رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خيبة المحافظ.. ومدونة السلوك!


ربما يريد الأستاذ محافظ القاهرة، الآن، أن يكتب تدوينة فى حسابه على شبكة التواصل الاجتماعى، يوضح فيها أن رئيس الجمهورية أراد منه مخالفة أحد بنود «مدونة السلوك الوظيفى»، وأنه «بنباهته» و«عبقريته» لم يقع فى الفخ. لكنه لو فعل، أى لو كتب التدوينة، سيكون قد خالف عدة بنود، ووضع نفسه تحت طائلة «الإجراءات القانونية أو التأديبية»!.
لن ألومك لو لم تكن تعرف شيئًا عن تلك المدوَّنة، مع أن أربع سنوات كاملة مرت على إصدارها، ويجرى العمل، الآن، على تحديثها بما يتسق مع التغييرات والمستحدثات المتمثلة فى إصدار العديد من القوانين والاستراتيجيات، واستجابة لاستراتيجية التنمية المُستدامة وخطة الإصلاح الإدارى. وبالفعل، ظهرت، فى ٤ نوفمبر الماضى، المسودة الأولى للمدونة الجديدة، أو المزيدة والمنقحة، على الموقع الرسمى للمعهد القومى للإدارة. ومن المفترض أن يتم طرحها، قريبًا، على مجلس الوزراء لإقرارها رسميًا!.
المعهد القومى للإدارة، هو هيئة عامة اقتصادية ذات طابع تدريبى واستشارى وبحثى، تم إنشاؤه بموجب القرار الجمهورى رقم ٣٦٨ لسنة ٢٠٠٦ كهيئة عامة اقتصادية مستقلة، تهدف إلى تطوير الإدارة الحكومية وتعزيز كفاءاتها و.. و.. وتكفى نظرة سريعة على الواقع، منذ سنة ٢٠٠٦ إلى الآن، لتدرك أن هذا الهدف وباقى الأهداف مجرد كلام، بل أتحداك لو وجدت بين المائة مليون مواطن، ألفًا أو حتى خمسمائة يعرفون شيئًا عن ذلك المعهد. بالضبط، كما لن تجد مائة أو خمسين يعرفون شيئًا عن مدونة السلوك التى قيل إنها تهدف إلى إرساء مبادئ الانضباط الوظيفى والشفافية والنزاهة و.. و.. وغرس مكارم الأخلاق لدى الموظف.. إلخ!.
المدونة، تتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية والقيم وقواعد السلوك الوظيفى، أبرزها «المحافظة على أسرار العمل وعدم نشر أو الإدلاء بالبيانات أو المعلومات المتعلقة بوظيفته أو بسياسات واستراتيجيات جهة عملة إلى أجهزة الإعلام ودور الصحافة والنشر أو أى جهة أخرى إلا بموجب تصريح من الجهة المختصة بالتعامل مع هذه الأجهزة». وهذا هو الفخ أو البند الذى كان الأستاذ المحافظ سيخالفه لو أجاب عن أسئلة الرئيس، فى حضور الصحفيين الأشرار، وأمام الكاميرات، بل وعلى الهواء مباشرة. وعليه، توقعنا أن يرد الأستاذ المحافظ بقوله: «كده؟! طب بس.. أروح استأذن وأجى لك»، بصوت ستيفان روستى!.
طيب، ماذا لو قام الأستاذ المحافظ بكتابة تدوينة يبرر فيها موقفه أو يدافع بها عن خيبته الثقيلة؟!.
لو فعل، سيخالف عدة بنود تطالبه بـ«مراعاة أن تكون الحسابات الشخصية للموظف العام على مواقع التواصل الاجتماعى ممثلة له فقط». وبـ«عدم استغلال المعلومات التى يحصل عليها أثناء أدائه المهام الوظيفية ونشرها بأى طريقة». كما أن مجرد إشارته إلى وظيفته فى حسابه تعرضه للمساءلة: «على الموظف ألا ينشر فى ملفات التعريف الشخصية به المنصب أو المسمى الوظيفى أو بيانات الاتصال الرسمية الخاصة به فى العمل....».
معنى ذلك، أن الأستاذ المحافظ، لو كان قد وقع فى الفخ وأجاب عن أسئلة الرئيس، أو لو استجاب لوسوسة شيطانه، وكتب التدوينة، فإن «للجهة الحكومية من تلقاء نفسها أو بناء على ذوى المصلحة أو ديوان الخدمة المدنية حق اتخاذ الإجراءات المناسبة، بما فى ذلك الإجراءات القانونية أو التأديبية»، كما قالت المدونة، التى نصت على أن أى مخالفة لأحكامها «تستوجب المساءلة واتخاذ الإجراءات والعقوبات التأديبية». والكلام، ينسحب على كل من طالبهم الرئيس بأن يعرفوا كل حاجة «عشان لما يقعدوا مع الناس، يعرفوا يردوا عليهم ويقولوا لهم خلوا بالكم احنا عملنا كذا، والدولة عملت كذا»، لأن أحكام المدونة تسرى على «الجهاز الإدارى للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، ورؤساء هذه الوحدات، والعاملين بها».
هل اعتقدت أننا ندافع عن «خيبة» الأستاذ المحافظ؟!
نتمنى ألا يدفعك «ثقل دمك» إلى اعتقاد ذلك، وأن تكون قد استنتجت أننا كنا نتهكم أو نسخر من «مدونة سلوك» بائسة خاصمت المادة ٦٨ من الدستور التى أوجبت عقاب من يقوم بـ«حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا»، ونصت على أن «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية». وهناك بنود أخرى كثيرة فى المدونة، تجعلك تتشكك فى أن واضعيها قرأوا الدستور، من الأساس!.
أخيرًا، وبعد أن تهكمنا وسخرنا ولهونا ولعبنا، لا يبقى غير أن نطالب بأن يذهب الأستاذ المحافظ إلى مكانه الطبيعى، أى إلى منزله. وبأن تذهب مدونة السلوك الوظيفى، أو على الأقل تلك البنود التى أشرنا وتلك التى تخالف الدستور، إلى مكانها الطبيعى، أيضًا، أى إلى سلة المهملات، أو صفيحة الزبالة!.