رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هانى شنودة يتذكر «3»: طريق عمرو دياب

هانى شنودة
هانى شنودة


رأيت فى عينيه «بريق النجومية» منذ اللحظة الأولى، ولهذا لم أندهش أو أتعجب عندما أصبح عمرو دياب النجم الأشهر، والأكثر نجاحًا، وصاحب أضخم مبيعات فى الوطن العربى.
عندما وقف على مسرح جائزة «الميوزيك أوورد» فى موناكو عام ١٩٩٧ كنت على يقين بأن عمرو سيصل لهذه المكانة، لأنه سعى إليها منذ أول لقاء لنا فى بورسعيد.
تحدثت كثيرًا عن عمرو دياب، وقد استعان بشهادتى فى برنامج «الحلم» الذى تناول سيرته الذاتية، كانت لفتة طيبة منه تعكس تقديره لأساتذته الأوائل وشركاء الرحلة، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون عن عمرو، أظن أن الإعلام نقل صورة مغايرة عنه، شكَّلها خصومه، أو شركاء لم يتفهموا هاجس الخوف من الفشل الذى يسكنه طوال الوقت فدفعه للتخلى عن أى شخص لا يمنحه الجديد والمختلف والمميز، لولا هذا الخوف لما أصبح عمرو دياب النجم اللامع، ولبقى الشاب الخجول القادم من بورسعيد بحثًا عن حلمه فى القاهرة.
كانت فرقة «المصريين» تحيى حفلًا فى بورسعيد، بعد أن قدمنا فقرتنا دخلتُ غرفتى لأستريح قليلًا، طرق الباب شاب يتحدث بلهجة بورسعيدية «صرفة»، اقتحمنى بجرأة، ولم يتردد فى تقديم نفسه، قال: إزيك يا هانى بك.. أنا اسمى عمرو ونفسى أسمّعك صوتى.. أنا نفسى أبقى حاجة.
فى مثل هذه المواقف اعتدت ألا أرد أحدًا، ربما يكون موهوبًا بالفعل أو موهومًا، ولكن حقه أن أمنحه الفرصة الكاملة، خصوصًا أن عبارة «نفسى أبقى حاجة» أثّرت فىَّ، لأنه قالها بصدق حقيقى.
غنى عمرو، على ما أذكر، لعبدالحليم، كانت «عُربهُ» سليمة وأداؤه منضبطًا، أقنعنى بموهبته، ولكن العائق الوحيد الذى توقفت أمامه هو لهجته البورسعيدية، التى طغت على إحساسه فى الغناء، بالإضافة إلى حاجته الماسّة إلى الدراسة، وهذا يتطلب انتقاله إلى القاهرة، قلت له: لا بد أن تدرس، وتعالج مخارج الألفاظ، لأن لهجتك طاغية على غنائك.
هل أُحبط عمرو؟
هل قرر أن يبقى مغنيًا فى فرقة صغيرة فى بورسعيد تحيى الأفراح وأعياد الميلاد؟
على العكس تمامًا.. فى صباح اليوم التالى وجدته أمام باب الفندق الذى نقيم فيه وفى يده حقيبة سفر!
كنا نستعد لاستقلال الباص إلى القاهرة، قال: أنا جاى معاكم!
ثم فاجأنى بخبرين، الأول أنه قرر القدوم إلى القاهرة ما دامت لديه الموهبة، وسيقدم أوراقه فى المعهد العالى للموسيقى، والخبر الثانى أن لديه منتجًا بورسعيديًا يملك شركة تدعى «صوت المدينة» وسيُنتج له شريطًا ويريدنى أن أتولى إدارة هذا المشروع.
هذا الموقف جعلنى أتيقن من أن عمرو سينجح، لأن لديه المبادرة، هو لا يخجل من تقديم نفسه، والمبادرة لاتخاذ كل خطوة تدفعه للأمام، المدهش أننى لم أعرف أين سيسكن ولا ماذا سيفعل؟ وهو بدوره لم يلقِ علىَّ بالمسئولية أو يطلب منى مساعدته، عرفت فيما بعد أنه أقام بغرفة مشتركة فى شقة استأجرها مجموعة من الطلاب فى معهد الموسيقى، بينما توسطتُّ أنا له فى المعهد كى يتقدم للاختبارات، أعتقد أن هذه هى الخدمة الوحيدة التى طلبها منى بعيدًا عن عملنا فى الشريط.
فى القاهرة بدأ عمرو رحلته سريعًا، كان يستعجلنى باستمرار لنبدأ التسجيل واختيار الأغانى، بينما أنا أبحث له عن شخصية فنية أقدمه من خلالها للناس، كنا قد بلورنا شخصية محمد منير الفنية أنا وعبدالرحيم منصور، وجاء عمرو وهو مشحون بإعجاب شديد بتجربة منير، ولكننى رأيت أن عمرو كصوت وصورة مختلفين تمامًا عن منير، يجب أن يكون عمرو فى الجهة المقابلة لمشروع منير، يجب أن يغنى للشباب كلمات أكثر رشاقة وخفة، بينما منير يغنى موضوعات دسمة واجتماعية وفيها فلسفة، عمرو هو الوجه البسيط والتجارى للأغنية الحديثة التى سعيت لتقديمها، بينما منير هو الوجه الأكثر عمقًا المرتكز على موروث ثقافى وفنى.
فى تلك الفترة سعينا لاعتماد عمرو فى الإذاعة، ولكننى رأيت أنه فى حاجة للمزيد من التدريب كى يعدل من لهجته، لأن لجنة الاستماع فى الإذاعة لن تقبله وهو ينطق الحروف والكلمات بهذه الطريقة، وبالفعل تدرب كثيرًا معى بجانب دراسته فى المعهد، وتقدم لاختبارات الإذاعة وتم قبوله، وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية.
قدمت فى ألبوم «يا طريق» خمس أغنيات كملحن وكتبها عبدالرحيم منصور وهانى زكى، كان هانى شاعرًا جيدًا جاء به منتج الشريط وتحمس له عمرو دياب، ولكننى كنت أفتش عن شخصية فنية لعمرو ووجدتها فى المطرب البريطانى مات مونرو.
نعم عندما قدمت عمرو دياب كنت أرى أنه النسخة المصرية من مات مونرو، لأن خامة صوته كانت نسخة طبق الأصل منه، مونرو مطرب بريطانى شهير، كان معروفًا بأغنياته الرومانسية الكلاسيكية، ولهذا عندما لحّنت أغنية «الزمن» لعمرو اقتبست شكلها الموسيقى ولحنها من إحدى أغنياته، وطلبت من عمرو أن يغنيها بنفس الإحساس والأسلوب، ولكن الموزع عزيز الناصر غيّر فى شكل الأغنية، رغم أن فلسفته لم تكن بعيدة كثيرًا عن فلسفتى.
يظن البعض أننى وزعت ألبوم عمرو دياب الأول بالكامل، وهذا ليس حقيقيًا، فمن تولى توزيع الشريط كاملًا هو عزيز الناصر، لأننى كنت فى هذه الفترة مشغولًا بعملى مع فرقة «المصريين»، التى ظلت مشروعى الأهم، وعمرو منذ يومه الأول كان مصرًّا على تفرغ من يعملون معه بشكل كامل، هذه العادة ظلت تلازمه حتى الآن، وهى سبب رئيسى من أسباب نجاحه، ولهذا اعتذرت عن الاستمرار فى العمل ورشحت له أسماء عديدة لتشاركه التجربة، واحتفظت بموقعى كصديق ومستشار له وقت الضرورة.
فى هذه الفترة تعرَّف عمرو على الشاعر عصام عبدالله، الذى كان «فلتة» بين شعراء هذه المرحلة، ثم جاء بعزمى الكيلانى، الذى كان عازفًا فى فرقة «الديفلز» مع عمرو دياب ببورسعيد واتفق معه على تلحين ثلاث أغنيات، المهم أن الشريط ظهر للنور عام ١٩٨٣، ولكنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا، وهذا أحبط المنتج، ولكنه فى ذات الوقت زاد من إصرار عمرو على النجاح، خصوصًا أن الصحافة هاجمته وبدأ بعض الأقلام يسخر منه وهو ما زال شابًا صغيرًا فى مطلع العشرينات، ولكنه لم ينكسر بسهولة، بالعكس كثف ظهوره فى البرامج واللقاءات الصحفية، سعى لتوسيع دائرة علاقاته بأى شكل ممكن، حاول أن يصادق كل من لديه فرصة لدعمه ولو بكلمة، قلت له إن الحل فى تغيير هيئته والاتجاه لتصوير أغنية من الشريط، فاختار أغنية «الزمن»، التى لحّنتها له وكتبها عبدالرحيم منصور، وطلب منى أن أظهر معه فى الأغنية وأنا أعزف على الأورج، لمنحه مصداقية كصوت جديد أقدمه للجمهور، وسعدت بذلك جدًا، لأن هذا واجبى تجاهه، فعلت ذلك عن محبة حقيقية واقتناع بصوته».