رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سري للغاية (13) .. "أخطاء الميدان" .. حكاية محاولة اغتيال "خالد مشعل" في الأردن

خالد مشعل
خالد مشعل

"تجربة الاقتراب من الموت لاتنسى، خاصة إذا كان من أعادك إلي الحياة هو من تسبب قبل أيام في قتلك"، محاولة اغتيال زعيم الجناح السياسي في حركة حماس "خالد مشعل" هي تلك التجربة، التي تحولت من محاولة للقضاء على قيادي كبير بالحركة إلى القرار بإعادته للحياة.

الثأر بين مشعل و إسرائيل

ولد "خالد مشعل" في سلواد بالضفة الغربية عام 1956، ثم انتقل إلى الكويت، حيث انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في عمر 15عاماً، ثم حصل على شهادة في الفيزياء وعمل كمدرس، وانتقل بعد ذلك إلى الأردن عام 1991، حيث قاد هناك فرع حماس، وبعد طرد قيادة حماس من الأردن في أغسطس عام 1999، عاش في قطر ثم ذهب إلى سوريا عام 2001، وفي ينايرعام 2012 ، فر من الحرب الأهلية من سوريا إلى قطر. 
أصبح رئيسًا للمكتب السياسي لحماس بعد مقتل عبد العزيز الرنتيسي في 2004، وفي عام 2017، تنحى في نهاية فترة ولايته عام 2017. 
على الرغم من أنه لا يحكم حماس حالياً، إلا أن مشعل "هو أحد أكثر الشخصيات المؤثرة في السياسة الفلسطينية"، كما يقول ناثان ثارال، محلل الأزمات الدولية، فيرى "ثرال" إن مشعل مرشح مقبول لقيادة السلطة الفلسطينية بعد رئيسها الحالي محمود عباس.
تعتبر كل من إسرائيل والولايات المتحدة مشعل إرهابياً، مرتبطًا بالعديد من التفجيرات الانتحارية المميتة وآلاف الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، فقد أمر نتنياهو باغتياله بعد انفجار مروع في سوق محانيه يهودا بالقدس الذي أسفر عن مقتل 16 إسرائيلي، وإصابة 169 آخرين، وهي العملية التي أصدرت الأمر بقتله.

عملية الموساد .. وأخطاء في الميدان

بعد اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن، طلبت إسرائيل من العاهل الأردني الملك حسين إغلاق مكاتب حماس في الأردن ، بحجة أن المجموعة كانت تخطط لهجمات إرهابية قاتلة ضد إسرائيليين من مقرها في عمان، لكن الملك رأى أنه من الأفضل وجود الجماعة الإسلامية في الأردن حيث يمكن لمخابراته أن تراقبها عن وجودهم في مكان آخر.
بعد عملية سوق "محانيه يهودا" اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو مع رؤساء أجهزته الأمنية في عام 1997، وأمرهم بصياغة خطة لضرب هدف رفيع المستوى من حماس. بعد بعض الجدل والاعتراض ، تقرر أن يكون مشعل هو الهدف.
وللحفاظ على معاهدة السلام مع الأردن، تم التخطيط للعملية لتكون اغتيال "هادئ"، فتم إرسال ستة عملاء من الموساد إلى عمان بجوارات سفر كندية، منهم اثنان يتولون اغتيال مشعل، وأربعة آخرين بأدوار دعم مختلفة.
تتبع الفريق "مشعل" لعدة أيام، وفي يوم في 25 سبتمبر 1997، تم استهدافه، كان اثنين من عملاء الموساد ينتظران خارج مكتبه، وبينما كان يقترب، قام أحدهم برش مادة من الفنتانيل في أذن مشعل من جهاز، وقبل ذلك بلحظة، قام عميل موساد آخر برش زجاجة مياه غازية عليه للتمويه، لتبدو أنها حادثة اصطدام عابرة بين شخصين.
كان الإسرائيليون يأملون في أن تؤدي جرعتهم المميتة من الفنتانيل المعدل - الذي يصل إلى مائة مرة أقوى من المورفين - إلى إرسال مشعل إلى غفوة لن يستيقظ منها مطلقًا، وأن يهرب العملاء ، دون ترك أي دليل على ارتكاب خطأ.
لكن الخطة انحرفت منذ البداية، كان حراس مشعل الشخصيين متشككين من عملاء الموساد حتى قبل هجومهم، وبالفعل طاردوهم، واعتقد عملاء الموساد عند وصولهم السيارة أنهم لم يتبعوهم، فتخلوا عن سيارتهم بسرعة، لكن تم اعتقالهم ونقلهم إلى مركز شرطة محلي.
عرف "مشعل" أن المهاجمين حاولوا "رش مادة عليه"، لكنه اعتقد أنهم فشلوا في إيذائه، قال مشعل: "شعرت بصوت عال في أذني، مثل صدمة كهربائية. ثم شعرت برعشة في جسدي مثل صدمة كهربائية". 
بعدها أصيب مشعل، بصداع شديد، وبدأ بالتقيؤ في وقت لاحق من ذلك اليوم، أدرك مشعل أن الهجوم، في الواقع، يشكل تهديدًا لحياته، فتم نقله إلى مستشفى أردني. 
قال "مشعل" في وقت لاحق لمجلة الطريق الثالث :"محاولة قتلي جعلتني أكثر إيجابية في الحياة. أصبحت أكثر شجاعة في وجه الموت. وأصبح إيماني أقوى بأن الرجل لا يموت حتى يحين وقته. يموت عندما يقرر الله ، وليس عندما يقرر الموساد. كما أنه جعلني أكثر عزما في أداء مسؤولياتي ".


ثمن الفشل: إعادة مشعل للحياة

لمدة أربعة أيام، ظل مشعل فاقد الوعي وبدأت حالته الصحية تتدهور، وكان قد تم القبض على اثنين من عملاء الموساد الذين قاموا بالعملية، وتعهد العاهل الأردني الملك حسين بمحاكمة الاسرائيليين، وإلغاء معاهدة السلام بين البلدين، في حالة وفاة مشعل، وكان من المحتمل أن يواجه العملاء عقوبة الإعدام إذا أدينوا.
وتمكن عملاء الموساد الأربعة في عمان في ذلك الوقت الذين لم يتم اعتقالهم في ذلك الوقت من شق طريقهم إلى السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية.
تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لتفادي أزمة دولية، وكان "نتنياهو" الذي يخدم أول فترة من ولايته كرئيس للوزراء في إسرائيل يواجه خياراً مؤلماً، وفي نهاية المطاف، وافق أنه سيوفر "الترياق" الذي سينقذ حياة مشعل مقابل الإفراج عن عملاء الموساد. 
وقام رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم، بالسفر للأردن بالترياق، وكجزء من المفاوضات لتأمين الإفراج عن العملاء الستة ، وافقت إسرائيل - تحت ضغط كبير من الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون – بسرعة على الإفراج عن عدد من نشطاء وقادة حماس بمن فيهم الزعيم الروحي والعقل المدبر الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية.



هل مازال مشعل ضمن قائمة الاغتيالات؟

"ما بدأ كعملية لتصفية قيادي بحماس، انتهى بالسماح للقائد الروحي لحركة حماس بالعودة إلى غزة كبطل"، كما أظهرت العملية مشعل أنه بطل أيضاً، وساعدت في وضعه على رأس السلطة السياسية لحماس بعد سبع سنوات من هذه الحادثة.
في عام 1999، تم حظر حماس في الأردن، واتهم الملك عبد الله حماس باستخدام الأراضي الأردنية للقيام بأنشطة غير قانونية، و بمحاولة تعطيل معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، كما اعتقل الأردن كبار قادة حماس، بما في ذلك مشعل وموسى أبو مرزوق وخمسة آخرين عند وصولهم إلى الأردن من إيران، تم اتهامهم بأنهم أعضاء في منظمة محظورة من قبل الأردن، بسبب حيازتهم للأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية والاحتيال وجمع الأموال بشكل غير قانوني، ثم تم طرد مشعل من الأردن.
بالنسبة لإسرائيل، محاولة اغتيال زعيم حماس أظهرت قدرتها على الوصول إلى أعدائها أينما كانوا، ولكنها أيضًا كانت واحدة من أكثر إخفاقات الموساد علانية.
تحدث نتنياهو عن قراره بمحاولة الاغتيال: "كرئيس للوزراء لدي واجب، واجب أعلى، للقتال بكل طريقة ممكنة ضد هذا الإرهاب الرهيب، ولكن بين الحين والآخر، كما في كل حرب، هناك إخفاقات، وهناك مخاطر".
قبل بضع سنوات ، سأل مراسل الجزيرة رئيس الموساد السابق داني ياتوم ، الذي أشرف على هجوم مشعل الفاشل، هل ستحاول إسرائيل مرة أخرى قتل زعيم حماس؟، أجاب ياتوم: "الإرهابي، يجب أن يفهم أنه لن يتمتع بالحصانة".
قد يحاول "نتنياهو" يوماً ما مرة أخرى إتمام نلك العملية التي لم تكتمل .. لتصفية الحساب المفتوح.