رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النشر.. النشل.. والوزارة الغائبة



النشال الذى سرق أموالك، سيفلت بجريمته لو أوكلت القضية إلى محامٍ غشيم، أو متواطئ، ترك أصل الجريمة واتهمه، مثلًا، بترويج عملة مزيفة. لأن النشال لو أثبت أن هذه الأموال ليست كذلك سيتم حفظ القضية، أو ستقوم النيابة بإخلاء سبيله بضمان محل إقامته، وسيظل طليقًا حتى يحصل، غالبًا، على حكم بالبراءة!.
نشل، ينشل، نشلًا، فهو ناشل، ويوصف كثير النشل بالنَّشَّال. وكنا سنبدأ من حيث انتهينا أمس، لكن هذه البداية، فرضها بيان، مقلق، أصدره اتحاد الناشرين المصريين، قال فيه إن الناشل أو الناشر، الذى توقفنا عند بعض جرائمه، مثُل أمام مباحث المصنفات الفنية بوزارة الداخلية، و«قدم الكتب المطلوبة الخاصة بالقضية وكافة المستندات»، ثم أحيل إلى النيابة العامة التى قامت بالتحقيق وأخلت سبيله من سراى النيابة، بضمان محل إقامته. و«حيث إنه فى حالة تحويل الأمر إلى القضاء تُغلّ يد الاتحاد عن بحث الأمر احترامًا للقضاء ولحين صدور حكم فى القضية».
الناشر المشار إليه، أصدر أكثر من تسعين كتابًا، يمكنك بسهولة اكتشاف أن غالبيتها منسوبة إلى غير مؤلفيها أو مترجميها. وكانت زميلتنا وصديقتنا قصواء الخلالى قد قادتنا، فى برنامجها على قناة «TeN»، إلى ما جعلنا أمام «دار نشل»، لا دار نشر. ورجحنا أن تكون قد استغلت تواطؤ، تكاسل، وزارة الثقافة، أو جهلها بطبيعة دورها، الذى ألزمها به القانون. وانتهينا، فى مقال أمس، إلى أن القانون رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ الخاص بحقوق الملكية الفكرية يتيح للوزارة منع ارتكاب تلك الجرائم وردع مرتكبيها. وأشرنا أيضًا إلى المادة ١٦٣ من القانون المدنى.
بلا سقف، تتيح المادة ١٦٣ من القانون المدنى للمؤلف الحصول على تعويض يتناسب مع الضرر الواقع عليه من انتهاك حقوقه الأدبية. وهذا ما ينبغى أن تقوم به وزارة الثقافة، التى ألزمتها المادة ١٤٦ من قانون حقوق الملكية الفكرية بأن تباشر الحقوق الأدبية للمؤلف، فى حالة عدم وجود وارث. كما ألزمتها اللائحة التنفيذية للقانون بأن تتخذ الإجراءات اللازمة لمباشرة تلك الحقوق على النحو الذى يكفل الحفاظ على الكتاب وعلى سمعة المؤلف. أما العقوبات التى نصت عليها المادة ١٨١ من هذا القانون، فهى الحبس مدة لا تقل عن شهر والغرامة التى لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
العقوبات تتعدد بتعدد المصنفات (الكتب) محل الجريمة. وفى حالة العود (أى تكرار الجريمة) تكون العقوبة هى الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر والغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه. وفى جميع الأحوال تقضى المحكمة بمصادرة النسخ محل الجريمة والمبالغ أو الأشياء المتحصلة منها وكذلك المعدات والأدوات المستخدمة فى ارتكابها. ويجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة أن تقضى بغلق المنشأة التى استغلها المحكوم عليه فى ارتكاب الجريمة مدة لا تزيد على ستة أشهر. ويكون الغلق وجوبيًا فى حالة العود. كما تقضى المحكمة بنشر ملخص الحكم الصادر بالإدانة فى جريدة يومية أو أكثر على نفقة المحكوم عليه.
لو عدت إلى تلك المادة، ستجدها تشترط فى بدايتها «عدم الإخلال بأية عقوبة أشد فى قانون آخر». وعليه، نكتفى بهذا القدر، تاركين الكرة فى ملعب وزارة الثقافة، التى ستجد لدى شئونها القانونية «واحد بيفهم»، على الأقل، يستطيع أن يجد فى قانون العقوبات وفى الأوراق التى تقدم بها الناشل، أو لم يتقدم بها، إلى إدارة حقوق المؤلف، التابعة للوزارة، ما يرد حقوق المؤلفين والمترجمين المسلوبة، التى قد تضيع، ويضيع معها تاريخنا وتراثنا، لو ظلت الوزارة غائبة، وتركت الأمر إلى غير أهله، أو إلى محامٍ غشيم، كذلك الذى كتب بيان اتحاد الناشرين.
اتحاد الناشرين تفاخر فى بيانه بأنه خلال ولايته الحالية قام بأكبر حملات لمكافحة التزوير والقرصنة. وأنه بالتعاون مع مباحث المصنفات الفنية، قام بمصادرة أكثر من ٢٥٠ ألف كتاب، وبضبط أكثر من ٨٠٠ قضية تزوير. كما أشار إلى قيامه بتعديل النظام الأساسى، وتضمن مشروعه طلب تغليظ عقوبة التزوير لتكون رادعة وسيتم العرض على البرلمان قريبًا. وأهاب بكل المعنيين العمل بكل ما لديهم لمكافحة هذه الظاهرة حفاظًا على حقوق الناشرين المشروعة.
ما يقلق فى هذا الكلام، هو ذلك الخلط، بين السطو على الحقوق الأدبية للمؤلف، وجريمة التزوير أو انتهاك الحقوق المادية، مع أن الجريمتين مختلفتان وغير متكافئتين، ومع أن تكييف الجريمة الأولى لن يختلف، سواء كانت المؤلفات أو الترجمات أصلية أم مزورة أم مقرصنة. بالضبط، كما لن يختلف تكييف جريمة النشال، سارق أموالك، لو أثبت أن تلك الأموال ليست مزيفة.