رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلومبيرج.. درجة ثالثة!


لو قلت إن «بلومبيرج» وكالة إخبارية من الدرجة الثالثة، لن تسلم من هجمات وتشنجات المتثاقفين، المصابين بعقدة الخواجة، النقص أو الدونية. لكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قال ذلك، ووصف مالك الوكالة بـ«مينى مايك» أى «مايك القزم»، تعليقًا على إرشادات الوكالة لمحرريها بشأن طريقة التعامل مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، بعد أن بدأ مالكها، مايكل بلومبيرج، حملته لنيل ترشيح الحزب الديمقراطى.
فريق حملة ترامب لانتخابات ٢٠٢٠ أعلن عن أنه سيمنع مراسلى وممثلى وكالة «بلومبيرج»، Bloomberg، من تغطية التجمعات الانتخابية وغيرها من الأنشطة المرتبطة بالحملة، متهمًا الوكالة بـ«التحيّز» لمالكها. وقال براد بارسيكال، مدير الحملة، إن القرار جاء بعد أن قررت الوكالة عدم إجراء تحقيقات عن مالكها أو منافسيه الديمقراطيين. وأوضح، فى بيان: «اعتدنا على الممارسات الإعلامية غير المنصفة، لكن معظم المؤسسات لا تعلن عن تحيّزها بهذا الشكل».
جون ميكليثويت، رئيس تحرير «بلومبيرج نيوز»، نفى الاتهام بالتحيّز، وقال إنه أبعد ما يكون عن الحقيقة، مؤكدًا أن الوكالة قامت بتغطية الأخبار المرتبطة بدونالد ترامب بشكل منصف وغير منحاز منذ ترشّحه سنة ٢٠١٥ وستواصل ذلك. لكنه لم ينفِ أنه أمر محررى الوكالة، فى منشور داخلى، بعدم الكتابة عن مؤسسها أو عن منافسيه المباشرين من الحزب الديمقراطى، بزعم تفادى تضارب المصالح. وهو ما فسره الرئيس الأمريكى بأن «مينى مايك» أمر وكالته الإخبارية، وهى وكالة من الدرجة الثالثة، بعدم إجراء أى تحقيقات عنه أو عن أى ديمقراطى، وملاحقة ترامب فقط». وشمل هجوم ترامب، أيضًا، جريدة «نيويورك تايمز» التى وصفها بـ«الفاشلة»، بعد أن انتقد رئيس تحريرها التنفيذى قرار فريق الحملة.
مايكل روبنز بلومبيرج، الذى سيبلغ الثامنة والسبعين فى فبراير القادم، رجل أعمال أمريكى من أصول يهودية شرق أوروبية، يملك إمبراطورية النشر المالى التى تحمل اسمه: وكالة بلومبيرج الاقتصادية. وكان عمدة نيويورك لثلاث فترات، انتهت فى ٢٠١٣، ولمح فى ٢٠١٦ إلى احتمال ترشحه فى انتخابات الرئاسة مستقلًا، لكنه تخلى عن تلك الفكرة، ودعم هيلارى كلينتون. والأهم هو أنه، بحسب مجلة «فوربس» الأمريكية، ثامن أغنى أغنياء الولايات المتحدة، ورقم ١٤ بين أغنى أغنياء العالم، وتقدر ثروته بـ٥٦ مليار دولار، أى نحو ١٩ ضعف ثروة ترامب، التى قدرتها المجلة نفسها بحوالى ٣ مليارات دولار.
أصدر بلومبيرج كتابين، الأول سنة ١٩٩٧، بعنوان «بلومبيرج عن بلومبيرج». والثانى عنوانه «مناخ الأمل: كيف يمكن للمدن والأعمال التجارية والمواطنين إنقاذ الكوكب» صدر فى ٢٠١٧، وشاركه فى تأليفه كارل بوب، أحد أبرز الناشطين فى مجال البيئة. كما صدرت عنه كتب عديدة أبرزها «بلومبيرج: طموح ملياردير» لكريس ماكنيكل وكينيث. تى. جاكسون. وخلال العام الجارى، أصدرت إليانور راندولف كتابًا عنوانه «حيوات مايكل بلومبيرج المتعددة: الابتكار، المال والسياسة»، تناولت فيه قصة صعوده من أصوله المتواضعة إلى قمة عالم المال والسياسة.
فى إعلان ترشحه، اعتمد بلومبيرج بدرجة كبيرة على ثروته، إذ ترك المرشحين الديمقراطيين يتنافسون فيما بينهم، قبل أن يقرر الدخول فى السباق بحملة دعائية بلغت تكلفتها ٣٠ مليون دولار، بدأها بهجوم حاد على الرئيس الأمريكى الحالى: «أخوض السباق الرئاسى لأهزم دونالد ترامب وأعيد بناء أمريكا.. لا يمكننا تحمّل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترامب اللاأخلاقية». وهكذا، انضم الرجل إلى قائمة طويلة من المرشحين الديمقراطيين الطامحين للفوز بترشيح الحزب لمنافسة ترامب فى انتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية. ومن المقرر أن تبدأ فى فبراير المقبل الانتخابات التمهيدية، التى يختار الديمقراطيون فيها مرشحهم الفعلى.
إلى الآن، يتقدم جو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، فى استطلاعات الرأى على جميع المرشحين الديمقراطيين الآخرين. ويتوقع كثيرون أن يكون مرشح الحزب واحدًا من اثنين: بايدن أو بيرنى ساندرز، المجنون والنائم، كما وصفهما ترامب، فى أبريل الماضى، وهو يؤكد أنه ينتظر مواجهة كليهما.. «وليرحم الله روحيهما». غير أن استطلاعات الرأى لا علاقة لها باختيارات الحزب الديمقراطى، بدليل أنه اختار هيلارى كلينتون، لتنافس ترامب فى انتخابات الرئاسة الماضية، وتجاهل بيرنى ساندرز، الذى أجمعت كل استطلاعات الرأى على أنه المرشح الأفضل، ليس لدى الديمقراطيين فقط، بل لدى الجمهوريين أيضًا!
وتبقى الإشارة إلى أن المواطن الأمريكى العادى، لا علاقة له بذلك كله، لأنه لا يمكنه المشاركة فى العمل السياسى بفاعلية، إلا لو كان عضوًا فى مجموعة النخب التى تسيطر على الثروة والسلطة والنفوذ. كما أن آراءه، اختياراته أو تفضيلاته، تكاد تكون بلا تأثير، على السياسات العامة، ما لم تتوافق مع ما تريده تلك النخب. ما يعنى أن الصورة المثالية التى يتم الترويج لها، ويصدقها كثيرون، عن «القيم الديمقراطية الأمريكية»، بعيدة تمامًا عن الواقع.