رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السفير محمد ثروت سليم: 25 مصريًا محتجزون فى مخيم إيواء الغوطة الشرقية.. و٤٠ ألف طالب سورى بمدارسنا

السفير محمد ثروت
السفير محمد ثروت سليم

- القائم بأعمال السفير المصرى فى دمشق طالب بـ«حل توافقى» للأزمة

دقائق قليلة تفصل موقعه عن قنبلة موقوتة تسمى «مخيم اليرموك» فى سوريا، تطلق من خلاله الصواريخ والقذائف ويخرج الإرهابيون. هنا يقطن السفير محمد ثروت سليم، القائم بأعمال السفير المصرى فى دمشق، الذى التقيته بعد وصولى إلى دمشق بـ ٤٨ ساعة، حيث استقبلنى داخل مكتبه فى منطقة «كفر سوسة».
دبلوماسى فدائى، لم يكن اللقاء رسميا متكلفا، بل كان مصريا خالصا تغلفه حالة من الود لدبلوماسى يؤدى دوره فى خدمة أبناء وطنه داخل منطقة صراع.
لم يكن هناك سابق معرفة بيننا، ولم أخطط لإجراء حوار صحفى معه، حصلت على رقمه من أحد الزملاء، تركت له رسالة قصيرة على الهاتف ببيانات مختصرة حول وجودى فى دمشق، تحسبًا لتعرضى لأى أزمة أثناء مغامرتى، لم أتوقع ذلك الاهتمام والمتابعة بشكل يومى، حرصا على سلامتى.
كان الفضول يتملكنى عن شعوره وهو على بعد أقل من ٣ كيلو مترات من مخيم اليرموك فى قلب العاصمة السورية، بما يحمله من صراعات بين الفصائل الإرهابية المتناحرة «داعش» وجبهة النصرة وبين الحصار العسكرى، الذى فرضه الجيش السورى.
تعودت على سقوط القذائف.. صاروخ اخترق غرفة مجاورة لمقر إقامتى.. ومُدرِّسة ابنتى لم تصدق روايتها عن الحرب
سألته عن شعوره، كمبعوث دبلوماسى فى منطقة صراع، وفى ظل أجواء قصف متبادلة، أجاب أنه قضى حتى الآن ما يقارب ٣ سنوات ونصفًا منذ تكليفه بأعمال السفارة المصرية فى دمشق، قبلها كان يشغل منصب المستشار السياسى لبعثتنا فى الأمم المتحدة فى نيويورك، معنيًا بملف الشرق الأوسط.
يؤكد فى البداية أن الأمر له تأثير نفسى: «فكرة أنك موجود فى مكان تسقط فيه قذائف من حولك أمر صعب»، وتعرضت السفارة المصرية لسقوط مقذوفات أكثر من ٣ مرات أسفرت وقتها عن تلفيات بالمكاتب والحوائط، مستدركا: «فيما بعد تعودت، أصبحت الأمور قدرية بالنسبة لى».
يحكى أنه فى اليوم الأول لوصوله دمشق حجز غرفة بأحد فنادق العاصمة، ليخترق صاروخ إحدى الغرف فى نفس الدور، كانت تقطنها زميلة دبلوماسية تابعة للأمم المتحدة، وأصيبت بكدمات وشظايا، وكتبت لها النجاة.
سألته عن أسرته، قال إنه على مدار أكثر من ٢٠ سنة مدة خدمته فى وزارة الخارجية، لم يفارق أسرته، ولديه ٤ أطفال، بينهم توأم، أعمارهم ١٢ و٩ و٦ سنوات.
ويؤكد أنهم جاءوا لزيارته بعد ٨ شهور من استقراره فى دمشق «وفى أول يوم للزيارة سقطت قذيفة فى البناية المجاورة فأصيبوا بالذعر، وأعدتهم للقاهرة بعد أقل من ٢٤ ساعة» يتابع ضاحكا: «بعد عودة الأولاد للمدرسة استدعت مدرسة الفصل زوجتى لتبلغها أن البنت تعانى من خيالات وتدعى أنها ذهبت لسوريا وأنها رأت قذيفة، لم تتوقع أن يكون ما رأته البنت حقيقيا، لم يكن من الأمان أن أبقيهم هنا، فكان قرارى باستقرارهم فى القاهرة، وأزورهم كل ٣ شهور».
الحديث يطول عن أوضاع ما بقى من المصريين فى سوريا باختلاف محافظاتها، يقول إن السفارة المصرية لم تغلق أبوابها لحظة واحدة منذ بداية الأزمة على مدار السبع سنوات، تمارس دورها القنصلى والدبلوماسى والسياسى على أكمل وجه.
وأضاف أنه فى بداية الأزمة فى عام ٢٠١١، أقمنا جسرًا جويًا لنقل آلاف المصريين الذين كانو يعملون فى سوريا، سواء فى شركات خاصة أو فى أعمال التجارة، وقد تحملت مصر تكليف إجلائهم كاملة، على الرغم من ضخامة التكلفة، إلا أن الأولوية كانت لسلامة المواطن.
بقى عدد من المصريين يقدر بآلاف: «للأسف المصريون فى سوريا لا يسجلون أنفسهم فى السفارة المصرية»، ويؤكد أن عددًا قليلًا جدًا من يهتم بفعل ذلك.
وقال: «النقطة الثانية أن كثيرا من المصريين فى سوريا من الجيل الثالث، وهم أبناء المصريين الذين تزوجوا منذ أكثر ٥٠ سنة فى سوريا وأنجبوا، وأولادهم تزوجوا وأنجبوا أيضا، والأبناء لم يكونوا حريصين على التسجيل فى السفارة».
يبدى السفير تعجبه من تمسك المصريين بالبقاء فى أماكن الصراع، ويفسر ذلك بأن هناك ظاهرة متفشية فى سوريا هى «التعفيش»، وهى سرقة ممتلكات المواطنين الذين غادروا، فلا يتركون المنزل سوى أنقاض، وكثير من المصريين رفضوا ترك المدن والقرى التى يعملون بها خوفًا من سرقتها والاستيلاء عليها.
يحكى أنه فى ٢٠١٦ وقت معركة حلب الشرقية، وهى معركة دامية كانت محل متابعة من العالم أجمع، وصنفت فيها حلب كثانى أكثر منطقة خطورة فى العالم، ونجحنا فى إخراج ثلاث عائلات مصرية، ولكن هناك سيدتين منهم لم تقبلا المغادرة وترك «شقى عمرهما»، ونتابع أخبارهما بشكل مستمر ونرسل لهما مساعدات.
وقال: «وجهنا تحذيرات عديدة للمواطنين المصريين فى أماكن الالتهاب العسكرى بضرورة مغادرة الأراضى السورية، إلا أنهم يتمسكون بالبقاء، ولا نلوم أى شخص على تراجعه عن قرار، وفور إبدائه رغبة فى المغادرة فإننا نسرع فى إخراجه وتقديم التسهيلات للعودة إلى مصر».
نواجه عدم تسجيل مواليدنا.. والقاهرة مقبولة من كل أطراف الصراع لأنها لم تتورط فى دم
تساءلت عن كيفية إخراج المصريين الموجودين فى أماكن سيطرة المسلحين، التى لا تخضع لسيطرة الدولة السورية، قال إننا ننسق مع الحكومة السورية فى إخراج المصريين من المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وفى الأماكن الأخرى فإن تنسيقا وديا يجرى مع المواطنين لحين وصولهم لأقرب نقطة خاضعة للجيش السورى.
وأضاف الدكتور سليم أن السفارة المصرية نجحت فى إخراج مصريين من أماكن صراع ساخنة مثل الغوطة الشرقية وحلب ودرعا، متابعا: «واجهنا مشكلة أن يكون عدد أفراد العائلة أربعة أو خمسة، ولكن عند تحريرهم من الحصار نفاجأ بفرد أو اثنين زيادة، قد تم إنجابهما، وقد تزوج أحدهما، دون أوراق ثبوتية رسمية، وهو ما واجهناه مع العائلات التى أخرجناها من حلب، فقد فوجئنا بأطفال ليس لهم أى أوراق، وهو ما يحتاج للجوء إلى المحاكم لإثبات الزواج، واستخراج شهادات الميلاد، وهذا يعنى العديد من الاتصالات والتسهيلات الحكومية لسرعة إخراجهم».
السفير كشف أثناء حديثه عن وجود ٢٥ مصريًا فى مراكز الإيواء، نازحين من الغوطة الشرقية، التى ظلت تحت حكم ما عرف بـ«جيش الإسلام» المتطرف، لما يقارب ٧ سنوات، يقول إن ٢٥ عائلة رجالها مصريون كانت ضمن العائلات المستقرة فى الغوطة الشرقية وخرجت مع النازحين عبر الممر الآمن، واستقر الأطفال والسيدات فى مناطق آمنة، بينما بقى ٢٥ رجلا فى مركز الإيواء بمحافظة درعا السورية.
وأضاف: «وعدنا الجانب السورى بإخراجهم وتسليمهم للسفارة، وحصلنا على موافقة وزارة الخارجية السورية، وتوجهنا بالفعل ثلاث مرات لمعسكر الإيواء لكن لم نوفق فى إخراجهم بسبب عوائق إدارية، وما زلنا نأمل من الجانب السورى فى تسهيل خروجهم».
وعن وجود مصريين فى المناطق الملتهبة الباقية فى دمشق، مثل منطقتى اليرموك والحجر الأسود، أو فى محافظات الشمال، قال: «لم نُبلغ بوجود أى مصريين فى أماكن صراع أخرى لا خارج دمشق أو داخلها، والأرقام الساخنة الخاصة بالسفارة تعمل على مدار ٢٤ ساعة لتلقى أى بلاغات والتعامل معها، ولا أتوقع أن يكون هناك مصريون بمنطقتى الحجر الأسود واليرموك، لو وُجدوا لطلبوا المساعدة من وقت طويل».
نقلت إلى الحديث عن موقف مصر السياسى من الأزمة السورية، قال: «نحن مقبولون من الأطراف السورية كلها، فعلى المستوى الرسمى والحكومى فإن هناك ترحيبًا كبيرًا بالدور المصرى، ونرى أن الحل يجب أن يكون توافقيًا بين النظام والمعارضة، وبالتالى موقفنا محايد، لا ننحاز إلى طرف على حساب الآخر».
سألته: ألا ترى أن الحل السياسى أمر بعيد فى ظل الصراع العسكرى على الأرض؟، رد بأن الأزمة السورية شديدة التعقيد، فهناك أطراف دولية وإقليمية عديدة جدا ومعقدة بدرجة كبيرة، حتى الأطراف التى تبدو أنها متوافقة، فإنها مختلفة فيما بينها بدرجة كبيرة فى وجهات النظر.
أضاف: «مصر متواصلة مع جميع أطراف الأزمة السورية ما عدا الأطراف الإرهابية المسلحة، واحتضنت القاهرة أكبر منصة للمعارضة لأكثر من ١٠٠ شخصية لم تحمل السلاح، ومؤمنة بأن حل الأزمة لابد أن يكون حلا سياسيا عبر الجهود الدبلوماسية، إضافة إلى أن مصر لها دور للتهدئة فى المناطق الساخنة مثل الغوطة الشرقية وفى ريف حمص»، مضيفًا أن بعض هذه الهدنات تم خرقها، إلا أننا ما زلنا نبذل مجهودًا فى محاولات التهدئة، ونستجيب لأى طرف يطلب منا بذل جهد للوصول لحل سلمى، وعندما يأتى وقت الحل السياسى، وهو بالضرورة سيأتى، مصر سيكون لها دور فاعل ومقبول، لكونها لم تتورط فى الدماء السورية.
وعن موقف مصر العسكرى، قال: «من فترة لأخرى تظهر هذه القصة فى الإعلام، وتتكرر ويتم تداولها على الرغم من نفيها رسميا من قبل وزارة الخارجية»، وجزم بأنه لم ولن يكون هناك وجود عسكرى مصرى على الأراضى السورية، ومصر أوضحت موقفها للعديد من الدول والأطراف سواء هنا أو هناك.
وأضاف: «لن نشارك فى أى جهد عسكرى دون قرار من الأمم المتحدة ودون مظلة شرعية، ونحترم سيادة الدول ولا نتدخل فى الشئون الداخلية لها».
300 ألف سورى رسميًا فى مصر.. نصف مليون غير شرعى.. ولا نسكنهم فى مخيمات كباقى الدول
لم يكن من السهل أن يتجاوز الحديث الوضع الإنسانى المتأزم والمأساوى والذى لمسته خلال الزيارة، ففاجأنى بأن الوضع الآن- وعلى خطورته- أفضل مما كان عليه منذ سنتين، وقال السفير: «السفارة المصرية هى الوحيدة التى أشرفت على الأرض، على توزيع مساعدات إنسانية لخمس محافظات سورية لم نفرق فيها بين أطياف بعينها أو فئات، وهو ما يؤكد أننا منفتحون على جميع طوائف ومكونات الشعب السورى، وحرصنا على أن تكون المساعدات مناسبة للمزاج السورى، وأعددنا دراسة عن المنتجات المناسبة فى ظل ظروف يتوافر فيها أدوات طهى أو غاز أو أجهزة، ونركز فى المساعدات الغذائية على علب مورتديلا الدجاج، والطحين اللازم لإعداد الخبز السورى، والحلاوة الطحينية، لما تحويه من سعرات حرارية عالية تساعد على تحمل الجوع».
وتابع: «استقبلنا فى مصر ٣٠٠ ألف سورى بشكل رسمى، وهناك ما يزيد على ٥٠٠ ألف دخلوا بشكل غير شرعى، واستقبلهم المصريون بالترحاب، ولم يواجهوا صعوبة فى الاندماج، فنحن شعب ودود بطبعنا، ولم نقم لهم مخيمات لاجئين كغيرنا من الدول».
وأكد أن كل مواطن سورى يكلف الدولة المصرية ١٠٠ دولار لاستخدامه المرافق والخدمات المصرية المدعومة، فى المستشفيات والنقل والمواصلات، ولدينا ٤٠ ألف طفل سورى فى مراحل التعليم المختلفة فى المدارس المصرية، ولم يزعجنا ذلك، بل نفعله بمنتهى الرضا لأنهم إخوتنا، وهم فى أزمة، وهذا واجبنا نحوهم.
من ناحية أخرى، يستطرد: «يجب أن يعرف المصريون أن رجال الأعمال السوريين إضافة للاقتصاد المصرى بمئات الملايين، من بينهم رجال الأعمال الحلبيون فى قطاع النسيج، كما أن مصر تخطط لإنشاء منطقة صناعية سورية فى القاهرة».
وقال: «نشجع أى رجل أعمال سورى يستعين بالسفارة للحصول على أى معلومات حول الاستثمار فى مصر، ونمده بكل ما يحتاجه من معلومات وتفاصيل وتسهيلات ونسهل التأشيرات لرجال الأعمال، خاصة رجال الصناعة لتشغيل العمالة والدفع بالاقتصاد المصرى».
ويضيف أن حجم التبادل التجارى كبير بين مصر وسوريا، ويتخطى بكثير التقديرات الرسمية البالغة ٣٠٠ مليون دولار.
وعن الحديث عن إعادة الإعمار، ودراسة حجم المشاركة المصرية فى إعادة الإعمار السورى، قال إن مسألة إعادة الإعمار تبدو سابقة لأوانها الآن، على الرغم من أنه فى أغسطس الماضى زار أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية، دمشق، لدراسة الفرص المصرية فى المشاركة بمشروعات إعادة الإعمار، ولكن حتى الآن لم تحظ مصر بمشروع كبير أو مؤثر، وهناك ثلاث نقاط فيما يتعلق بمشاركة مصر بإعادة الإعمار، أولاها أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية تستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد السورى، والثانية أن الأوضاع أمنيًا لم تستقر على الأرض بشكل نهائى، بما يسمح لشركات بمعداتها وموظفيها بالدخول لسوريا للعمل، والثالثة العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، لأنها تحد من حركة الدولار ومن التعاملات الاقتصادية والاستثمارية الخارجية.