رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مطالب حتمية لمواجهة الإرهاب



هل يمكن بناء الأمم عن طريق الصناعة والزراعة والتجارة وبناء البنية التحتية من طرق وشبكات للمياه والصرف الصحى والكهرباء فقط؟، هل يمكن الدفاع عن الأوطان ومواجهة الإرهاب الأسود الذى يضرب بلدنا ويضرب دول العالم من حولنا عن طريق المواجهة الأمنية فقط؟، هل يمكن مواجهة التحديات والمخاطر التى تزداد يوما بعد يوم قاصدة تفتيت وطننا العربى وفى القلب منه مصر عن طريق تأجيج الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية؟، هل يمكن مواجهة كل ذلك عن طريق الجيش والشرطة فقط؟.
إن حماية وبناء الأوطان لا يمكن أن تكتمل إلا ببناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية وتحقيق كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذا كانت مصر دولة شابة، ثلثا عدد سكانها من الشباب، فإننا نستطيع أن ننطلق للأمام وبأقصى سرعة معتمدين على الطاقات الشبابية المستنيرة عقلا والمدربة والمؤهلة فى كل المجالات الإنتاجية والثقافية والرياضية.
إن البيئة الحاضنة للإرهاب بيئة غابت عنها أشعة شمس الفنون والإبداع فامتلأت بالأفكار الظلامية والمتطرفة والمتشددة. إن الفنون بكل أشكالها سلاح فى مواجهة العنف والإرهاب، يلعب نفس الدور الذى يقوم به سلاح الجندى على الحدود وسلاح الشرطة فى الداخل لتوفير الأمن والأمان.
إن تربية النشء هى الأساس، والتى تبدأ منذ ولادة الطفل ودور الأسرة فى تربيته بغرس القيم والأخلاق والسلوكيات فى فترة ما قبل المدرسة، ويتم استكمال ذلك فى مراحل التعليم المختلفة. وإذا كانت الثقافة حقا لكل مواطن مثل حق الصحة والتعليم والسكن والعمل، فأين الميزانية التى توفرها الدولة للصرف على الأنشطة الثقافية؟، وهل تؤمن الدولة أن الثقافة حق وليست سلعة، وأن الثقافة مثلها مثل حق التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذى يقوم بعلاج جميع المواطنين من جميع الأمراض بمعنى أن وصول الخدمة الثقافية حق للجميع وأن إتاحة وصولها لكل الأماكن فى ربوع مصر واجب على الدولة؟. إن الاهتمام بوضع ميزانية مناسبة لنشر الثقافة والفنون والإبداع هو أولى الخطوات الجادة من قبل الدولة لنشر ثقافة التنوير.
الثقافة حق بموجب الدستور الذى أجمع عليه الشعب المصرى فى ٢٠١٤ بعد ثورتى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣. وسأحاول فى السطور التالية إبراز المواد الدستورية التى تؤكد هذا الحق الذى علينا أن نتمسك به، وواجب على الدولة تفعيله وتنفيذه.
فى المادة ١٩: «التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية».
وأتوقف هنا عند التعليم وبالذات فى مرحلة التعليم الأساسى، والاهتمام بما جاء فى هذه المادة من تنمية المواهب. هل نعيد إلى المدارس دورها فى تنمية المواهب فى مجالات المسرح والموسيقى والغناء والمسابقات الفنية والثقافية، والتى كانت تخلق فينا روح التفوق والتنافس. كيف يتم ذلك فى مدارس ليس بها أحواش لممارسة الألعاب والتربية الرياضية، وليس بها حجرات للموسيقى والغناء. وإذا وجدت لا توجد أدوات. وإذا وجدت الأدوات فالقائمون على التعليم لا يهتمون بتخصيص حصص أسبوعية لتنمية هذه المواهب. وإن فرض وتوافر كل ذلك فلا توجد ميزانية للصرف على هذه الأنشطة.
ويتبنى الدستور التزام الدولة ببناء كيان الإنسان الثقافى بدءًا من مرحلة الطفولة وحتى سن المعاش. فهل سيتم توفير الميزانية اللازمة للتنمية الثقافية فى الموازنة العامة للدولة؟، وهل سيتم وضع خطة ورؤية بين الوزارات المعنية لمشروع قومى للثقافة المصرية؟، وأعنى هنا وضع خطة تقوم بها عدة وزارات معا: الثقافة بكل هيئاتها وروافدها من الهيئة العامة لقصور الثقافة، والهيئة العامة للكتاب، والمكتبات العامة فى المدن والقرى، مع الهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالى والبحث العلمى، ووزارة الأوقاف مع القائمين على دار الأوبرا المصرية والبيت الفنى للمسرح والمسئولين عن جمع التراث، وكل الهيئات الإبداعية والفنية فى مجالات السينما والدراما. هل يمكن أن تدعم الدولة صناعة السينما والدراما؟، لأن ذلك يعد ضمانة حقيقية وأساسية لتقديم مضمون يتناول قضايا تهم الشعب المصرى والأسر المصرية وتحافظ على قيم المجتمع.
إن تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية والروابط المهتمة بالمجالات الثقافية والإبداعية والحرف البيئية يساعد على بناء مجتمع ثقافى حضارى نطمح إليه جميعًا، مجتمع يستطيع مواجهة الأفكار المتطرفة والتى تحض على ممارسة الأعمال الإرهابية والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد على أساس الدين والمذهب، مجتمع يقوم على المواطنة والمساواة.