رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناتو العربى.. حمل كاذب



قيل إنه «وُلِد ميتًا» بضم الواو وكسر اللام، لكون الفعل «مبنيًا للمجهول»، مع أن الأم (الوالدة) معلومة. غير أن عدم وجود أى أثر لجثة المولود، أثبت صحة تشخيص الأطباء، الذين أكدوا منذ البداية، أن الحمل كاذب. ولو كنت زبونًا دائمًا، أو قارئًا منتظمًا لهذا العمود، أو لو عدت إلى مقالات سابقة، ستكتشف أننا استنتجنا التشخيص نفسه.
أربعة أيام فصلت بين استضافة العاصمة السعودية الرياض، يوم الأحد قبل الماضى (٧ أبريل) لاجتماع لم تحضره مصر، وقيام وكالة «رويترز»، الخميس الماضى (١١ أبريل)، بنشر تقرير نقلت فيه عن أربعة مصادر مجهولة أن مصر انسحبت من الجهود الأمريكية لتشكيل «الناتو العربى». ورأت الوكالة أن ذلك «يمثل ضربة لمساعى إدارة الرئيس دونالد ترامب لاحتواء نفوذ إيران». وكان أبرز ما تضمنه التقرير هو أن الوكالة لم تتلق ردًا، على طلبات بالتعليق من السفارة المصرية فى واشنطن، أو من البيت الأبيض. وكذا كان أبرز ما استتبع نشر التقرير، هو عدم ظهور أى رد، أو تعليق، رسمى، مصرى، أمريكى أو سعودى، على ما جاء فيه. بينما سهر الخلق واختصموا، وقام بعضهم بجهود مضنية لمحاولة توليد النملة، والخروج مما نسبته «رويترز» إلى مصادر مجهولة باستنتاجات عبثية!.
حمل كاذب استمر ٤ سنوات، بدأ بالإعلان عن تشكيل تحالف إسلامى لمكافحة الإرهاب له اسم كامل واسمان مختصران: «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى».. «ميسا».. أو «الناتو العربى»، بزعم أنه سيكون نسخة عربية من «الناتو» أو حلف شمال الأطلسى. وقتها، قلنا إن احتمالات تشكيل هذا التحالف تقترب من الصفر. وكررنا ذلك أول أكتوبر الماضى حين تجدد الحديث عن ذلك الكيان، مع إعلان تيم لاندركينج، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الخليج العربى، أن بلاده تخطط لعقد قمة فى يناير (الماضى) لتدشين هذا التحالف الجديد الذى قيل إنه يضم ثمانى دول عربية «مصر، الإمارات، السعودية، الأردن، الكويت، عمان، البحرين، وقطر»، والولايات المتحدة الأمريكية.
تكون مخطئًا لو اعتقدت أن إقحام الولايات المتحدة لاسم «قطر»، هو العقبة الوحيدة التى تواجه قيام ذلك التحالف، فى ظل مقاطعة ٤ دول لها (مصر، السعودية، الإمارات، والبحرين)، بسبب دعمها للإرهاب. تكون مخطئًا لو اعتقدت ذلك، وتجاهلت عقبات أخرى، عديدة، أبرزها أن «عمان»، لا يمكن أن تتخلى عن حيادها السلبى فى كل قضايا المنطقة، وتحديدًا ما يتعلق منها بـ«إيران»، بالإضافة إلى وجود تضارب فى المصالح بين غالبية الدول أعضاء التحالف المزعوم من جهة، وبين غالبيتهم والولايات المتحدة، من الجهة الأخرى.
المهم، هو أن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الخليج العربى، قال وقتها (فى أكتوبر الماضى) إنه قضى فى المنطقة ثلاثة أسابيع، تمهيدًا وتحضيرًا لتلك القمة. وما أعطى لهذا الكلام قدرًا من الجدية قيام مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بداية العام الجارى، بجولة شملت عددًا من الدول الأعضاء فى التحالف، وقيل إنه سعى إلى التقريب بينها. بالتزامن مع دعوة الولايات المتحدة إلى عقد مؤتمر يهدف إلى بحث ملفات المنطقة، والترويج لمستقبل يعمه السلام والأمن فى الشرق الأوسط، ووضع أسس تكوين التحالف.
ربما حدث ما حال دون انعقاد ذلك المؤتمر، وربما كان المقصود هو ذلك الذى استضافته العاصمة البولندية وارسو، فى ١٣ فبراير الماضى. لكن المؤكد هو أن اجتماعًا انعقد الأحد قبل الماضى فى الرياض، لم تحضره مصر، لإعطاء دفعة للجهود التى تقودها الولايات المتحدة لجمع الحلفاء العرب السنة للتصدى لإيران. وتكاد تكون تلك هى المعلومة الوحيدة فى تقرير «رويترز»، الذى نسبت فيه إلى أحد مصادرها المجهولة، أن مصر أبلغت قرار انسحابها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف، قبل اجتماع الرياض. كما نسبت الوكالة إلى مصدر مجهول آخر، أن ما دفع مصر إلى الانسحاب هو تشككها فى جدية المبادرة، والغموض المحيط بما إذا كان الرئيس ترامب سيفوز بولاية ثانية العام القادم، واحتمال أن يتخلى من يخلفه عن المبادرة.
كلام فارغ طبعًا، لأن التحالف لم يكن غير حمل كاذب، أو محاولة أمريكية لاستنزاف ثروات دول الخليج، التى لم يتوقف الرئيس الأمريكى عن ابتزازها، وعن مطالبتها بمنتهى الصراحة أو الوقاحة، بأن تدفع مقابل ما يصفه بالحماية الأمريكية. وعليه، كان طبيعيًا أن ترفض مصر المشاركة فى لعبة كهذه، وألا تلتفت إلى أى ضغوط أو تنظر إلى أى مكاسب محتملة تلقت وعودًا بها. بالضبط، كما سبق أن رفضت صفقات ومساومات عديدة منذ أن صار القرار المصرى يخرج من القاهرة، من القاهرة وحدها، وليس من أى عاصمة أخرى.