رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"العبوا معنا".. كيف احتج الصغار على علاقة آبائهم بالتكنولوجيا؟

جريدة الدستور

في بداية ظهور الهواتف المحمولة تسابق الباحثون حول تأثيرها المستقبلي على الأطفال الذين وجدوا فيها ضالتهم لإضاعة وقتهم، لكن مع تطور الألعاب التي جذبت جميع الفئات العمرية حدث ما لم يكن متوقعًا من خطورة عكسية، حيث ارتبط بها الكبار وأصبحوا مشغولين بتداول صورهم وأفكارهم على مواقع التواصل، أو إنهاء لعبة شيقة تسرق أوقاتهم.

في مدينة "هامبورج" الألمانية، وجد الأطفال أنفسهم بلا آباء أو أمهات، فالجميع مشغولون بإنهاء "الجيم"، الأمر الذي دفع الصغار إلى تنظيم تظاهرة رافعين شعار: "اتركوا هواتفكم والعبوا معنا".

الأمر قد يبدو مضحكًا للوهلة الأولى، أو طفوليًا يتسم بالبراءة، لكن الجدية التي ظهر بها الأطفال كانت تدعو للتساؤل حول شكل الحياة والعلاقات الأسرية مع الضيف الدائم الإقامة وهو الهاتف المحمول، المقطع المصور الذي تم تداوله أظهر عدد كبير من الصغار في أعمار تتراوح ما بين الـ7 سنوات حتى الـ12 عاما، جميعهم يهتفون وراء منظم التظاهرة الممسك مكبر الصوت بشكل جاد وحاسم قائلين: "اتركوا هواتفكم".

في الأعوام الماضية انتبه الباحثون لهذه الأزمة، فنشرت العديد من الدراسات التي ترصد توتر العلاقات الأسرية بسبب التكنولوجيا، حيث ارتفع معدل الحوادث الخاصة بالأطفال، وكان الهاتف البطل فيها.

على سبيل المثال، في الأردن فوجئت إحدى السيدات عند إيقافها لسيارة تاكسي بوجود طفل رضيع نائم داخل الكرسي الخلفي، الأمر أثار علامات التعجب على وجهها قبل أن يفاجأ سائق التاكسي بوجود الطفل أيضًا حيث تبين أن آخر راكبة معه كانت قد نزلت من المركبة ونسيت الطفل بسبب انشغالها بهاتفها، وهذا ما أكدته تصريحات الحادث الذي أثار ضجة كبيرة العام الماضي.

وفي ورقة بحثية أشرف عليها أطباء في العلوم الإنسانية والاجتماعية من جامعة قاصدي رباح الجزائرية، أكدت إنه إذا كان للأجهزة الإلكترونية إيجابياتها، فإنها لا تخلو من سلبيات، حيث أثرت وسائل الاتصال على أفراد العائلة، ففيما يسعى عشرات من الرجال إلى تجريب العلاقات العاطفية السرية عبر الهاتف، أو قد يطاردون النساء من خلال المحادثات، ونفس الحال بالنسبة للزوجات أو الأطفال الذين تلتقط أعينهم ما هو غير مناسب لأعمارهم.

في هذا الإطار، تقول الدكتورة صافيناز عبد السلام، استشاري الطب النفسي، إن انشغال الأسرة عن الطفل قد يعرضه للكثير من المشاكل النفسية الخطرة، مثل المشاعر العدوانية أو العصبية المفرطة والغير مبررة، عطفًا على إصابته بما يعرف بـ«التنمر»، أي ممارسة العدوانية على أقرانه في النادي أو المدرسة.

"عبد السلام" أشارت إلى بعض الأرقام والإحصائيات الصادرة عن عدد من الدرسات التي ترصد تغير المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، ووفق الطبيبة النفسية فإن حالة الخرس الزوجي واللجوء للتنفيس بالكلام أو اللعب على وسائل التواصل أدت إلى تنامي ظاهرة الطلاق في مصر، ووصل عدد المطلقات إلى 710 آلاف و850 نسمة، الأمر الذي يتسبب في مشاكل نفسية عن الأطفال.

ووفقًا لدراسة نشرت على موقع "دويتش فيلا"، فقد أكد باحثون أمريكيون، أن الأطفال الذين يتم تجاهلهم من طرف الآباء يشعرون بالإحباط أو يظهر لديهم إفراط في الحركة والنشاط أو الإصابة بنوبات من الغضب.

ويعتقد الباحثون أن بعض الجوانب في التكنولوجيا الرقمية تكون مغرية بشكل خاص للآباء الذين لديهم صعوبات ذاتية في التنظيم أو الآباء الذين ليسوا راضين عن الحياة الاجتماعية داخل عائلاتهم.