رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول التعليم والهوية والانتماء «١»


هيا بنا نقرأ معًا بعض السطور من دستورنا نغوص فيها ونتأمل معانيها، كما دعونا نقرأ بعض نصوص دستور ٢٠١٤ التى تسهم فى نهضة وتقدم أمتنا المصرية بالعلم والمعرفة والابتكار.

لنقرأ فى المقدمة، والتى هى جزء من الدستور «وفى العصر الحديث استنارت العقول وبلغت الإنسانية رشدها، وتقدمت أمم وشعوب على طريق العالم، رافعة رايات الحرية والمساواة، وأسس محمد على الدولة المصرية الحديثة وعمادها جيش وطنى، ودعا ابن الأزهر رفاعة أن يكون الوطن مجالا للسعادة المشتركة بين بنيه وجاهدنا- نحن المصريين- للحاق بركب التقدم.. نحن نؤمن بأننا قادرون على أن نستلهم الماضى وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق إلى المستقبل، قادرون على أن ننهض بالوطن وينهض بنا». نعم نقدر ونستطيع إذا قدرّنا قيمة وأهمية العلم والتكنولوجيا والبحث العلمى وتنمية رأس المال البشرى المعرفى، نعم نقدر ونستطيع إذا قمنا بتطوير التعليم بدءًا من سنوات الطفولة المبكرة من ٣-٦ سنوات «رياض الأطفال» لتقوم على اكتشاف الطفل وتعرفه على البيئة التى حوله من خلال منهج (العب- اتعلم- ابتكر) اللعب وحب الاكتشاف والتعرف وتنمية المواهب والمهارات والقدرات. نعم نقدر ونستطيع إذا استخدمنا الأدوات والوسائل المختلفة من الفنون (رسم- موسيقى- سينما مسرح عرائس) واعتمدنا عليها فى التربية والتعليم، نعم نقدر ونستطيع إذا رسخنا فى المراحل التربوية والتعليمية الأولى قبول الآخر والمواطنة وعدم التمييز لأى سبب.

ولننتقل معا إلى مواد الدستور فى الباب الثانى وتحت عنوان «المقومات الأساسية للمجتمع» الفصل الأول «المقومات الاجتماعية» ولنقرأ معًا المواد من ١٩-٢٥ وكلها تخص التعليم بجميع مراحله والبحث العلمى والقضاء على الأمية، وكلها تؤكد أن التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، مع النص على التزام الدولة بتوفير التعليم وفقًا لمعايير الجودة العالمية، كما تنص على أن التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة.

وما سبق يتفق مع المادة ٨٠ من الدستور الخاصة بحقوق الطفل، والتى تنص على أنه «يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.. ولكل طفل الحق فى التعليم المبكر فى مركز للطفولة حتى السادسة من عمره ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن التعليم الأساسى»، كما تؤكد المادة ٨٠ حق الطفل منذ ولادته فى تنمية المعرفة والوجدان. وتلزم المادة ٨١ من دستورنا الدولة «بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام صحيا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا وتعليميا».. وهنا نتوقف لنضع مليون خط تحت حقوق الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، لأننا نحلم بالوصول إلى مجتمع تقوم ثقافته على إدماج ذوى القدرات الخاصة فى المجتمع فى كل المجالات والمؤسسات.
ولأن وضع أى خطط بخصوص عمل نقلة نوعية وحديثة فى التعليم تحتاج بالطبع إلى تمويل فلا بد من الإشارة إلى تفعيل ما جاء فى الدستور بخصوص ميزانية التعليم والتى للأسف لم تتحقق حتى الآن. حيث يلزم دستورنا الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن ٤٪ من الناتج القومى الإجمالى وتتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وذلك بالنسبة للتعليم قبل الجامعى. أما بالنسبة للتعليم الفنى فتلزم المادة ٢٠ الدولة «بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره والتوسع فى أنواعه وفقًا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل». وهذا لن يتحقق يا سادة ويا سيدات إلا بالاهتمام بالتعليم الفنى ومساواته بالتعليم الثانوى العام وتغيير الثقافة المجتمعية الدونية تجاهه مع ربط المدارس التعليمية الفنية بالورش والمصانع للتدريب والتأهيل ورفع الكفاءة والمهارات. هذا لن يتحقق إلا بزيادة ميزانية التعليم. وأقولها بصراحة وبصوت عالٍ و(بالفم المليان) إذا لم تع الدولة أن التعليم حق، وأنه خدمة وليس سلعة لمن يدفع وأنه أساس النهوض بالمجتمع وأساس تنمية مواردنا البشرية وبالتالى لا بد من أولوية توفير الميزانية وإزالة العقبات البيروقراطية وتقديم جميع التسهيلات لحل المشكلات المزمنة مع وضع خطة زمنية ملائمة وتنفيذها بمشاركة مؤسسات الدولة مع المجتمع المدنى، إذا لم تع الدولة ذلك فلن ينصلح حال التعليم الذى هو عنوان تقدم الدول. إننا نُلِّح على زيادة الميزانية من أجل الصرف على الأبنية التعليمية والمدارس وبالتالى زيادة عدد الفصول لحل مشكلة تكدس التلاميذ والتلميذات، والتى وصل متوسط كثافة الطلاب فيها إلى ٦٥ فى المدن وإلى ٧٠ فى الأحياء والقرى الفقيرة، هذا بجانب عدد من القرى والكفور والعزب التى لا تتوافر بها مدارس ويضطر التلاميذ والتلميذات للسفر لعدد من الكيلومترات لأقرب مدرسة. ونلح على زيادة الميزانية لتحسين أحوال المدرسين والمدرسات ورفع مرتباتهم للتفرغ للعملية التربوية والتعليمية داخل المدارس وحتى لا يلجأوا إلى إعطاء الدروس الخصوصية، وهذا بالطبع بجانب تدريبهم وتأهيلهم المستدام على مناهج وطرق التعليم الحديثة.. وللحديث بقية.