رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الأزهر للتطرف" يرد على مزاعم "داعش" بشأن استباحة دماء معارضيه

مشيخة الأزهر
مشيخة الأزهر

علق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، على استناد تنظيم "داعش" إلى أدلة من الآيات القرآنية ليبيح قتل الكافر والمخالف له، فعلى سبيل المثال استخدم التنظيم الإرهابي قوله تعالي "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"، وقوله تعالي: "فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ"، ورد قائلًا: "إن الإسلام دين عالمي ويدعو إلى السلام واحترام الأديان وحرمة الدماء".

وأضاف: "وبالنظر إلى الأدلة التي يستند إليها هذا التنظيم الإرهابي نجدها نصوصًا مجتزأة من سياقها، مستخدمة في غير موضعها غاضين الطرف عن السابق واللاحق من الآية، إذ على سبيل المثال يستدلون بقوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ" كدليل مشروعية للاعتداء على الآخر تحت مسمى الجهاد المزعوم دون النظر إلى الآيات التي سبقتها حيث يقول تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" لتبين أن القتال ما شُرع إلا للدفاع عن النفس ضد المعتدين وليس لاستباقية العداء.

وأضاف: قال الله تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، ولم يأت الإسلام يومًا لإرغام الناس على الدخول فيه، كيف وقد قال ربنا سبحانه: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)؟، وإنما الأمر كله متعلق بقضية (العهود والمواثيق) التي عقدها المسلمون مع غيرهم، وموقف الغير منها، وهذا ما شهدت به آيات القرآن المحكمة، شريطة عدم انتزاعها من سياقاتها، فعلينا أن ننظر إلى سباق الآية ولحاقها، لينكشف الأمر على حقيقته دون تزييف أو تضليل لجموع المسلمين.

وأشار إلي أن الشرع قسم غير المسلمين من ناحية إبرام العهود والمواثيق معهم وعدم إبرامها إلى ستة أنواع:

أولًا: غير المسلمين الذين لم يُعاهدوا ولم يعتدوا: جاءت سائر الآيات التي ضمنت حرية الاعتقاد وحرية التدين، مثل قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ﴾، ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾، ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾، ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

ثانيًا: غير المسلمين الذين لم يعاهدوا واعتدوا:
قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ*وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ*فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ*وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.

وقد كان أول الأمر أمرًا بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، ثم كان الإذن في الدفاع حتى يكفّ المعتدون عن عدوانهم في قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، ثم كانت براءة والأمر فيها بقتل مَنْ نقضوا عهدهم مع النَّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عقوبة على نقضهم، وبعدم العفو عنهم، حتى وإن تظاهروا بالكف عن العدوان، إلا إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة.

ثالثًا: غير المسلمين الذين عاهدوا فلم ينقضوا ولم يُوفوا، وحاولوا إرضاء المؤمنين بأفواههم ولكن تأبى قلوبهم: ففيهم قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ﴾.

رابعًا: غير المسلمين الذين عاهدوا فوفّوا، وفيهم ما في مَنْ لم يعاهدوا ولم يعتدوا، وفيهم أيضًا قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، ولم يكن في حياة النّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من هؤلاء إلا الذين عاهدهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عند المسجد الحرام، بدليل اختصاصهم بالاستثناء من كل الأوصاف في الناقضين من غير المسلمين المعاهدين في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾، فسائر غير المسلمين الذين عاهدوا النّبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كانوا بين ناقضين عهدهم معلنين نقضهم وبين مستخفين متظاهرين بإرضاء المؤمنين، وتأبى قلوبهم.

خامسًا: غير المسلمين الذين عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع النَّبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم-.
فقد كان فيهم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

سادسًا: غير المسلمين الذين عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع المؤمنين بعد النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم-.
ففيهم قوله تعالى: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾؛ أي: وإن لم يتوبوا ولم ينكثوا فعلى ما أنتم عليه؛ أي: ﴿أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾. قال الله تعالى: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ» فهذا الحكم قائم على المسلمين الذين يلتقون بالكافرين في ميدان القتال، فإنهم مأمورون بأن يضربوا الضربات القاتلة للأعداء، وهذا الحكم إنما هو في حال الحرب، أما إذا انتهت الحرب، وخمدت نارها، فليس للمسلم أن يبدأ بعدوان، أو أن يقتل أحدًا من الكافرين إذا لقيه وأمكنته الفرصة منه.

وأكد الأزهر للتطرف أن حرمة غير المسلم مصونة، ودماؤه معصومة، لا يجوز لأحد أن يجترئ عليها، لأنه بنيان الله، وهو الذي استدعاه إلى هذه الحياة وجعله خليفة، ولذلك عصم دمه.