رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» داخل «قصر البارون» قبل افتتاحه نوفمبر المقبل

جريدة الدستور

إزالة طبقات الاتساخ من على الجدران أظهرت اللون الأصلى الذى أثار الجدل على «السوشيال ميديا»
تدعيم الأسقف وتشطيب الواجهات والعناصر الزخرفية.. واستكمال النواقص من الأبواب والنوافذ
تنظيف الأعمدة الرخامية واللوحة الجدارية والتمثال الرخامى وتزويده بشبكة كهرباء حديثة
إعادة تشغيل الدفايات وتركيب نظام مراقبة حديث مزود بكاميرات فى الداخل والخارج
رفع كفاءة الحديقة الخارجية وتغيير الأسوار القديمة بالكامل


يتواصل العمل على قدم وساق لترميم قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة، استعدادًا لافتتاحه أمام الزائرين فى نوفمبر المقبل، بعد الانتهاء من أعمال تجديده وتطويره، وتحويله إلى «معرض مفتوح» يحكى تاريخ حى مصر الجديدة وفكرة تأسيسه، وفق مسئولى وزارة الآثار. وتشمل أعمال تطوير القصر الجارية حاليًا التماثيل والمنحوتات والأعمدة الرخامية واللوحات الجدارية فى الداخل، فضلًا عن مبناه الخارجى، لكن خلال الأيام القليلة الماضية، أثير على مواقع التواصل الاجتماعى أن واجهة القصر تم طلاؤها بلون يختلف عن لونه الأثرى الحقيقى، وهو ما سارعت «الآثار» بنفيه، مؤكدة أن «عملية الترميم تمت وفقًا للأسس العلمية المعتمدة». فى السطور التالية، تبحث «الدستور» عن حقيقة ما جرى، وآخر تطورات عملية الترميم، قبل نحو شهرين من افتتاح المبنى التاريخى.


تكلفة الترميم تتخطى 100 مليون جنيه.. والتنفيذ اعتمد على الوثائق التاريخية لبنائه فى بنك مصر


انتهى بناء قصر البارون فى عام ١٩١١ من طابقين وبتصميم مستوحى من العمارة الهندية، لكن بعد وفاة صاحبه البارون «إدوارد إمبان» ونقل ملكيته للورثة، ظل القصر مهملًا لمدة ٩٠ عامًا.
فى عام ١٩٩٣، قررت الدولة المصرية اعتبار القصر «أثرًا إسلاميًا» بقرار من مجلس الوزراء، مشددة على أنه «لا يجوز لملاكه التصرّف فيه دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للآثار»، وهى الخطوة التى تلاها شراء المهندس محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، القصر من الورثة مقابل ٢١ مليون يورو، دفعت فى صورة قطعة أرض بديلة بالقاهرة الجديدة، ليقيموا عليها مشروعات استثمارية.
هنا اندلع خلاف حول القصر بين وزارتى «الثقافة» و«الإسكان»، استمر بدون أى حسم حتى نهاية عام ٢٠١٦، حين أخرج وزير الآثار ملف القصر لدراسته، وبدأ فى عقد اجتماعات مع أعضاء مجلس النواب لتنفيذ مشروع عاجل لـ«درء الخطورة» عن القصر، فى ظل حالته الإنشائية والمعمارية السيئة.
وجاء اجتماع «الآثار» مع أعضاء البرلمان لتدبير ميزانية تنفيذ مشروع «درء الخطورة»، نظرًا لقلة الموارد المالية الخاصة بالوزارة آنذاك؛ نتيجة تراجع السياحة الوافدة لمصر فى السنوات التى تلت ٢٠١١.
وبالفعل، تمت الموافقة على المشروع، وأصدر بعدها المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء السابق، قرارًا بتشكيل لجنة وزارية تعمل على تذليل العقبات وتوفير التمويل الكافى، ثم تبع ذلك تخصيص مليار و٢٧٠ مليون جنيه كبند غير ثابت من الموازنة العامة للدولة لإنجاز أهم ٨ مشروعات عالقة بسبب عدم وجود دعم مالى، من ضمنها ترميم قصر البارون، الذى خصصت له من هذا المبلغ ٦٠ مليون جنيه، بالإضافة إلى ٨٥ مليون جنيه مخصصة من وزارة السياحة.
وبدأت شركة «المقاولون العرب»، المكلفة من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وبالتعاون مع وزارة الآثار، فى أعمال تطوير وترميم قصر البارون، فى يوليو ٢٠١٧، وكان الهدف الرئيسى عند البدء فى المشروع هو إعادة القصر للشكل نفسه وقت بنائه، عبر إعادة كل التصميمات والألوان والزخارف لشكلها الأصلى، مع رفع كفاءة القصر بالكامل.
وللتأكد من إتمام المشروع بشكل سليم، تمت الاستعانة بكل وثائق القصر المحفوظة فى خزينة خاصة ببنك مصر، وتحتوى على عقود الملكية وتصميمات القسم المفصلة لكل جزء فيه، بداية من بوابات الدخول والأسوار وصولًا لكل تصميم وشكل زخرفى يحيط بالقصر، وهو ما سهل على منفذى المشروع من مهندسين ومرممين إعادة تأهيل القصر، مع الحفاظ على طرازه المعمارى الفريد وعناصره الأثرية.
وانطلق العمل بأعمال الرصد والرفع المساحى وتحديد الحالة الإنشائية للقصر، وحجم وعدد الشروخ وحالة التربة والأساسات، بالإضافة لأعمال التوثيق الفوتوغرافى والجس والحفر الكشفى، التى أشارت إلى استقرار المبنى إنشائيًا، كما تم إعداد ملف توثيق متكامل لكل العناصر الأثرية والواجهات والمساقط الأفقية للقصر باستخدام المسح ثلاثى الأبعاد ومحطات الرصد المتكاملة.
ثم بدأت أعمال التدعيم الإنشائى لأسقف البدروم وجميع أسقف القصر، بالإضافة إلى تشطيب الواجهات والعناصر الزخرفية الموجودة به، واستكمال النواقص من الأبواب والنوافذ، ونزع جميع الأسقف والكرانيش الجصية، والانتهاء من ترميم الأعمدة الرخامية والأبواب الخشبية والنوافذ المعدنية، وترميم النوافذ الحديدية المزخرفة على الواجهات الرئيسية، واللوحة الجدارية أعلى المدخل الرئيسى والتمثال الرخامى بالموقع العام.



تحويله إلى معرض مفتوح يحكى تاريخ مصر الجديدة.. وأنشطة ثقافية فى «البدروم»


قال وزير الآثار إن قصر البارون سيكون جاهزًا لاسقبال زواره فى نوفمبر المقبل، لأول مرة بعد إغلاقه عشرات السنين، وذلك بعد انتهاء مشروع تجديده وترميمه الشامل، ليصبح بمثابة «معرض مفتوح» يروى تاريخ حى مصر الجديدة.
وأوضح: «القصر سيحكى تاريخ منطقة مصر الجديدة، بداية من مدينة أون التى تعود للعصور الفرعونية، مرورًا بتأسيس الحى بمسماه الحالى عن طريق البارون إدوارد إمبان، ولماذا قرر أن ينشئ هذا الحى؟، ولماذا اختار تلك البقعة تحديدًا؟، بالإضافة إلى تسليط الضوء على شخصيات مصرية وطنية لعبت دورًا مهمًا فى إنشاء المنطقة».
وعن أعمال ترميم القصر، قال: «عقدنا العديد من الاجتماعات للاتفاق على الدور الذى سيلعبه القصر بعد الانتهاء من تجديده، وكيفية تحويله إلى متنزه اجتماعى ثقافى يجذب الجميع له وليس فقط مزارًا أثريًا سياحيًا، وذلك عن طريق توفير مراكز خدمات ومطاعم وكافتيريات، للتأكد من عدم إغلاقه مرة أخرى».
وأشار إلى أن هذه الاجتماعات كانت مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والشركة المنفذة لمشروع التطوير، وسفارة بلجيكا فى القاهرة، وشركة مصر الجديدة، وأعضاء مجلس النواب الممثلين للمنطقة، ومنظمات المجتمع المدنى، من أبرزها جمعيتا «أصدقاء مصر الجديدة» و«مصر الجديدة للتراث».
وأضاف: «نتجت عن هذه الاجتماعات الفكرة الحالية الخاصة بتحويل القصر لمنارة ثقافية وتراثية، ليضم مجموعة متنوعة من الصور والوثائق الأرشيفية والرسومات الإيضاحية والخرائط والمخاطبات الخاصة بتاريخ حى مصر الجديدة عبر العصور المختلفة، وأهم معالمها التراثية، بجانب مجموعة متنوعة من الصور والخرائط والوثائق والأفلام، التى تحكى تاريخ مصر الجديدة ومظاهر ونمط الحياة فى تلك الفترة الزمنية المميزة، بالإضافة لتاريخ المنطقة فى الفترة الفرعونية».
وقالت نيفين نزار، معاون وزير الآثار لشئون العرض المتحفى، إن أعمال الترميم التى تتم الآن فى القصر تهدف بشكل أساسى لإعادته لشكله الأصلى وقت إنشائه، اعتمادًا على الخبراء والمتخصصين، إلى جانب تنفيذ فكرة إقامة معرض داخل حجرات القصر، وتناول موضوعات مختلفة داخل كل حجرة، على أن ترتبط كل تلك الموضوعات بالقصر وتاريخه وتاريخى المنطقة الجديد والقديم.
وأضافت: «سيشعر الزائر، بمجرد دخوله حديقة القصر، بأنه عاد ١٠٠ عام للخلف، حيث سيجد أمامه فى الحديقة عربات تروماى مصر الجديدة وهى من أهم معالم مصر الجديدة، وسيتم تجهيز تلك العربات بشاشات عرض لتشغيل أفلام وثائقية تتناول قصة القصر والمنطقة باللغتين العربية والإنجليزية».
وواصلت: «بعد دخول القصر سنجد ٨ قاعات عرض لسرد تاريخ مصر الجديدة فى القرن العشرين وكيف تحولت من صحراء إلى مدينة عمرانية متكاملة، بالإضافة لمظاهر التطوير المعمارى العمرانى الذى قدمه مؤسس مصر الجديدة اللورد إدوارد إمبان، وسيتم تناول تلك الموضوعات باستخدام المالتى ميديا والهولوجرام والجرافيك، بالإضافة لعرض بعض الوثائق التى أمدتنا بها شركة مصر الجديدة، وهى نسخ أصلية تخص القصر».
«أما الطابق الثانى فيأخذنا إلى عمق التاريخ بشكل أكبر، حيث استعادة تاريخ المنطقة منذ العصر الفرعونى، ثم الفترة القبطية وخروج العائلة المقدسة مع الاستعانة بصور توضح وجود العائلة بجانب المنطقة، وتحديدًا فى المطرية، كما سيتم تخصيص قاعة لعرض الثقافات التى استمد منها مصمم القصر الطرز المعمارية والتماثيل البارزة الموجودة بالواجهة، وفق معاون وزير الآثار».
وكشفت عن أن المشروع ستتبعه مرحلة ثانية لتجديد البدروم الخاص بالقصر واستغلال مساحته فى إقامة الأنشطة الثقافية والتعليمية بالإضافة للبرامج المجتمعية التى تخاطب الأطفال والكبار.



إنجاز 85% من الأعمال تحت إشراف أساتذة متخصصين.. واستخدام الطلاء «شائعة»


قال العميد مهندس هشام سمير، مساعد وزير الاثار للشئون الهندسية والمشرف العام على تطوير القاهرة التاريخية، إن مشروع ترميم قصر البارون ودرء الخطورة عنه بدأ فى عام ٢٠١٧، وفقًا للبروتوكول الموقع بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارة الآثار لإنشاء وترميم عدد من المواقع الأثرية.
ويشمل المشروع، وفق «سمير»، الترميم الدقيق للقصر بشكل كامل من الداخل والخارج بأيدى المرممين الأثريين وتحت إشراف أساتذة الآثار فى مختلف الجامعات المصرية، فضلًا عن تدعيمه إنشائيًا فى ظل معاناة بعض أسقفه من تآكل فى حديد التسليح الخاص بها ما يهدد بانهياره فى أى وقت، وهو ما تم علاجه بالكامل عن طريق نزع الأسقف المتضررة واستبدال القطع المعدنية بها بأخرى جديدة، ما تسبب فى رفع تكلفة المشروع.
وأضاف: «كما تم تزويد القصر بشبكة كهرباء حديثة، مع الحفاظ على الطابع الأثرى والمواسير الأثرية، بجانب ترميم وإعادة تشغيل دفايات كانت موجودة فى القصر، بجانب تركيب نظام مراقبة حديث مزود بكاميرات داخل وخارج القصر، بالإضافة لتأمين الأفراد من أمن وزارة الآثار أو شرطة السياحة والآثار، فضلًا عن رفع كفاءة الحديقة الخارجية، وتغيير الأسوار القديمة بالكامل واستبدالها بأخرى مماثلة للأسوار الأصلية والتاريخية للقصر طبقًا للموجودة فى الوثائق الخاصة بالبارون إمبان».
وواصل: «بالنسبة لواجهة القصر تم ترميمها ترميمًا دقيقًا، ما أدى إلى ظهور اللون الذى ذكر فى الوثائق الخاصة بالقصر، التى تركها مصممه المهندس ألكساندر مارسيل»، مشددًا على عدم استخدام دهانات من أى نوع، وأن ما تم فقط هو إزالة طبقات الاتساخ المتراكمة على الجدران الخارجية للقصر والأشكال البارزة المحيطة به بأحدث الوسائل العلمية، وهنا ظهر اللون الأصلى بدون أى تدخل.
وتابع: «بالنسبة للأماكن المتضررة تمامًا فى الواجهة، أجرينا اختبارات وتحاليل للمواد المستخدمة فى المحارة والدهان، لاستخدام النوعية الأصلية نفسها عند الترميم».
واختتم: «تم إنجاز ٨٥٪ من المشروع، ومن المقرر افتتاحه فى نوفمبر المقبل»، موضحًا أن الـ١٥٪ المتبقية تتمثل فى استكمال تنسيق الموقع العام لحديقة القصر، وترميم الأسوار الأثرية واستنساخها بدلًا من الأسوار التى تم تركيبها فى عام ٢٠٠٦ وكانت بعيدة تمامًا عن التصميم الأصلى للسور، بالإضافة لاستكمال بعض أعمال الترميم الدقيق الموجودة داخل القصر.