رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نرمين يسر تكتب: «لوكاندة بير الوطاويط».. رعب من القرن الـ 19

نرمين يسر
نرمين يسر

طالما أعجبني وجذب انتباهي في أعمال أحمد مراد الروائية أنه يبذل مجهودا مضاعفا في البحث، وتناول موضوعات مختلفة على هيئة معلومة، يطرحها ويقتحم تفاصيلها لتكوين فكرة وأحداث الرواية.

من خلال هذا المنطلق، كما قرأنا في رواية "الفيل الأزرق" التي صارت فيلما شهيرا بجزئين أحدهما كتبه للسينما، تبدأ الحكاية من تصدير نوع من المخدرات له القدرة على نقل الشخص إلى عوالم أخرى بعيدة وغريبة، أو الحديث عن بُرادة الماس في رواية "تراب الماس" والتعامل باعتباره مادة سامة لئيمة تختلف عن نظرائها من السموم التي من السهل اكتشافها، بينما في هدوء يسبب لمن يتناوله تليف في الكبد ويؤدي إلى الوفاة؛ هكذا يقدم في روايته الجديدة "لوكاندة بير الوطاويط" في الصفحات الأولى نبذة عن "عشبة يوحنا" أو "نبتة القديسين"، أو كما هو متعارف على اسمها "نبتة سان جون" وهو عشب مهدئ معالج للاكتئاب؛ ومن ثم تتوالى المعلومات الجديرة بالبحث لمعرفة المزيد مثل حقيقة ظهور صور فوتوغرافية للموتي في العصر الفيكتوري في أوروبا، والتي بدأت في عام 1839 وانتقلت خلال القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة، حيث اعتاد الثكالى تصوير ذويهم مرتدين أجمل الحلي وأفخر الملابس لتخليد صورهم وإبقاء الذكرى على حائط كل منزل.

وتدور أحداث الرواية في عام 1865، هذا الوقت الملهم لمعظم الكتابات عن الموضوعات الغامضة وشخوصها المريبة التي لا يستطيع القارئ إثبات صحة وجودهم أو حقيقة حكاياتهم، فيعتمد على المصدر المتاح أمامه وهو الانصياع إلى ما كتبه المؤلف، والإغراق في عالم من صنعه، فتواجه أسماء أجنبية هم أبطال الرواية، وعالم كامل من لوكاندات القرن التاسع عشر وخباياه وأحداثه في طريقة تعامل هؤلاء فيما بينهم وتقارن بين العصور لتشعر أنه بالفعل عالم مختلف لم نتعرف على جوانبه وتفاصيل سوى الخطوط العريضة عن الاقتصاد والأحداث السياسية التي تم تسجيلها في تاريخ مصر.

أما عن سليمان جابر السيوفي أفندي الطائن في لوكاندة الوطاويط التي يديرها بشماف جودت زورا الشركسي، والذي يتهمه سليمان بين كل صفحة وأخرى بأنه يكرهه ويبيت له على النوايا السيئة بغرض طرده من غرفة اللوكاندة التي سكنها سبع سنوات.

هناك كذلك سليمان مصور الموتى ومحدثهم، الذي قضى معظم طفولته وشبابه في عمل يشبه الطبيب الجنائي أو باش تمرجي المشرحة حيث يتعرف على العلامات في أجساد الموتى ويحللها للوصول إلى كيف توفى؛ ومن هنا يتعرض إلى اكتشاف عدة جرائم قتل متتالية وبأبشع الطرق.

تفنن الكاتب في تصوير عمليات القتل بالتعذيب المفضي إلى موت بطئ ومحقق، حيث يصف الموت رويدا رويدا، وعلى مدار ساعات منذ البداية، على سبيل المثال موت أحد الباشوات عن طريق إقحام الخنافس داخل جمجمته تكسر العظام وتنحتها وتعتبرها مقبلات لوجبة هلام المخ الناعمة التي تحتوي على خلايا الجسد وأعصابه، فمع كل قضمة من أفواه الخنافس ينتفض الجسد قبل أن يصيبه العطب والشلل التدريجي. أي ميتة بشعة تلك!!!.

سليمان يمتلك حيوان أليف يربيه بغرفته عبارة عن ذكر ذبابة ضخم يدعى "عنتر"، شرس، ولديه خرطوم يستطيع أن يشفط أطنان من الأغذية والهواء إن أراد، حصل عليه بعد أن فقست اليرقات المتكونة على جثة "حورمة" من الفسطاط، وهي واحدة من القتلة الغير أسوياء الذين تعج بهم الرواية؛ وجميعهم يعانون من الأمراض النفسية، بما فيهم سليمان شخصيا، والذى يقيم بشكل متقطع في المباريستان.

كتبت الرواية باللغة المصرية الدارجة في هذا العصر، بما فيها من وصف الخلائق وشراء العبيد الذى كان متاحا بأسعار في متناول فقير مثل سليمان.

الوصف الدقيق لرواية "لوكاندة بير الوطاويط" الصادرة عن دار الشروق أنها عمل كارثي يتناول الرعب النفسي في أبهى صوره، ومن الأمراض التي اجتمعت في شخوصها وعوالمها الغرائبية، ولغتها التي تحتاج لاستخدام محركات البحث للتوصل لما هو المقصود.

كالعادة، يصدر الكاتب أحمد مراد مخزون وفير من المشاهد الإيروتيكية، ومصطلح مشاهد هو الأقرب لوصف الفقرات، تجهيزا لتحويلها إلى عمل سينمائي متوقع.. عما قريب.