رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريوهات تشكيل «حكومة وحدة» فى إسرائيل بعد انتخابات أبريل

جريدة الدستور

بعد أقل من شهر واحد، وتحديدًا يوم ٩ أبريل المقبل، تُجرى الانتخابات الإسرائيلية، وسط علاقات متشابكة بين المتنافسين فيها، بدءًا من رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو وتحالفه اليمينى بقيادة حزبه «الليكود»، وصولًا إلى خصمه الأقوى بينى جانتس رئيس الأركان الأسبق، بتحالفه «أزرق أبيض»، بالإضافة إلى مجموعة من الأحزاب الصغيرة المتأرجحة بين المعسكرين.
وبعيدًا عن سيناريوهات المنافسة بين هذه الجبهات، تظهر أزمة تتمثل فى عدم قدرة أى من التحالفين على تشكيل الحكومة المقبلة، فى ظل توقعات بعدم تحقيق أى منهما الأغلبية المطلوبة فى «الكنيست»، الأمر الذى يدفع فى اتجاه تحالفات غير متوقعة لتفادى تلك الأزمة.
فى السطور التالية، نرصد أبرز السيناريوهات المتوقعة للتحالفات التى سيتم تشكيلها لتكوين الحكومة حال سير الانتخابات إلى محطة «لم ينجح أحد».
تحالف نتنياهو وجانتس «مستحيل».. والأقرب انشقاق فى «الليكود» للتعاون مع منافسيه
تشير نتائج استطلاعات الرأى إلى تقارب عدد المقاعد التى يمكن أن يحصل عليها الفريقان المتنافسان، ما يمكن أن يشكل أزمة حقيقية فى قدرة أى منهما على تشكيل الحكومة المقبلة.
ويرى محللون أنه فى حال عدم تمكن تحالف اليمين بقيادة «نتنياهو» وحزبه «الليكود»، أو منافسه ائتلاف «أزرق أبيض» برئاسة «جانتس»، من حسم الأغلبية لصالحه بشكل مريح يمكنه من تشكيل الحكومة- فإن المستقبل قد يحمل مفاجأة من العيار الثقيل، تتمثل فى اضطرار المعسكرين إلى التحالف معًا فى إطار حكومة وحدة وطنية.
ويذكر هذا السيناريو بما حدث فى ثمانينيات القرن الماضى، عندما اضطر إسحاق شامير وشيمون بيريز إلى التحالف من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، تجمع بين زعيمى اليمين واليسار، لتجاوز أزمة فشل التكتلين فى تشكيل ائتلاف حكومى مناسب.
ووفقًا للمتابعين، فإن المشهد الحالى يشكل وضعًا أكثر صعوبة من سيناريو الثمانينيات، فوفقًا للقانون الإسرائيلى، فإن الرئيس الإسرائيلى رءوفين ريفلين، سيكون مضطرًا بعد ٧ أيّام من نتيجة الانتخابات إلى تكليف أحد أعضاء الكنيست بتشكيل الحكومة الجديدة، مع منحه فترة ٢٨ يومًا لتشكيل حكومته، مع إمكانية مدها لـ١٤ يومًا إضافية.
كما ينص القانون على أنه فى حال فشل رئيس الحكومة المكلف فى تنفيذ مهمته خلال هذه المهلة، يكون على رئيس الدولة أن يكلف عضوًا آخر بنفس المهمة، وفى حال فشل المرشح الثانى فى ذلك، فإن أعضاء الكنيست يحق لهم تكليف مرشح ثالث بتشكيل الحكومة، ثم الذهاب «حال فشله» لانتخابات جديدة خلال ٩٠ يومًا.
ويعنى ذلك عمليًا أن فشل الائتلافين المتنافسين فى الانتخابات الجارية فى التوصل لتشكيلة حكومية سيمكن «نتنياهو» من تسيير الأعمال فى إسرائيل لمدة ٧ أشهر، دون أن يستطيع التقدم باستقالته أو استبدال أى من أعضاء حكومته، حسب القانون.
ويزيد من تعقد الأزمة ما تواجهه إسرائيل حاليًا من احتمال خروج عدد كبير من الأحزاب من الكنيست، من بينها «شاس» الأصولى، و«كلنا» و«إسرائيل بيتنا» اليمينيان و«ميرتس» اليسارى «والجسر» الوسطى و«التحالف العربى»، نتيجة عدم قدرتها على تجاوز نسبة «الحسم الانتخابى»، التى يجب أن يتجاوزها كل حزب من أجل الحفاظ على مكاسبه فى الانتخابات، ما يعنى إعادة توزيع أصواتها على التكتلات الأخرى.
ورأى بن كسبيت فى مقاله بموقع «المونيتور» الإخبارى، أن ائتلاف «أزرق أبيض» سيواجه صعوبات أكبر من نظيره حال فوزه فى الانتخابات، لكونه قد يضطر إلى تشكيل حكومته بمشاركة عناصر من اليمين، الذين قد يرفضون الدخول فى حكومة تضم يساريين، أو مشاركة أصوليين ممن سيرفضون الائتلاف مع الأحزاب العربية.
وأشار إلى أن ما يزيد موقف الائتلاف صعوبة يكمن فيما سبق أن أعلنه عدد من قادته حول رفضهم الانضمام إلى أى حكومة قد يشارك فيها «نتنياهو»، فى ظل تهم الفساد الموجهة إليه من القضاء.
وكشف عن أن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية قد يكون الحل، وإن كان يحظى بفرص قليلة فى الحدوث عبر ٣ سيناريوهات رئيسية، يتمثل أولها فى موافقة كل من «نتنياهو» و«جانتس» على التحالف معا لتجاوز الأزمة، وهو أمر لا يزال مستبعدًا فى ظل تقديم الأخير لنفسه باعتباره المرشح الرافض من الأساس سياسات رئيس الوزراء.
أما السيناريو الثانى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فيتمثل فى استبعاد «نتنياهو» نفسه من اللعبة، ودفع حزبه «الليكود» للتخلى عنه من أجل تكوين ائتلاف حاكم مع تحالف «أزرق أبيض»، وهو ما رحب به يائير لابيد، أحد قادة التحالف مؤخرًا.
ويصطدم هذا السيناريو بسيطرة «نتيناهو» على الحزب وقادته، وإن كان يحظى أيضا بأنصار داخل «الليكود»، على رأسهم جدعون ساعر، صاحب الشعبية الكبيرة والمنافس الذى يتحدث «نتنياهو» دائمًا عن رغبته فى الإطاحة به، وسبق له فى الانتخابات الماضية اتهامه بالتآمر من إجل إقصائه من تشكيل الحكومة.
فيما يتطلب تنفيذ السيناريو الثالث لتدشين الحكومة انشقاق أحد أحزاب اليمين عن ائتلاف «الليكود»، وانضمامه لتحالف «أزرق أبيض» الجامع بين أحزاب الوسط واليسار، ما يساعده على الوصول لأغلبية مريحة، تتيح له تشكيل الحكومة وإقصاء نتنياهو.
ويعد هذا السيناريو، وفقًا للكاتب، هو الأكثر ترجيحًا، فى ظل ما يقوم بينى جانتس، قائد تحالف «أزرق أبيض» حاليًا من مفاوضات مع قادة أحزاب «إسرائيل بيتنا»، و«كلنا» وعدد من الأحزاب اليمينية الأخرى، تتضمن منحهم وزارات فى حكومته المستقبلية، مقابل فض تحالفهم مع نتنياهو.
ورغم فرصة هذا السيناريو على الأرض، فإنه يصطدم بكون هذه الأحزاب مهددة من الأساس بالحرمان من مقاعدها فى الكنيست، فى ظل التشكك فى قدرة أى منها منفردًا على تجاوز نسبة الحسم الانتخابى المطلوبة للدخول فى الائتلاف الحاكم.

رئيس وزراء الاحتلال يراهن على المتطرفين لسحق خصومه.. ويدعو لـ«معركة وجود»
فى مواجهة المد المتزايد لتحالف «أزرق أبيض»، أعلن «نتنياهو»، مؤخرًا أن الانتخابات المقبلة ستكون معركة وجود بين أبناء النور وأبناء الظلام، مدشنًا بذلك تحالف حزبه «الليكود» مع حزب «العظمة اليهودية» الأصولى، الذى أسسه أتباع الحاخام المتطرف مائير كهانا.
وأكد «نتنياهو» أن «الليكود» إذا فاز فى الانتخابات سيشكل حكومة يمينية تجمع بين الأحزاب العلمانية والمتطرفة، بالإضافة إلى «العظمة اليهودية» الأصولى، الذى أوصى تكتله اليمينى بالتحالف معه، من أجل الابتعاد عن السيناريو الأسوأ، الذى يتمثل فى خسارة الحكومة المقبلة.
واعتمادًا على «استراتيجية التخويف» التى اعتاد اتباعها فى دعايته الانتخابية السابقة، حاول «نتنياهو» حسم المعركة الانتخابية لصالحه مبكرًا خشية الدخول فى تعقيدات غير مطلوبة، وراهن فى حملته على المزاج الإسرائيلى، الذى يميل فى السنوات الأخيرة نحو اليمين، متهمًا خصومه بأنهم «يسار» وحلفاء للعرب.
وحسب تقارير عبرية، فإن «نتنياهو» استهدف بتصريحاته ومواقفه الأخيرة الناخبين المتدينين من سكان المستوطنات فى الضفة الغربية، الذين يمثلون تجمعات متماسكة، تزيد أعدادها على ٤٠٠ ألف نسمة، مصورًا المعركة الانتخابية بأنها منافسة بين «اليهود» جميعًا، و«العرب» وحلفائهم، لا منافسة بين اليمين واليسار.
وأشارت التقارير إلى أن حملة «الليكود» ركزت على أن خسارة الانتخابات أمام «أزرق أبيض» لن تؤدى فقط لتغيير الحكومة وإنما ستمثل انتصارًا للأعداء ومن يريدون السوء بإسرائيل، على حد تعبيره.
ووفقًا لذلك، دعا «نتيناهو» من سماهم «الوطنيين الحقيقيين» إلى عدم التوقف أمام الصغائر، أو النظر إلى اتهاماته فى قضايا الفساد والرشوة، فى ظل المؤامرة التى قد تؤدى لـ«موت الدولة اليهودية».
وشهدت الفترة الماضية قيام «نتنياهو» بعدة جولات انتخابية من أجل حشد أصوات اليمين وجماعات الأصوليين والمستوطنين، حتى إنه زار مقرًا تابعًا لأحد المعسكرات الدينية فى مستوطنات الضفة، ولخص معركته الانتخابية بأنها اختيار بين «زجاجتى ماء» إحداهما فارغة تمثل خصومه، والأخرى ممتلئة تمثله مع حزبه وتحالفه.
كما تعهد أمام عدد من المستوطنين المتدينين فى مستوطنة «نتيف هئفوت»، بعدم السماح بإخلاء أو تدمير أى مستوطنة حال فوزه فى هذه الانتخابات، من أجل ضمان أصواتهم، وطالبهم بدعم بقائه فى منصبه، حتى يستطيع أن يفى بوعده لهم.
وفى نفس الإطار، ركز نتنياهو فى دعايته على تصوير خصمه الجنرال «بينى جانتس» بأنه بديل غير كفء، بسبب افتقاده الخبرة السياسية والكفاءة المالية، مؤكدًا أنه يدعم الاتفاق النووى مع إيران، ويخطط لاقتلاع المستوطنات اليهودية من الضفة الغربية.

الفخر بقتل العرب سلاح الجبهتين لجذب الأصوات
يعرف «نتنياهو»، كيف ومتى يستثمر الكراهية الموجهة للعرب جيدًا، حيث يخرج قبيل كل انتخابات ليُطلق وابلًا من التصريحات العدائية باتجاه «عرب إسرائيل»، وفيما يبدو فإن منافسه «جانتس»، قد فهم أن هذا الهجوم قد يقلب الموازين لصالحه أيضًا.
ففى عام ٢٠١٥، وقبيل الانتخابات مباشرة، حذر «نتنياهو» مما اعتبره «تدفق العرب إلى صناديق الاقتراع»، وقالت الصحافة الإسرائيلية حينها إن هذا التصريح تسبب فى حسم المنافسة لصالحه وفوزه بالانتخابات.
أما هذه المرة، فقد استغل «نتنياهو»، تدوينة كتبتها الممثلة والمذيعة الإسرائيلية روتام سيلع، أبدت فيها تعاطفًا وتضامنًا مع عرب إسرائيل، وطالبت بمساواتهم الكاملة مع المواطنين، ليفتح النار عليها ويحاول جذب العديد من المصوتين.
وقال «نتنياهو» فى رده على «سيلع»: «إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها، وقانون القومية اليهودية، الذى وافقنا عليه، ينص على أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودى فقط، ولا توجد مشكلة مع مواطنى إسرائيل من العرب، هم متساوون فى الحقوق مثل الأقليات فى الدول».
وتسبب هذا الرد فى غضب عارم من اليسار الإسرائيلى تجاه «نتنياهو»، فيما التزم ائتلاف «أزرق أبيض» الصمت، ولم يعلن موقفه من تدوينة «سيلع» أو رد «نتنياهو» عليها، ويبدو أن الائتلاف الذى يترأسه ثلاثة من قادة الجيش السابقين، والذين سبق أن عملوا تحت إمرة رئيس وزراء الاحتلال، يتفقون معه فى الرأى.
أما المرشح الثانى فى الانتخابات الإسرائيلية، «جانتس»، فيعد أيضًا من أكثر الإسرائيليين عداءً للعرب، وسبق وتفاخر فى أول أفلامه الدعائية بأنه قتل من العرب أكثر ممن قتل «نتنياهو».