رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فندق الغرباء


كلفت إحدى المجلات، الكاتب البلجيكي ديمتري فيرهولست (1972م)، بكتابة مادة عن اللاجئين وطالبي اللجوء، وقامت "مؤسسة الأدب الفنلندي" بدعم المشروع ووفرت للكاتب معايشة في مخيم اللاجئين في مدينة آريندونك البلجيكية.

قضى فيرهولست عدّة أيام في مركز استقبال وإيواء اللاجئين، وبعد أن عاين وعايش اللاجئين من مختلف الجنسيات في المركز، أفارقة يبهرهم الصقيع في البداية ثم يحطمهم تماماً، وشيشانيون أقوياء يحلون مشاكلهم بالقتال والضرب، ولاتينيون يحلمون بحياة الرفاه والوفرة في أوروبا، وآسيوين ما بين باكستانيين متشددين دينياً أو هنود أذكياء.. كل واحد منهم يقضي أيامه في المركز يحصي الساعات منتظراً قراراً بقبوله كلاجئ أو برفضه وترحيله إلى بلاده أو إلى الحدود التي جاء منها. استغرق الأمر من البلجيكي سبعة شهور فقط، لينتهي من مخطوطه الأول ويرسله إلى مجلة "ديوس إكس ماكينا"، تحت عنوان Problemski Hotel، وترجمته العمانية ريم داوود إلى "فندق الغرباء" وصدرت الترجمة العربية عن دار "العربي للنشر والتويع"، رواية متطورة، بلا حبكة، حبكتها هي الوقت، الوقت المترهل في مركز الإيواء، وحكايات متشظية عن هذا وذاك، الهندي "شوكت" الذي رفض اندماج زوجته الشرقية في المجتمع الأوربي وضربها فحصلت على الإقامة وحصل هو على الرفض. أو اللاتينية "ليديا" التي تواقع "بايبول ماسلي" بطل الرواية وراويها (بضمير الـ أنا) المشارك في الأحداث.

تبدأ الرواية بمشهد لبايبول ماسلي المصور وهو يلتقط صورة لطفل إفريقي يحتضر من الجوع والمرض، يطلب منه المصور أن يتصرف عفوياً، مفارقة إنسانية دميمة. لاحقاً ينتقل بايبول إلى مبنى اللاجئين في بلجيكا، لا تعرض الرواية تفاصيل تحول هذا المصور إلى لاجئ، شذرات عارضة عن تعرض بلاده لموجات من العنف وتعرضه هو شخصياَ للاستهداف.

يسرد ماسلي حكايات طالبي اللجوء، يسردها كعدسة كاميرا، لكنها عدسة غير محايدة، عدسة خفيفة الدم، تسرد حكايات طريفة ومضحكة ومبكية، كوميديا سوداء وسخرية خفيفة تشبه المداعبة والتدليك لجسد يحتضر، مبنى المفارقات الذي يطوي في غرفه ومبانيه أحلام مئات الأشخاص من مختلف أصقاع العالم: ملاكم روسي يقضي ساعاته في التمرينات وتأمل السقف ومطالعة مجلات الصور العارية. ومحاولات دائمة من "مقصود" للحصول على الإقامة عبر مغازلة البلجيكيات لاصطياد واحدة تتزوجه وتنتشله من المركز وتحميه بجنسيتها التي ستمنحه إياها. وأخرى تحاول تسلق مجتمع اللاجئين والتقرب من المسئولين وجني الأموال فتعمل كعصفورة من جهة، ومن جهة أخرى تمارس الجنس بمقابل مادي أو بالمقايضة !

لم يصنع فيرهولست حبكة لنصه، ليتماهى مع الموضوع المتشظي، الفتات البشري المتناثر في مباني مركز آيندونك لاستقبال اللاجئين، البعض يُقبل والبعض يُرفض وآخرون يدخلون تحت عدسة الراوي بلا هدف سوى سرد قصة طريفة أو مفارقة إنسانية أو رسم بروفايل للاجئ، تتخلل السرد بعض العقد الكبيرة، مثل حمل إحدى اللاجئات القاصرات واختيارها أن تلد سراً وتقتل الوليد لكيلا يؤثر وجوده على فرصتها في الحصول على اللجوء. أو رغبة ليديا في الفرار إلى لندن عبر حاوية في بطن إحدى السفن، ورغبتها في اصطحاب بايبول، قصة حب سريعة وخاطفة تندلع وتخبو بينهما في السرير وتنتهي إلى لا شيء، لاحقاً تهرب ليديا بالفعل، ويبقى بايبول في المركز، ليروي الأحداث

وفي بناء دائري، تنتهي الرواية عند النقطة التي بدأت منها، عندما يأتي مصور هاو إلى المركز ويطلب من بايبول ماسلي أن يتصرف بعفوية ليتمكن من التقاط صورة له تثير تعاطف مشاهديها مع اللاجئين. مفارقة أخرى، في متتالية المفارقات، الرواية الخفيفة التي يمكن إكمالها في جلسة واحدة "فندق الغرباء.