رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة «جميلة» بائعة المشمش.. ولحن سيد درويش «يا بلح زغلول»

سيد درويش
سيد درويش

لك أن تتخيل شعور أي رجل مصري في زيارته للحلاق ينتهي بخطأ يتعدي علي شاربه وإذا أعياك التفكير استدعي مشهد عبدالفتاح القصري في فيلم "ليلة الدخلة"وهو يصرخ شنبي بعدما أزال نصفه إسماعيل ياسين برعونة.

وعندما انتشرت موضة حلق اللحية وترك الشارب وتهذيبه وتسويته في مصر أصدر عباس باشا الأول فرمان يلزم موظفي الحكومة بترك لحاهم، وكان جزاء الذي يحلق ذقنه الفصل من الخدمة وكان في القاهرة أشجار تنبت أزهارًا صفراء لها شعر طويل وقد اطلقوا عليها اسم"ذقن الباشا" وكان الصبيان يعبثون بهذه الأزهار وينزعون منها الشعر تندرا بذقون الباشوات التي كانت في الغالب شقراء اللون مثل شعر زهرة ذقن الباشا، وكان أحد هؤلاء الباشوات في حي عابدين يحتفظ بشارب ابيض لامع بعد أن كبر وشاب فكان العامة يطلقون عليه اسم أبو شنب فضة.

نحت عبدالمنعم شميس في كتابه "حرافيش القاهرة" والصادر عن مشروع مكتبة الأسرة٬ بالهيئة العامة للكتاب٬ نماذجه الإنسانية التي لمس وشهد طرفا من قصصها علاقتهم ببعض وبالمكان٬ فيخبرنا عن المبخراتى بجمله وألفاظه التي يرددها أثناء عمله بطريقة توحي بطرد الأرواح الشريرة.

يبدأ بتبخير السلالم ليصعد إلى الطابق الأول، ثم ما بعده من طوابق، وكان يصاحب تبخيره عبارات مسجوعة مثل: بخروا السلالم من عين أم سالم، بخروا السرير ليطق ويطير، بخروا المرتبة من عين مسعدة، بخروا اللحاف من عين أم خلاف، بخروا المخدة حاتنام وتهدى وحين يمر بعشة الفراخ يصيح: بخروا الكتكوت ليطق ويموت وعندما يصل إلى المطبخ يقول: بخروا المغرفة من عين أم مصطفى.

يكتب شميس تاريخ المهمشين شعرا وهو يحدثنا عن الباعة السريحة وندائاتهم العذبة تملأ فضاء الشوارع والميادين والحارات فتكاد تسمع صوت "جميلة" بائعة المشمش وهي تتهادي بجلبابها زاهي الألوان وتعصب رأسها بمنديل مزخرف الحواف لم تكن جميلة لكنها مثيرة صوتها يجذب أهل الحي جميعا من الشيوخ والشباب وهي تنادي:"اللي الهوي هزه يا حموي ياناعم" منحها الله خفة الدم ورخامة الصوت والتمايل في الحركة والأداء ينتظرها زبائنها حتي تنهي جملتها الغنائية المنتسبة لفن عظيم من فنون الشعب لا من حيث الكلمات وحدها ولكن من حيث الأداء الذي إستوحي منه سيد درويش لحن "زغلول يا بلح" من طريقة أداء بائع البلح في حي عابدين الذي كان من ساكنيه "بديع خيري" وكتب زجل لحنه درويش ومطلعه: يهون الله.. يعوض الله ع السقايين دول شقيانين.. متعفرتين م الكوبانية٬ أما حكاية البلح الزغلول فقد كانت الرقابة قد حرمت اسم سعد زغلول بعد إعتقاله وسمع سيد درويش وصديقه بديع خيري بائع بلح يردد في صوت معبر: يا بلح حياني... زغلول يا بلح ٬ فكان اللحن الشهير يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح.

لن تفرغ من حكايات شميس إلا وقد وقعت أسيرا لمحبة "علي نيابة" أهم شخصيات حي الحسين بكل تفاصيله زيه وعظمته٬ جنونه وإستهتاره فكان خديوي وأعظم مجاذيب حي الحسين بلا منازع.