رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى فقه "المكانة".. حين تصبح "الذات" عدو الإنسان الناجح

جريدة الدستور

يتطلع كل منا إلى بلوغ مكانة بارزة فى المجتمع سواء على المستوى الوظيفي أو الاجتماعي، تلك الغريزة الإنسانية المدعومة بما يحققه الشخص من نتائج مُستحبة، تتضمن وفرة الموارد والراحة والحرية وإحساس المرء أنه موضع اهتمام، إلا أن طريق الصعود مليء بالعقبات والأشواك، التى لا يلتفت لها المرء فى كثير من الاحيان، أو يتجاهلها فى أحيان أخرى، مما يجعل لحظة وصوله للقمة، فى كثير من الأوقات، منقوصة على المستوى النفسي، وهو ما يجعلنا نسمع هذه الشكوى على ألسنة بعض المتحققين في المجتمع "نعم حققت ما كنت أتمناه لكنني غير سعيد".

ـ "الإخفاق".. معادلة التوازن بينك وبين العالم
كيف يمكن إلتقاط هذه الأفخاخ وتجنبها لوصول آمن إلى مكانة بارزة في المجتمع دون افتقاد متعة الانتصار والسعادة، هو ما يجيبنا عنه الكاتب آلان دو بوتون في كتابه "قلق السعي للمكانة".

يعتبر آلان دو بوتون، أن أبرز الأفخاخ التي يجب تجنبها في رحلة الصعود الاجتماعي والوظيفي، المغالاة في القلق بشأن تحقيق المكانة، فالقلق الدائم غالبًا ما يسبب الحسرة والأسف، لذلك يُنصح بعدم المغالاة في القلق والاستعجال المَرضي في الوصول لمنصب، لأن الإفراط قد يكون قاتلًا على المستوى النفسي.

كما نصح آلان بوتون، أن الإخفاق المؤقت لا ينبغي أن يحسسك بالمهانة، لأن الرغبة طوال الوقت في اقناع العالم بقيمتنا لا يجعلنا عادلين أحيانا تجاه أنفسنا، مما يجعلنا ننظر لأنفسنا أثناء الإخفاقات بمرارة وخزى، وهذه الأحاسيس من المشاعر المدمرة للسعادة وللإحساس بالقيمة.

ـ "الغطرسة".. إشكالية التدمير الذاتى لـ "مشوار النجاح"
وهنا ينصح آلان دو بوتون، بالتعامل الذكي مع الرسائل التي قد يوجهها المجتمع للشخص إذا أخفق في رسم صورة نمطية عن النجاح ويكون ذلك بالوعي بالطاقة المدمرة التي قد يوجهها الناس بطريقة غير مباشرة ومن ثم تجنبها أو أن تتحول لأحد كارهي البشر في لحظات قسوتهم وتواجه طاقتهم المدمرة بطاقة أكثر شراسة في الدفاع عن النفس من أجل حمايتها، مع التفريق بين الطاقة المدمرة المقصودة وطاقة النصح القاسى نوعا ما فالأولى طاقة مرضية يجدر التعامل معها لدرأها بشتى الوسائل أن طاقة النصح من الممكن استيعابها والتعامل معها بإيجابية.

افتقاد المشاعر الأخلاقية من الممكن أن تبدد متعة الاستمتاع بالصعود الاجتماعي أو الوظيفى، غالبا ما يلجأ المتطلعون للترقى إلى استخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول للمنصب دون النظر لبناء قاعدة شعبية من المحبين والداعمين الحقيقيين، فلا طعم لمنصب وأنت تحصد طوابير من الكارهين والناقمين من حولك.

يقول آلان دو بوتون في كتابه قلق السعي للمكانة "إن الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطًا بما نراكمه من سلع مادية أو ما نحوزه من سلطة بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقاه نتيجة المكانة العالية".

الغطرسة أيضا يمكنها أن تهدم كل ما بنيته، فقد شبه علماء النفس الأنا بالبالون المنتفخ بالرغم ما توحى به من امتلاء وثقة إلا أن هذا البالون من السهل أن يتعرض للانفجار أو الثقوب نتيجة الغطرسة المبنية على إحساسنا بالتميز،" يقتصر اهتمام المتغطرسين على الصيت والمُنجَز، فقد يعيدون فجأة ترتيب قائمة أقرب الأصدقاء إليهم، بناء على تبدّل الظروف الخارجية لحلقة معارفهم، ما يتسم بطابع تختلط فيه المأساة بالملهاة".

ـ "كله رايح".. الحفاظ على مكاسبك هو الاختبار الحقيقى
في النهاية يقول لك آلان دو بوتون ببساطة " اهدأ كله رايح" حيث لا يمكنك الاحتفاظ بمكانة مرموقة مدى الحياة، فكما يقول المثل السائد أن الوصول للقمة صعب لكن الاحتفاظ بالقمة أصعب، هذا على المستوى العملى واقعي بشكل كبير، لذا ينبغي الاعتراف أن القمة يمكن أن تزول نتيجة الحالة الاقتصادية المتغيرة أو المكائد أو الضغائن، لا توجد ديمومة في الحياة، ولكن يبقى الرهان على الاستمرار لأكبر وقت بقدرة الشخص على الحفاظ على مكاسبه، وهو الأمر الذى لن يتحقق دون توفر المؤهلات الازمة لشغل تلك المكانة من الأساس.