رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كان السادات بطلًا


فى العام الماضى، أعلنت الولايات المتحدة عن اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة. لم يختر الأمريكان هذا التاريخ عبثًا، إنها رسالة إلى من استغل حرب أكتوبر ١٩٧٣ من أجل استعادة أرضه، ومن استغلّها للبقاء فى الحكم.
لقد أصبحت المعاهدة المصرية- الإسرائيلية للعام ١٩٧٩ أمرًا واقعًا بعدما قرّر الرئيس أنور السادات الذهاب للقدس فى نوفمبر من العام ١٩٧٧، حيث ألقى خطابًا أمام الكنيست، قال فيه: «جئت إليكم حاملًا سلام الشجعان، لا سلام المغلوب»، منطلقًا من واقع انتصار فعلى.
لقد غيّر أنور السادات بمبادرته مفاهيم كثيرة، ترسبت فى عقول قادة الدول العربية، بل فى الشرق الأوسط كله.
ولكنه دفع غاليًا ثمن ما فعله عندما اغتيل فى العام ١٩٨١، بفعل دعاية المتطرفين العرب، الذين اعتبروا أن ما فعله السادات خيانة لثقافتهم، التى دأبت على استثمار حماس العرب للحرب، والحلم بالنصر الذى لم يتحقق لهم أبدًا.
بغض النظر عن أى تقييم للرجل، لم يستوعب العرب ولا قادتهم معنى ذهاب أنور السادات إلى القدس، ومن دون الخوض بإيجابيات مثل هذه الخطوة أو سلبياتها. تعاطى معظم العرب، وقتذاك، مع الأمر دون أى فهم أو استيعاب لأبعاده.
فرض السادات أمرًا واقعًا جديرًا بالدراسة والتمحيص والاستفادة منه، كان لا بد من التعامل معه بعيدًا عن أى نوع من الحماس والبكاء المضحك عن شق الصف العربى والكرامة العربية، لقد شق السادات الصف العربى. واستعاد أرض بلاده كاملة، تمخض بكاء العرب ونحيبهم عن ملايين من أبيات الشعر العربى الفصيح وآلاف المقالات، التى امتلأت بها صحف العرب فى لندن وباريس وسوريا وليبيا ولبنان تطعن فى الرجل، وما زال العرب يعسكرون بقواتهم فى المنطقة الرخوة فى حالة اللا حرب واللا سلم إلى ما لا نهاية. وأرض سوريا ما زالت محتلة.
حتى هؤلاء الذين استوعبوا فكر السادات جيدًا، لم يفعلوا شيئًا ووقفوا عاجزين فى ظل تهديدات البعثيْن السورى والعراقى، ومن تبعهما من الفصائل الفلسطينية، الذين اتفقوا فجأة على عزل مصر، على الرغم من أنه لم يكن هناك ما يجمع بينهما.
ومما لا شك فيه أن ما يدفعه العرب اليوم من تشتتهم وتخاذلهم هو الثمن الفادح لعزل مصر بسبب توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل. ولم تنجح قراراتهم بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس فى تحرير فلسطين أو الأراضى العربية الأخرى المحتلة والجولان. ولم يمنعوا الرئيس الأمريكى ترامب من الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وأن الجولان أراضٍ إسرائيلية. لم يوجد من يسأل فى العام ١٩٧٧، ولم يسأل العرب المقاطعون أنفسهم هل هناك خيار آخر غير الذهاب إلى النهاية فى السلام مع إسرائيل؟.
أخذت ليبيا وسوريا المبادرة وسحبتا خلفهما الجزائر واليمن الجنوبى ومنظمة التحرير الفلسطينية والعراق لتكوين ما عرف وقتها بجبهة الصمود والتصدى.
الغريب أن النظام العراقى الذى كان يناصب النظام السورى العداء، قبل طواعية أن يضع نفسه فى خدمة النظام السورى.
لقد واجهت مصر بسببهم فى مطلع العام ١٩٧٧ أقسى أزمة اقتصادية، إلى هياج واضطرابات داخلية سماها السادات ثورة الحرامية، وأطلق عليها أعداؤه ثورة الجياع، ولكن لا يختلف أحد أنها كانت واحدة من آثار تخاذل العرب الذين امتلأت جيوبهم بأموال البترول الذى ارتفعت أسعاره من جراء قرار السادات بالحرب.
جيش مصر الذى انتصر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ هو نفسه جيش مصر الذى لم يتدخل لقمع الانتفاضة الحقيقية فى يناير ٢٠١١. بينما تدخل الجيش الذى حارب معه فى قمع السوريين بعقيدة أخرى. تحية للسادات البطل الذى سبق تفكيره تفكير نظرائه من القادة العرب المنغمسين فى النضال بالشعر والمقالات الحماسية.