رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"طايع".. قصة حياة شيخ نحاتين الألباستر فى الأقصر

طايع.. قصة حياة أخر
"طايع".. قصة حياة أخر شيوخ نحاتين الألباستر فى الأقصر

أربعون عاما قضاها "طايع سيد" آخر شيوخ النحاتين على حجر الألباستر بمدينة القرنة بالوادي الغربي من النيل في محافظة الأقصر، تلك الحرفة التي تعد أحد موروثات عائلته والتي تناقلتها أجداده من أيام الفراعنة حتى وصلت إليه، وكأن الفنان المصري القديم قد اختاره ليستكمل ما بدأه منذ الآف السنين، ويواصل رحلة صناعة أجمل الأشياء من ذلك الحجر المميز الذي رافق ملوك الفراعنة وعظمائهم بداخل مقابرهم.

يحكي شيخ نحاتين الألباستر لـ"الدستور" عن أول خطواته في رحلة تعلم النحت على الألباستر، فيقول: "النحت على الألباستر من الحرف المتوارثة بين أبناء عائلته منذ الأجداد، فوالده الذي تعلم فنون تلك الحرفة عن جده، حرص على تعليم أولاده أسرار النحت على حجر الألباستر، ذلك الحجر المميز، والذي يخفي الكثير من الأسرار التي لم يكشفها سوى المصريين القدماء، ولهذا السبب نرى الكثير من منحوتات الألباستر بداخل مقابر الفراعنة، فمقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون عثر بداخلها على عدد كبير من القطع المصنوعة من الألباستر".

وأضاف شيخ النحاتين، في تصريح لـ"الدستور"، أنه منذ نعومة أظافره كان والده يحرص على اصطحابه إلى مصنع الألباستر الذي كان يعمل به، ويظل جلسًا إلى جواره يشاهد ويراقب كان تتحول قطعة الحجر مبهمة الشكل، إلى منحوتة غاية في الجمال من خلال استخدام أدوات بسيطة للغاية وبدائية، ولا تختلف كثيرًا عن تلك الأدوات التي صورتها نقوشات الأجداد الفراعنة على جدران المعابد، والمقابر الفرعونية، لتوثيق مهاراتهم وقدرتهم على صنع أجمل الأشكال من حجر الألباستر.

وأوضح أنه مع مرور الوقت تّكون شغفًا بقلبه، ما دفعه إلى رفض العمل بأية حرفة أخرى، وقضى أربعون عامًا من عمره جالسًا على الأرض بجوار قطع أحجار الألباستر صانعًا منها تحفًا بديعة الشكل، وبرغم كبّر عمره، وإصابته بضعف عضلة القلب؛ إلا أنه رفض أن يغادر مصنعه، ويلقي بأدوات البسيطة من يديه، فبعد أن جّرب المكوث بمنزله لأيام قليلة اتباعًا لنصيحة الأطباء وجد أن حالته الصحية لن تتحسن إلا بالقرب من حجر الألباستر، وهذا ما جعله يؤمن بأن لهذا الحجر خواص علاجية، ومصدرًا للطاقة الإيجابية، ولهذا السبب حرص الفراعنة على الاحتفاظ به بداخل مقابرهم.

وأكد أنه تضرر القطاعي السياحي في الأقصر، بسبب الأحداث الثورية المتتابعة، وضع حرفته في مأزق بعدما اختفت السياحة عن الأقصر، وظلت منحوتاته طويلًا في صالات العرض في انتظار مشترياها، ما جعله يرفض تعليم أبنائه التسعة حرفة النحت اليدوي على حجر الألباستر خشية عليهم من التقلبات التي تمر بها السياحة، لكن عشقه لحرفته، ولحضارته المصرية القديمة جعله يرفض الكثير من العروض للسفر للخارج، لتعليم حرفة النحت، حيث إنه تلقى عرضًا من الصين للانتقال إليها، والعيش فيها، لتعليم تلك الحرفة للصينيين؛ إلا أنه رفض، معتبرًا أن النحت على الألباستر شيئًا يقتصر على المصريين فحسب، فهو إرثهم الذين حصلوا عليه من أجدادهم الفراعنة.

ويحلم الشيخ الكبير أن يتم إنشاء مدينة للحرفيين بمدينة القرنة، وجمع آخر من تبقى من النحاتين، وتعليم الأجيال الجديدة لتلك الحرفة التي أوشكت على الاندثار في ظل ظروف الماكينة.