، الأردن، والعراق. وسبقها بأيام قليلة حديث مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، عن تصوره لتكتل أو تحالف عربى سماه «المشرق الجديد»، واختار له آخرون، بسوء أو بحسن نية، أو بتحريض من «جوجول»، اسم «الشام الجديد» أو «بلاد الشام الجديدة»!
عاد الكاظمى، منذ أيام، من الولايات المتحدة، بعد الاتفاق على إعادة انتشار قوات التحالف فى العراق، ونقل العلاقات العراقية الأمريكية من الجانب العسكرى إلى الجانب الاقتصادى، وفصل بلاده عن الصراع الأمريكى الإيرانى. وهناك، فى واشنطن، تحدث فى حوار مع جريدة «واشنطن بوست»، عن تصور مستقبلى لتكتل عربى، سمّاه «المشرق الجديد»، The New Levant، يتيح تدفقات أكثر حرية لرأس المال والتكنولوجيا.
يمكن ترجمة «Levant»، بـ«بلاد الشام»، الشرق، أو المشرق. ومع أن الأخيرة، لغويًا، هى الأصح، لأن أصل الكلمة الإيطالى، Levante، يعنى جهة شروق الشمس، إلا أن هناك من اختاروا الترجمة الأولى، ربما ليقوم أحدهم بإبداء دهشته من عدم انضمام «الدولة التى تحمل تاريخيًّا اسم الشّام، أىّ سوريا» إلى تكتل يحمل اسم «مشروع بلاد الشّام الجديد»، زاعمًا وجود أسباب ودوافع غامضة «تُحتّم إطلاقته المُفاجئة والسّريعة ودون أىّ مُقدّمات»، ورابطًا طرح الفكرة، المبادرة، أو التصور بزيارة الكاظمى إلى واشنطن، وباتفاق السلام الإماراتى الإسرائيلى، وبافتراضات و«هلاوس» أخرى ناتجة، غالبًا، عن غرض أو مرض.
لا مفاجأة، لا سرعة، لا جديد، وهناك مقدمات كثيرة، بدأت مع انطلاق قطار التعاون الثلاثى بين مصر والأردن والعراق، من القاهرة، فى ٢٤ مارس ٢٠١٩، بقمة ثلاثية بين قادة الدول الثلاث: الرئيس عبدالفتاح السيسى، الملك عبدالله الثانى بن الحسين، وعادل عبدالمهدى، رئيس الوزراء العراقى السابق. وقال البند الثامن من بيان القمة الختامى، إن القادة الثلاثة قرروا تشكيل فريق عمل لمتابعة أوجه التعاون الاقتصادى والإنمائى والسياسى والأمنى والثقافى، كما اتفقوا على معاودة الاجتماع فى موعد ومكان يتم الاتفاق عليه فيما بينهم. بالفعل، انعقدت اجتماعات قطاعية، تناولت سبل تعزيز التعاون والتنسيق السياسى والاقتصادى والاستراتيجى بين الدول الثلاث، للبناء على ما يتوافر لديها من إمكانات، مع الاستمرار فى إعطاء الأولوية للتعاون فى مجالات الاستثمار والتجارة والإسكان والبنية التحتية، والعمل المشترك لتعزيز الأمن القومى العربى ومواجهة ما تتعرض له المنطقة من تحديات. وفى ٢٢ سبتمبر الماضى، استضافت نيويورك قمة ثلاثية ثانية، كان ممثل العراق فيها رئيس الجمهورية، برهم صالح، على هامش مشاركة القادة الثلاثة فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فى القمتين، الأولى والثانية، وفى الثالثة أيضًا، اتفق القادة الثلاثة على ضرورة القضاء الكامل على جميع التنظيمات الإرهابية، ومواجهة كل من يدعمها سياسيًا أو ماليًا أو إعلاميًا. وأكدوا أهمية الحل السياسى الشامل لأزمات المنطقة؛ خاصة السورية، الليبية واليمنية، وفقًا لقرارات مجلس الأمن، بما يحفظ وحدة واستقلال هذه الدول ومقدرات شعوبها، ويتيح مواجهة التدخلات الخارجية. كما أكد القادة دعمهم للحل الشامل للقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب المركزية، مؤكدين أهمية حصول الشعب الفلسطينى على جميع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها حقه فى إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
بمنتهى البساطة، نحن أمام كتلة بشرية، وأخرى نفطية، يربط بينهما جسر، هو الأردن. وسواء كان هذا التكتل أو التحالف باسم «المشرق الجديد»، أو «وليد»، فإن هناك محورًا اقتصاديًا سياسيًا، قائمًا بالفعل، بدأ منذ أكثر من سنة فى مواجهة تحديات كثيرة فى البنى التحتية، وفى تبادل الخبرات والتجارب الاقتصادية، وزيادة التبادل التجارى، وتسهيل وصول الشركات المصرية والأردنية إلى السوق العراقية، والعكس. كما يمكنك، أن تصف مشروع مد أنبوب النفط العراقى من البصرة إلى العقبة، بأنه نواة لمشروعات اقتصادية كبرى بين الدول الثلاث.
سياسيًا وأمنيًا، وفى ظل الظروف الدقيقة التى تمر بها المنطقة العربية والتحديات غير المسبوقة تواجهها، هناك أيضًا تعاون وتنسيق بشأن القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب، واتفاق على تعزيز الأمن القومى العربى ورفض التدخلات الإقليمية والدولية فى الشئون العربية، وتوافق على ضرورة دعم المؤسسات فى دول المنطقة لاستعادة أمنها واستقرارها، والحفاظ على وحدة أراضيها، بالإضافة إلى تمسك الدول الثلاث بالموقف العربى من الصراع العربى الإسرائيلى.
بإعلان قيام تحالف باسم «المشرق الجديد» أو بدونه، سيظل التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث قائمًا ومستمرًا. وكالعادة، اتفق القادة، خلال قمتهم الثالثة، على مواصلة التشاور والاجتماع بشكل دورى، لمناقشة مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون السياسى، الأمنى، الاقتصادى، التجارى، الاستثمارى، الثقافى، و... و... وعليه، لا نرى مبررًا أو تفسيرًا، غير الغرض أو المرض، لما تم طرحه من استنتاجات، «هلاوس»، أو افتراضات.