رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقدان الأمان النفسى ودعوات لعدم الإنجاب



نسمع كثيرًا ويقال الأكثر عن الاحتباس الحرارى الذى يُعد الإنسان المسئول الأول عنه، وكيف أن ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بأكثر من نصف درجة مئوية يؤثر على التنوع الحيوى، وينذر بكوارث بشرية واقتصادية، لكن الجديد هو الدراسات والأبحاث التى تظهر التأثيرات البدنية والنفسية للعيش فى عالم يزداد احترارًا.
إن المشاكل النفسية والعقلية ارتبطت أيضًا بالوضع الجسمانى للإنسان، إذ إن أى مشكلة جسدية قد تؤدى فى كثير من الحالات إلى مضاعفات نفسية ذات صلة.
فالتغيرات المناخية غير الطبيعية التى يشهدها العالم حاليًا لها تأثيرها على وظائف الأعضاء الجسدية لدى الإنسان، إذ إن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على صحة القلب، وتسبب الاضطرابات المعديّة والمعوية، ومشاكل الكلى وغيرها، وهذه الاضطرابات الصحية تؤثر على سلامة الصحة النفسية للفرد.
وتؤكد الدراسات الحديثة أن بيئتنا المتغيرة تهدد سلامتنا العقلية والاجتماعية والروحية، وأن الكوارث المناخية قد تسبب الصدمة، الرعب، قلة الحيلة والضرر النفسى وتوتر العلاقات، والإدمان، إلى جانب فقدان الهوية والسيطرة. وأن ارتفاع درجات الحرارة يُسهم فى زيادة معدلات الانتحار، ويرتبط أيضًا بتدهور الصحة العقلية وارتفاع معدلات الاكتئاب.
ووفق الدراسات فإن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدى إلى زيادة أعداد حالات الانتحار بين ٩٠٠٠ و٤٠٠٠٠ حالة سنويًا فى كلٍّ من الولايات المتحدة والمكسيك بحلول عام ٢٠٥٠، كما يتسبب فى ارتفاع مستويات العدوانية بين الأفراد، ويؤدى إلى انتشار أعمال العنف والصراعات بين الجماعات.
وقد تم الإبلاغ خلال السنوات الماضية عن رصد حالات عديدة للحزن والقلق والاكتئاب بعد ظواهر مناخية شديدة مثل إعصارى ساندى وكاترينا، وتوجد بيانات وافرة عن الصحة النفسية فى المجتمعات الشمالية، حيث يعد معدل الاحترار الأسرع ويشكل الخطر تهديدًا بالفناء لسكان المناطق القطبية عند مشاهدتهم الجليد الذى يعد جزءًا كبيرًا من هويتهم يختفى أمام أعينهم.
ومما يزيد الأمر سوءًا أن التأثيرات الاقتصادية للتغيرات المناخية تجعل من الصعب على المواطنين طلب الاستشارات الصحية والنفسية تحديدًا، ما يعنى أن العلاج النفسى يصبح أصعب فى المناطق الفقيرة التى تعانى تداعيات بيئية مرتبطة بالتغيرات المناخية والاحتباس الحرارى.. ويصبح الحديث عن التأثير النفسى للتغيرات نوعًا من الرفاهية أمام تهديدات معيشية يومية أكثر إلحاحًا مثل: كيفية توفير الطعام لعدة أفواه، كيفية دفع أقساط المدرسة عندما تكون أُمًا معيلة أو أبًا يعمل بثلاث وظائف أو أن تكون مصابًا بالسرطان، أو أن تعيش فى مناطق عشوائية تنقصها الخدمات الأساسية كمياه الشرب والصرف الصحى، ومع ذلك فإن التغير المناخى متعدد الجوانب للأسف يزيد من الضغوط التى تواجهها المجتمعات المهمشة.
تتزايد المخاوف فى الغرب من تفاقم المشكلة، وهناك شعور متنامٍ بعدم الأمان، تمثله ظاهرة بدأت مؤخرًا تعد مثالًا واحدًا فقط للمحن العاطفية التى يعيشها الأوروبيون والأمريكيون وتأتى على هيئة سؤال يعجز عدد كبير من الأفراد عن الإجابة عليه، السؤال هو: هل ينبغى علىّ إنجاب طفل فى عصر التغير المناخى؟ لقد بدأ الغربيون يدرسون مسألة الإنجاب فى ظل التغيرات المناخية، التوقعات تقول إن أى طفل يولد اليوم سيحيا فى عالم حيث تصبح الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات- ما نطلق عليه اليوم كوارث طبيعية- أشياء مألوفة.
لذا بدأت فى أوروبا وأمريكا حركة تدعو للإضراب عن الإنجاب، أعلن أعضاؤها عن نيتهم عدم إنجاب الأطفال بسبب حالة الأزمة البيئية وعدم تعامل الحكومات مع هذا التهديد الوجودى، وبالفعل يشعر البعض فى الدول المتقدمة بأنه من الأفضل تبنى طفل، أو أنه من غير الأخلاقى أن تنجب أكثر من طفل واحد، على وجه الخصوص ثلاثة أو أربعة أو أكثر لأن الأطفال يزيدون من انبعاث الغازات الدفيئة.
فعدم إنجاب طفل واحد فقط فى دولة صناعية يمكن أن يوفر نحو ٥٩ طنًا من ثانى أكسيد الكربون فى العام الواحد.
يشعر أفراد الدول الغربية بالمسئولية عن هذه التغيرات المناخية، فالثورة الصناعية والاستخدام الجائر للموارد البيئية من أهم أسباب هذه الكارثة المقبلة، ولأنه لا يمكن أن نعيش دون سيارات، دون طائرات، والواقع يصرخ أنه لا بد من الحد من استخدام الوقود الكربونى، فإن الغربيين يفكرون فى الحد من الأعداد المستهلكة لمزيد من الوقود الكربونى.
والأهم أنهم يطالبون بأن تكون الصحة النفسية جزءًا أساسيًا فى أى خطة نجاة من التغير المناخى باحتياجها للدعم المالى وأخلاق المساواة والعناية ونشر الوعى.
وللحديث بقية.