رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دلال محمود: قطر موّلت جمعيات «الإخوان» بـ3 مليارات دولار بين 2018 و2019

جريدة الدستور

الولايات المتحدة الأمريكية ترعى الجماعات المتطرفة بشكل غير مباشر

الإرهابيون تكبدوا خسائر فادحة بفضل نجاحات الأمن خاصة فى سيناء

٧١ مليار دولار خسائر العمليات الإرهابية من ٢٠٠٢ إلى ٢٠١٧



قالت الدكتورة دلال محمود، مديرة برنامج الأمن وقضايا الدفاع بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن تركيا وقطر أكبر دولتين راعيتين للإرهاب فى العالم، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، مشيرة إلى جرائم البلدين فى العراق وسوريا وليبيا. وذكرت «دلال»، فى حوارها مع «الدستور»، أن الجماعة الإرهابية منيت بخسائر فادحة على مستوى القيادات والعناصر البشرية والتمويل، بفضل النجاحات التى حققتها الأجهزة الأمنية طوال السنوات الماضية، لكنها لم تستبعد إمكانية التحالف بين «الإخوان» والتنظيمات الإرهابية الأخرى بهدف التسلل للداخل المصرى وتنفيذ عمليات انتقامية.


 ما اسباب انتشار ظاهرة  الارهاب بمنطقة الشرق الاوسط؟
- هناك أسباب تاريخية مثل انتشار التطرف الدينى والإرهاب فى فترة الحرب الباردة بين القطبين الأمريكى والروسى، بسبب محاولة كل طرف استمالة الدول لمعسكره على حساب الآخر، وفى مرحلة متأخرة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى الحديث عن فرض نظام عالمى جديد وتصدير فكرة الديمقراطية للشرق الأوسط، ومنذ هذه اللحظة ظهر الإرهاب. هناك دول رفضت النهج الأمريكى، واستغلت بعض الدول هذا الرفض فى توظيف بعض العناصر المتطرفة واحتضنتهم وأمدتهم بالمال والسلاح لإحداث الاضطرابات والفوضى، وقد تحدثت عن هذا الأمر مرشحة الرئاسة الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، فى مذكراتها، واعترفت بأن بلادها وراء نشاط تنظيم القاعدة، وأنها استخدمت التنظيم لتواجه الاتحاد السوفيتى، دون أن نسمع أى صوت ينادى بمحاسبة الولايات المتحدة على تلك الأفعال، ورغم ذلك نجد الغرب لا يفوت فرصة لانتقاد ملف حقوق الإنسان فى العالم العربى، وهى ازدواجية مفضوحة.
■ ما الدول التى ثبت يقينًا دعمها ورعايتها التنظيمات الإرهابية؟
- أكبر الدول الراعية للإرهاب تركيا وقطر، وبشكل غير مباشر الولايات المتحدة، بسبب تجاهلها الجرائم التى ترتكبها بعض الجماعات الإرهابية وتخاذلها عن التصدى للتنظيمات الإرهابية بشكل جاد.
فى رأيى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يرعى الإرهاب ومن قبله باراك أوباما، لأن لعبة المصالح هى من تحكم علاقة تلك الدول بالتنظيمات الإرهابية التى تطيع من يدفع أكثر مثل ميليشيات المرتزقة، وللأسف الدول الكبرى ليست جادة فى حربها ضد الإرهاب، لأنه ليس من المنطق أن التحالف الدولى،الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والنشط فى سوريا والعراق ويضم أكثر من ٤٠ دولة، لم ينجح حتى الآن فى القضاء تمامًا على تنظيم داعش الإرهابى، خاصة أن الفترة بين ٢٠١٣ و٢٠١٥ التى تشكل فيها التحالف كانت فترة نشاط وازدهار للتنظيم، وكل ما فعلته تلك الدول هو إقحام نفسها فى ملعب الصراع السورى حتى لا تنفرد روسيا وإيران به.
■ وماذا عن إسرائيل؟
- هى المستفيد الأكبر من كل ما يحدث، وقد تكون لها أياد فيما يحدث ولكن ليس بشكل مباشر، وإنما عبر خلايا وأجهزة استخباراتية، فهناك واقعتان يمكن أن يكون لهما تأثير نسبى فيما يحدث من صراعات إرهابية فى المنطقة العربية، الواقعة الأولى أنه فى خضم تقدم «داعش» داخل سوريا حدث أن سقطت قذائف صاروخية مصدرها مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم باتجاه هضبة الجولان، التى تحتلها إسرائيل، فما كان من التنظيم الإرهابى إلا أن اعتذر عن الواقعة، ووصفها بأنها خطأ غير مقصود، والواقعة الثانية هى وجود تقارير استخباراتية تفيد بتورط الموساد الإسرائيلى فى مفاوضات مع التنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق، خاصة عمليات تهريب المقاتلين إلى دول آسيا الوسطى.
■ ما دلائل رعاية تركيا الإرهاب فى الشرق الأوسط؟
- شاهدنا جميعًا الأدلة التى رصدها وساقها الجيش الوطنى الليبى، التى تثبت وقوف تركيا خلف الإرهاب فى ليبيا من خلال دعمها ميليشيات حكومة الوفاق، وكيف تم رصد سفن تركية تحمل أسلحة ومعدات وإرهابيين تنقلهم إلى ليبيا. والمثير للدهشة هو رد فعل المجتمع الدولى تجاه كل تلك التجاوزات التركية فى ليبيا أو عدوانها الإجرامى على سوريا مؤخرًا، فنحن نجد أن المجتمع الدولى يتحدث بهدوء ويتفاوض مع الدولة المعتدية على سيادة دولة أخرى. دارسو العلاقات الدولية يعلمون جيدًا أن هناك قاعدة أساسية تنص على أن القوة تخلق الحق وتحميه، وهذا كلام قاس ولكنه واقع تاريخى، ومثال لذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذى يضم فى عضويته الأساسية الخمسة الكبار أصحاب حق «الفيتو» وهى الدول التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية، فقواعد القانون يضعها المنتصر وليس المهزوم، وهذه مشكلة كبيرة تجعل القوى هو الذى يفرض سياسته على الضعيف، فالحل الوحيد أمام الدول الأضعف أن ترتبط بعلاقات مع تلك الدول الكبرى لكى تحمى مصالحها.
■ لماذا يتغاضى المجتمع الدولى عن دعم تركيا الإرهاب وتجاوزاتها بحق الدول العربية؟
- هناك أكثر من سبب لهذا التخاذل الدولى، أبرزها أن الموقع الجغرافى لتركيا يجعلها بوابة عبور رئيسية بين الشرق والغرب، وهى توظف هذه الميزة بامتياز، فمنذ بداية الأزمة السورية يساوم النظام التركى أوروبا بقضية اللاجئين السوريين، ويطلب أموالًا وإعانات مقابل السيطرة على اللاجئين، ويهدد أوروبا بفتح الحدود أمام طوفان من اللاجئين السوريين المقيمين على أرض تركيا.
اعترض الغرب فى البداية ثم رضخ لمطالب «أردوغان» ووافق على إنشاء المنطقة الآمنة على الحدود مع سوريا. الغرب يستفيد من «أردوغان» أيضًا ويستخدمه فى تنفيذ أجندة محددة تخدم مصالحه فى الشرق الأوسط وكذلك الوطن العربى، وهذا ما يجعله زعيمًا بلا هوية واضحة، فلا نستطيع أن نعتبره منحازًا للشرق أو الغرب. وهناك أسباب أخرى متمثلة فى كون تركيا دولة ذات قوة اقتصادية ضخمة، وإساءة استغلال النظام الحالى هذه القوة لا تنفى أن تركيا تتمتع بموارد مهمة، وهى عضو أساسى فى حلف شمال الأطلنطى «ناتو»، وثانى أكبر قوة عسكرية داخل الحلف، ولذلك لا يمكن أن يتخلى الغرب عنها بسهولة أو أن يعاقبها، لأن لديها أسلحة وعتادًا عسكريًا لا يستهان به وقدرات واعدة وإمكانيات اقتصادية كبيرة. وكذلك تناور تركيا بالتقرب من روسيا تارة والغرب تارة، وتلعب على وتر الاختلاف بين الاثنين لتحقيق مصالحها.
■ كيف يمكن التعامل مع تركيا إذن؟
- الحل أن يخسر «أردوغان» شعبيته فى الداخل التركى، وهو ما يحدث حاليًا بالفعل، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح عبر المقارنة بين أدائه منذ تولى منصب رئيس الوزراء فى ٢٠٠٣، وحتى ٢٠١٤، وهى الفترة التى كان يعمل فيها جاهدًا لبناء شعبيته وتحسين الاقتصاد وزيادة الإنتاج، لذلك جرى انتخابه أكثر من مرة بسبب التقدم والنجاح الذى كان يحققه على المستوى الاقتصادى والنهضوى، لكن بدأت سياسته تتغير بعد ذلك خاصة منذ تولى الرئاسة فى العام ٢٠١٤، فضلًا عن سوء إدارته الأزمة الاقتصادية التى منيت بها بلاده، إلى جانب سفهه وإهداره ثروات الشعب فى مظاهر الإنفاق الشخصى، فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من أزمة اقتصادية حادة عصفت بالليرة التركية ورفعت معدل التضخم، ورغم ذلك نجده مثلًا يشترى أسطول سيارات جديدة للرئاسة وطائرة رئاسية بنحو ٣٠٠ مليون دولار، وهو تناقض يضرب شعبيته فى مقتل.
لقد أصبحت تركيا فى شبه عزلة إقليمية بسبب تدخلها فى شئون الدول الأخرى وما نتج عن ذلك من عداءات ومشاحنات، إلى جانب التوسع فى الاعتماد على الجيش فى السياسة الخارجية، حيث شن هجمات ونفذ عمليات عسكرية فى العراق وسوريا، إضافة إلى دعمه الميليشيات فى ليبيا. وأعتقد أنه من الممكن أن يصل به الغرور إلى أن يتخطى الحدود وأن يعلن عداءه للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهى الخطوة التى إن أقدم عليها فمن الممكن أن تتسبب فى الإطاحة به، مثل تهديد مصالح الغرب فى منطقة شرق المتوسط، وهى الخط الأحمر فى العلاقة بين «أردوغان» والغرب.
■ هل يتعامل الغرب بازدواجية مع ملف الإرهاب؟
- الغرب لا يهتم بأى شىء سوى تحقيق مصالحه، ولا يبالى بأى جرائم قتل أو اضطرابات فى أى منطقة ما دامت بعيدة عن أراضيه ولا تؤثر على مصالحه، بدليل أن الغرب أدار ظهره للأجانب الذين ثبت انتماؤهم إلى تنظيم «داعش» الإرهابى، ومشاركتهم فى النزاع السورى، فمثلًا دولة فرنسا ترفض عقوبة الإعدام بدعوى أنها ضد حقوق الإنسان لكنها فى الوقت نفسه ترفض عودة مواطنيها الدواعش إلى أراضيها، وأعطت المال للحكومة العراقية لبناء سجون لمواطنيها من عناصر داعش على أرض العراق، دون التفكير فى محاكمتهم ومعرفة حقيقة انتمائهم لـ«داعش» من عدمه.. كل ما ترغب فيه ألا يعود هؤلاء إلى أراضيها مرة أخرى حتى لا يتسببوا فى أى مشكلات قد تمس أمنها ومصالحها.
■ هل توجد إحصاءات دقيقة عن حجم الدعم الدولى للإرهاب، خاصة دولة مثل قطر؟
- بالتأكيد هناك دول تمول الإرهاب لضرب دول منافسة، وبميزانيات ضخمة، وهناك رصد لكثير من الوثائق التى تؤكد تمويل قطر بعض الجمعيات التى تعمل على دعم وتمويل العمليات الإرهابية، فبريطانيا وحدها يوجد بها أكثر من مائة جمعية وجامع تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تعمل بتمويل قطرى لتمويل الإرهاب تحت مظلة العمل المدنى، ويصل حجم الدعم القطرى لتلك الجمعيات والمساجد لنحو ٣ مليارات دولار فى الفترة بين عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩، حسب وثائق نشرها صحفيان فرنسيان، وهناك توثيق لحجم الخسائر من العمليات الإرهابية، فبالنسبة لمصر بلغت خسائرها من الإرهاب فى عام ٢٠١٨ نحو ٦٠ مليون دولار. وعلى مستوى العالم، وخلال الفترة من ٢٠٠٢ حتى ٢٠١٧، يصل حجم الخسائر لنحو ٧١ مليار دولار، لأن التنظيمات الإرهابية تنتشر على نطاق واسع فى العالم، وفى إفريقيا فى منطقة الساحل والصحراء مرورًا بغرب إفريقيا، وقد نشهد تطورًا جديدًا فى خريطة العمليات الإرهابية خلال الفترة المقبلة بسبب الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، صاحبة الاقتصاد القوى والشركات العابرة للقارات.
■ ما تقييمك للإخوان حاليًا على مستوى قدراتهم كتنظيم؟
- «الإخوان» من أقوى التنظيمات الإرهابية، ولها أكثر من ٥٠ فرعًا حول العالم، ولكن إعادة هيكلتها أمر صعب، ولكن تاريخيًا عندما يتعرضون إلى انتكاسات يحاولون البدء من جديد، لكن لديهم مشكلات جوهرية الآن، أولاها أن صف القيادات الكبرى غير موجود، وتم القبض عليهم، والقيادة الوحيدة الموجودة وغير معلوم مكانها هو محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، وعلى مستوى الداخل قيادات الصف الثانى غير موجودة، إما فى السجون أو هاربة، وبالتالى التوجيهات أو عمل الإخوان يكون عن طريق مستويين، مستوى التنظيم الدولى، الذى هدفه تشويه صورة النظام فى الداخل المصرى لكى يمنح عناصره مساحة للنشاط مرة أخرى، أو التنظيمات المسلحة التابعة للإخوان مثل «حسم»، التى تبحث عن دور يعيدها للمشهد فى مصر، ومن الممكن أن يكون هناك تنسيق بينها وبين عناصر من داعش أو من القاعدة لتنفيذ عمليات عدائية ضد أهداف مصرية.
ومع ذلك فقدت الإخوان وخلاياها الكثير والكثير من قدراتها بفضل الضربات الأمنية القوية والمتكررة، وكذلك الملاحقة الأمنية النشطة والذكية، التى حققت نجاحًا كبيرًا فى إدارة ملف مكافحة الإرهاب والقضاء على العناصر الخطرة أو القبض عليهم، وأوضح تجليات هذا النجاح نجدها فى سيناء، إلى جانب تضييق الخناق على التمويلات والتحويلات المالية، التى كان يستفيد منها الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية، فهناك أكثر من شركة صرافة تم غلقها وكثير من الشركات تمت مراقبة أعمالها وغلقها بعد ثبوت تورطها فى دعم الإخوان ماليًا، ولذلك لجأوا إلى تنفيذ بعض عمليات السرقة والسطو المسلح لتوفير المال. هناك تقديرات تشير إلى وجود نحو ٤ ملايين إخوانى فى مصر، وهو ما يعنى وجوب أن يتلاحم الشعب مع القوات الأمنية حتى لا يتمكن هذا التنظيم الإرهابى من العودة لتماسكه مرة أخرى.
■ هل من الممكن أن تتحالف «الإخوان» مع تنظيمات أخرى مثل داعش والقاعدة؟
- بالتأكيد، هناك عناصر إخوانية فى الداخل يمكن أن تمد يد العون لعناصر أخرى من «داعش» أو «القاعدة» فى الخارج، وتساعدوهم على التسلل إلى الداخل بهدف تنفيذ أعمال عدائية انتقامية ضخمة ضد الدولة المصرية، خاصة العمليات التى تتم على الحدود فى سيناء ومن جهة ليبيا، فهناك محاولات تسلل كثيرة عبر الحدود يحبطها الجيش، هدفها الوصول لداخل مصر للقيام بأعمال إرهابية بتحريض ودعم تركيا وقطر، لتشتيت جهود الأمن والقوات المسلحة عن طريق تنفيذ أكثر من عملية فى أكثر من مكان، وهو جزء من الحرب النفسية.

■ماذا عن دراسات المركز فى ملف الأمن والدفاع؟
- ينقسم نشاط المركز إلى مجموعة من البرامج، ومنها برنامج «الأمن والدفاع» الذى يركز على عدد من القضايا الرئيسية عبر وحدات بحثية، منها وحدة الإرهاب ووحدة التطرف ووحدة الصراعات المسلحة ووحدة الأمن السيبرانى ووحدة التسلح. ويأتى ذلك انطلاقًا من الإيمان بأهمية وجود تخصصات بحثية تتكامل مع بعضها البعض لإنتاج محتوى فعال وجيد، يخدم أبحاث قضايا العلاقات الدولية، ونحن نولى اهتمامًا خاصًا بملف الإرهاب، لأنه تحد أمنى كبير بالنسبة لمصر وسائر دول العالم والمنطقة، إذ بات يأخذ أشكالًا جديدة بسبب خريطة التحالفات السياسية التى تتغير بسرعة هائلة. والإرهاب ظاهرة مرنة، ولم يعد من الممكن أن نتحدث عنه باعتباره صراعًا مسلحًا سينتهى فى غضون عام أو عامين، لأن هناك من يغذيه ويعيد تشكيله. الآن أصبحت هذه الحرب والمواجهة مرنة وتتطور باستمرار، لذلك فالمواجهة أيضًا لا بد أن تكون مرنة ومتطورة.