ميتتان لفتاة واحدة
لو كنت اشتركت مع فريق كتابة مسلسل في كل أسبوع يوم جمعة لاقترحت عنوان ميتتان لفتاة واحدة على غرار رواية جورج امادو ميتتان لرجل واحد.
نور رياض، شابة جميلة وذكية ومهندسة اتصالات بارعة اضطرتها الظروف الاجتماعية البالية أن تصنع لها عائلتها جنازة ويتلقى أفرادها العزاء في ابنتهم التي لم تزل حية، لم يكن هذا كل شيء فتنتقل نور من المقبرة لتستكمل حياتها في مقبرة أكبر وأشد قسوة، هربت العائلة بعد العزاء إلى الإسكندرية خوفا من فضيحة علاقة ابنتهم بالكاتب المشهور نديم شكرى والذى تبرأ منها على الهواء في أحد البرامج التلفزيونية وعلى مرأى ومسمع من الجميع قررت العائلة إعلان وفاتها ودفنها حية على أن تتسلمها سوسن هانم سيدة المجتمع التي صنعت لنور حياة جديدة باسم ليلي عبد الباري وكان لابد أن تسأل الهانم عن مقابل صنيعها فزوجت ليلى من ابنها عماد المعاق ذهنيا والذى يعيش في قصر منيف منعزل عن المدينة، القصر المناسب جدا لأن يكون مسرح جرائم اقترفها البطلان ليلى وعماد حيث تمتلئ الحكاية بالغموض والإثارة وحبس الأنفاس، ربما تكون جملة تقليدية ولكنها فى واقع الأمر أكثر وصف مناسب لأحداث مسلسل قصير من عشر حلقات بعنوان في كل أسبوع يوم جمعة.
في تمام الاقتناع أن منة شلبي ممثلة مخضرمة استطاعت تطوير أداءها حتى وصلت لذروته في أحدث أعمالها أمام البارع آسر ياسين يصنعان سوناتا من العزف الشجي المحمل بنغم صارخ من الرفض لكل ماحدث ويحدث لهما من الحياة، عندما وجدت نور أو ليلى نفسها في مواجهة حياة جديدة مع شخص معاق ذهنيا تقرر أن تستمر على قد الحياة بعد أن عادت من موت محقق، حاولت استغلال كل ماهو متاح للنيل من ظلمها وتسبب في نفيها وعائلتها.
فتقع أولى جرائم القتل والضحية" أوتاكا" عامل سباكة جاء إلى القصر لإصلاح المواسير فتعرف على نور، وسوء الفهم من عماد فوقع في مشادة انتهت بقتل أوتاكا واشتراك الزوجين في تقطيع الجثة والقاءها في نهر النيل، هذا العامل من الظالمين أو مثل أي فرد من المجتمع الشرقى الذي لا يغفر للنساء آثامهم فشعرت بالاستحسان لفعلتهما وانتظرت المزيد من الانتقام الذي حققته بالفعل على مدار حلقات المسلسل، كان للملكة الهاربة من جدران التاريخ المصري القديم سوسن بدر أو سوسن هانم نصيب الأسد في أداء دور الأم التي تحرص على إتيان لعبة جديدة كل فترة لتسلية ابنها، حماة مجرمة متسلطة على زوجة أنها التي تذكرها دائما بأنها ابنة شوارع ويجب أن تكون ممتنة لها ولابنها أنهما اتاحا لها فرصة حياة جديدة.
رغم ثراء القصر وفخامته إلا أنه كئيب ينير اضاءة خافتة تكاد لا ترى الأشياء من حولهم، بالفعل ساهمت الإضاءة الخافتة والأثاث الضخم والفخم القديم في إضفاء حالة من الغموض على المشاهد حتى تلك التي تم تصويرها نهارا وتحت ضوء الشمس، ينشغل المتلقي في تفسير زوايا وتكوينات الصورة الماثلة أمامه لكنه يقر بجمالها الذى لا يقل عن جمال صورة مسلسلات أجنبية مرتفعة الانتاج.
نتابع من خلال تطور سيناريو محكم عن تجول الفتاة الرقيقة إلى وحش مخيف وشره للدماء بعد أن استهوتها المغامرة فقررت التخلص من ماضيها تماما باستدراج الرجال المراد الانتقام منهم إلى القصر ومن ثم تطلق لعماد كلمة السر "نيلة" فيهجم المسكين فرحا على الضحية ويفترسها والسعادة تشع من عينيه، فقد نجح آسر ياسين في لعب دور المعاق ذهنيا كأنه خالط مجموعة من المرضى عقليا واستذكر الدور جيدا ليبدو واحدا منهم، يبدو ذلك من خلال نظراته الزائغة وحركات يداه العصبية والمتوترة خاصة عندما تبتعد عنه ليلى دقائق وكأنها طفل متعلق بأمه مما جعل سوسن هانم أن تخضع لرغبته في إبقاء الفتاة الجميلة معه فلا يخلو السيناريو من الصراعات النفسية الداخلية المسكوت عنها في الحوار لكنها تتضح من خلال الأداء الجيد لكل منهم.
لا نتجاهل الأم الأخرى في المسلسل وهى أم نور أو ليلى التي لعبت دورها عارفة عبد الرسول خاصة في مشهد تغسيل ودفن ابنتها في أداء حقيقي بتقمص جيد لأم في طريقها لوضع ابنتها فى المثوى الأخير، بالإضافة إلى تبعات الموقف المهيب من بكاء حار ليس لأنها تصدق موت ابنتها ولكنها فقدتها فى الحالتين وبناء عليه لم تتحمل ما يجرى من أحداث قاسية فتتوفى بعدها بفترة قصيرة.
المسلسل مأخوذ عن رواية الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد بنفس العنوان والتي قدمها فريق عمل السيناريو بشكل مختلف قليلا من حيث إضافة شخصيات للعمل إضافة موفقة وتغيير بعض الأحداث والأسماء، وطريقة التعارف بين الشخصيات حيث أبدع عبد المجيد في تقديم أدوات مستحدثة على مجتمعنا من استخدام التكنولوجيا وإنشاء مجموعات افتراضية على المدونات ومواقع الإنترنت، كما اختار الفريق أن يبدأ أولى دقائق كل حلقة جديدة بالفلاش باك ليعرض مشهدين مهمين أحدهما تمثيلية موت الفتاة والآخر علاقتها في البدايات مع نديم شكري؟ شريف سلامة وفي مقدمة كل حلقة يعرض المشاهد تلك بزاوية مختلفة تعرض وجه آخر من الأوجه الخفية في الحلقات التي سبقتها، فريق ناجح مكون من الكتاب محمد هشام عبية وسمر عبد الناصر والمعالجة الدرامية لإياد إبراهيم وإخراج محمد شاكر خضير، فريق عمل رائع نجح في معالجة وتقديم أفكار جديدة رفعت العمل الدرامي إلى القمة وإدراجه في قائمة أفضل الأعمال في السنوات الأخيرة.
