رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مصحة حلوان" من منتجع صحي إلى وكر للخارجين عن القانون

جريدة الدستور

في ظل المخاطر التي يتعرض لها التراث المعماري المصري، والتي يسعى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في التصدي لها، حفاظًا على تلك المباني التي تحمل الكثير من تاريخ مصر من التدهور والإزالة من قبل بعض الأشخاص الراغبين في هدمها، نلفت النظر في هذا التقرير إلى أحد المباني التي تبعد عن القاهرة عدة كيلومترات، الأمر الذي يجعلها بعيدة عن الأنظار، مهددة بالكثير من الأضرار، خاصة وأن التنسيق الحضاري يركز في الفترة الأخيرة على معالم القاهرة ومنطقة القاهرة الخديوية.

وسنحاول تسليط الضوء في هذا التقرير على بعض المعالم التاريخية المهملة أو حتى غير المدرجة في قائمة التنسيق الحضاري ووزارة الآثار لمحاولة تقريب الصورة لتضمين هذه الأماكن في خطة التطوير وأول هذه المناطق "مصحة حلوان لعلاج أمراض الرئة والسل والتي أنشئت عام 1903"، في بدايات القرن الماضي.

شيدت مصحة حلوان على يد "يوهان كنوب" الروسي ذو الجذور الألمانية كان ليوهان ولدان كلاهما مريض بالسل، توفي أحدهما ونصحه المقربين منه بالذهاب إلى منطقة حلوان مع إبنه الباقي المريض بالسل، كانت منطقة حلوان وقتها معروفة بأجواءها الاستشفائية، وهواءها النقي، ومنازلها التي يقع أغلبها فوق ربى بها بقاع صحراوية جافة، وبقاع أخرى مُخضَرة تسر الأعين، وتساعد على الشفاء من الأمراض، خاصة أمراض الرئة، جاء يوهان كنوب بصحبة إبنه عام 1902 أقام في منزل محسن بك، بالقرب من الحديقة اليابانية الآن، ولم يمض عام على مجيئه هو وولده إلى حلوان، حتى شفي إبنه تماما وتحققت المعجزة التي لم يكن يتوقعها.

يقول الدكتور محمد حمودة المدرس بكلية الآداب قسم الآثار شعبة الآثار الإسلامية بجامعة المنيا؛ في تصريح خاص لـ"الدستور"، إن يوهان كنوب شعر بالامتنان لشفاء ابنه في منطقة حلوان، التي صدق عليها القول أنها بيئة صحية ومنتجع استشفائي، وقرر أن يُنشيء مشروعًا يساعد فيه مرضي السل وأوبئة الرئة، وفي نفس الوقت يكون استثمارًا مربحًا يساعده على الاستمرار في العيش بمصر بعدما قرر الإقامة فيها باقي حياته.

يضيف حمودة" اشترى كنوب منزل محسن بك، واستقدم أشهر المعماريين السويسريين والنمساويين لتشييد مبنى منتجع صحى أبرزهم الإيطالي توليو تبريزو بارفيس، وذاع صيت الفندق الصحي حتى أنه زاره ملوك وأمراء العالم من بلجيكا وألمانيا وروسيا، للاستجمام والاستشفاء.

يقول حمودة؛ كان للفندق الصحي به 80 غرفة، وشهد إقبالًا وصدى عالميًا، وكانت إعلاناته تنشر في جريدة لانسيت، قام كنوب بتزويد الفندق الصحي بأحدث الأجهزة الطبية والوسائل العلاجية وأجهزة الاستشفاء والاسترخاء، وافتتح مع المصحة معهد زندر الألماني للعلاج.

لكن مصحة فندق الحياة لم تنجُ من تبعات الحرب العالمية الأولى، خاصة أن صاحبها روسي من جدور ألمانية وكان وضعه حرج في مصر في ذلك الوقت في ظل الحرب، فاضطر للهروب من مصر كي ينجو بحياته، يقول حمودة "فندق الحياة الاستشفائي أفل نجمه عام 1914 وسيطر عليه الجنود الاستراليون، وبعد انتهاء الحرب وفي عام 1924 قرر الملك فؤاد شراءه من وزارة الأوقاف بمبلغ 25 ألف جنيه، وأعاد إحياءه بنظام جديد.

يضيف حمودة: "الملك فؤاد قرر أن يجعل الفندق الاستشفائي في خدمة المصريين دون الأجانب، وجعل جزء منه لعلاج المصريين البسطاء، والجزء الآخر لعلاج المصريين الميسورين، وأسلم قيادة المصحة للدكتور عبد الرؤوف حسن، واستقدم الدكتور رينيه برنارد السويسري أشهر الأطباء في مجال الأمراض الرئوية في العالم ليقود كادر الأطباء المعالجين للمرضى المصريين وأصبح اسم المصحة في ذلك الوقت مصحة فؤاد الأول".

يشير حمودة أن المصحة نقلت في عهد الملك فاروق إلى منطقة هليوبوليس في مصر الجديدة، لكن بمجرد أن هُجر المبنى تعرض للإهمال وأصبح وكر للمجرمين والبلطجية والخارجين عن القانون.

يوضح حمودة والذي أنجز رسالته للدكتوراه عن "االتأثيرات الأوروبية في عمارة فنادق مدينتي القاهرة والإسكندرية في عهد أسرة محمد علي من 1805- 1952" أنه واجه صعوبات في دخول مبنى المصحة لتصويره، نظرا لأن المبنى أصبح يحوي مجموعة من الخطرين الذين أتلفوا مبنى المصحة وباعوا معظم مقتنياتها حتى أنهم باعوا العروق الخشبية الأساسية في المبنى، ولا يعلم حتى الآن متى سينجو المبنى من سطوة المجرمين، فالمبنى رغم نهبه لازال يحتفظ بالنقوش والزخارف والمنحوتات وأغلب المبنى لازال قائمًا على حالته الأصلية وعلى مساحة شاسعة، يمكن استغلالها في أى مشروع تابع لوزارة الآثار أو وزارة الثقافة، لكن المبنى حتى لم يدرج على لائحة الأماكن الأثرية رغم إنشاءه منذ عام 1903، وغير تابع لحي حلوان ولا لوزارة الأوقاف يقول ربما هو تابع لوزارة الصحة لأنه كان تابعًا لفترة لمستشفى حلوان.