رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مزابل وزارة الرى!



على امتداد كيلومترات، وبطول إحدى الترع، شاهدت هذا المنظر القبيح، أو المقرف، على جانب الطريق: أطنان من القمامة، موزعة على أكوام من الطمى المخلوط بكل أنواع الزبالة «المخلفات» التى قد تخطر «أو لا تخطر» على بالك، بدءًا من الحيوانات النافقة، وحتى العلب وأكياس البلاستيك بمختلف ألوانها!.
وجود الطمى يقول بوضوح إن مصدر تلك الأكوام هو باطن الترعة. وبالتالى، لن تحتاج إلى سؤال طيب أو لئيم لكى تعرف أنك أمام أحد منجزات وزارة الرى والموارد المائية، وأن المديريات التابعة لها فى المحافظات لا تقوم بإزالة ناتج تطهير الترع والمصارف، بل تتركه كما هو فى عرض الطريق، ربما رغبة منها فى تخفيف العبء عن المواطنين بتوفير مقالب زبالة إضافية. أو قد يكون الشيطان أوهمها أن جمعيات الرفق بالحيوان ستكافئها، لأنها وفرت بيئة ملائمة للذباب والناموس والفئران وباقى الحشرات الطائرة والزاحفة!.
ظننت أنه اكتشاف، لكن بقليل من البحث، اتضح أنها مشكلة قديمة ومزمنة، وأن الأهالى اعتادوا الشكوى منها. إذ سبق أن شكا أهالى قرية تلبانة بمركز المنصورة، فى فبراير الماضى، من غلق طريق «سندوب- تلبانة»، بفعل مخلفات نواتج تطهير ترعة الجبادة. وعرفت من الشكوى، المنشورة بجريدة الوطن، أنها مشكلة سنوية اعتاد عليها الأهالى، وأن الكراكات اعتادت ترك مخلفات تطهير الترعة على جانب الطريق الرئيسى. كما عرفت أيضًا أن الأهالى توجهوا بالشكوى إلى إدارة الرى، والمسئولين بالمحافظة. ومع ذلك استمرت الكراكات «الحفارات» فى إلقاء المخلفات على الطريق، واستمرت مديرية الرى والموارد المائية بالدقهلية، فى التفاخر بأنها تشن حملات مكثفة لتطهير الترع والمصارف، وفقًا للخطة الموضوعة والحالات الطارئة والحرجة!.
تلك، إذن، حالة عامة، معتادة ومستمرة، ويبدو أنه لا يوجد ما يُلزم أو يجبر أباطرة وزارة الرى أو الزبالين العاملين فيها، على إزالة المخلفات أو الزبالة الناتجة عن تطهير الترع. وإلا ما تركوها على جانب الطريق، غير مبالين بمنظرها القبيح المقرف، أو بما ستسببه، قطعًا، من انتشار الروائح الكريهة، والأمراض والحشرات الطائرة والزاحفة الناقلة لها. ومنطقى أن يتسبب ذلك أيضًا فى تطوير تلك المقالب «مقالب القمامة»، لاحقًا، بقيام الأهالى بوضع مخلفاتهم عليها، أسوة أو اقتداءً بما فعله زبالو وزارة الرى. أما الأخطر من الأمراض ومن الحشرات الناقلة لها، فهو أن تلك المخلفات قد تحتوى على ما يقتل المواطنين فى التو واللحظة.
منذ سنتين تقريبًا، وأثناء تطهير إحدى الترع، عثر أهالى قرية ميت الخولى التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية «أيضًا» على «دانة مدفع»، نعم، «دانة مدفع»، طولها حوالى ٦٠ سم وقطرها ١٥ سم، يعلوها الصدأ، واتضح لاحقًا أنها من مخلفات الحروب. وبعد التحفظ على «الدانة»، بالطرق الفنية المتبعة، تحرر المحضر رقم ٥٤١٠/٢٠١٦ إدارى مركز منية النصر، وأحيل إلى النيابة العامة التى باشرت التحقيق!.
من المفترض أن تقوم الحكومة ببذل قصارى جهدها للحفاظ على الرقعة الزراعية وترشيد استخدام مياه الرى، ومن المفترض أيضًا، أن تتكاتف كل الوزارات والمحافظات لتحقيق الاستخدام الأمثل للأرض والمياه. ولأن الترع هى وسيلة نقل المياه إلى الأراضى الزراعية، فطبيعى أن يتم الحفاظ عليها حتى تقوم بوظيفتها. وأمامى دراسة تحليلية لكفاءة إدارة مياه الرى بمحافظة الدقهلية، أعدها الحسينى أحمد النفيلى، الباحث بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى، وجاء فيها أن الفاقد من مياه الرى حوالى ٦٠٧.٥ مليون متر مكعب، لعدة أسباب أبرزها عدم انتظام تطهير الترع. ولا أعتقد أنك فى حاجة إلى تلك الدراسة أو غيرها لتدرك أن امتلاء الترع بالقمامة والحيوانات النافقة يؤدى إلى قلة المياه التى تنقلها وزيادة نسبة الفاقد منها.
التطهير مهم طبعًا، لكنه سيكون بلا جدوى أو «زى قِلته»، لو لم تتم إزالة المخلفات الناتجة عنه، ولو لم تقم وزارات الرى، البيئة، الزراعة والتنمية المحلية، بحملات لتوعية المواطنين وحثهم على عدم إلقاء القمامة فى الترع، فعلت الأولى العكس وتواطأت الثانية، وعملت الثالثة أنها «مش واخدة بالها»، بينما المحافظون يهيمون فى وادٍ أو ديان أخرى. وربما اكتفوا بإصدار التعليمات أو التكليفات التى لا يلتفت إليها أباطرة وزارة الرى. ولا أدل على ذلك من أنك ستجد خبرًا يقول، مثلًا، إن محافظ القليوبية قام بتكليف مديرية الرى بسرعة إزالة ناتج تطهير الترع والمصارف حتى يتم البدء فى تشجيرها وتوسيع الطريق أمام المواطنين.
المنظر القبيح أو المقرف، الممتد لكيلومترات، شاهدته فى نطاق محافظة الدقهلية. وعليه، أدعو محافظها، الدكتور مهندس كمال شاروبيم، إلى أن يترك مكتبه قليلًا ويصطحب الأستاذ مدير إدارة الرى بالمحافظة، فى جولة ميدانية، يتفقدان خلالها تلك المزابل. والدعوة عامة لباقى المحافظين، ولا عزاء لـ«وزير المزابل»، وزير الرى والموارد المائية، سابقًا!.