رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسألونك عن الدين؟.. قل: حُسن الخلق


أُقِرّ أنا، الموقع إلى يسار أعلى هذه المساحة، بأن المقال الواردة كلماته فيما بعد، تأخرت كتابته طويلا، رغم أن موضوعه نال إلحاحًا كثيرًا من زوجتى، بأهمية الكتابة عنه، خاصة أنه يتعلق بشخصٍ أصبح ملء السمع والبصر خلال فترة وجيزة، كان عنوانها الاجتهاد والاعتماد على الله، وعلى موهبة تلبسته منذ أن كان فى الخامسة من عمره، لاعبًا للكرة فى شوارع بلدته (نجريج)، قبل أن ينضوى تحت لواء نادى (المقاولون العرب)، ومنه يبدأ ملحمة الصعود الذى جاء باحتمال للمكاره، وصبر على من شكك فى عبقريته الكروية.
أتحدث عن محمد صلاح، (الفرعون المصرى)، أو (الملك)، كما يلقبه الإنجليز، الذى فتحت الساحرة المستديرة ذراعيها له، ليصبح خطرًا قائمًا على أبناء جيله، من نجوم اللعبة حول العالم، وبات يملك القدرة على تغيير خريطة الكبار فى ملاعب الدنيا، وراح كل من فرط فى فرصة واتته مع صلاح، يعض أصابع الندم، على كنز كان بين يديه، ثم ضاع، بقصر نظر منه، أو غفلة عن هذا الواعد الذى تفتحت له القلوب، فى كل أرض وطئتها قدماه، وبات أيقونة، ليس فى كرة القدم وحسب، بل فى السلوك الإنسانى القويم الذى أثر فى الشارع الأوروبى بخاصة، والعالمى بعامة، وقدم صورة رائعة ورائقة عن البلاد التى أتى منها (مو صلاح)، وعن الدين الذى ينتمى إليه، بغير غلوٍ أو شطط.
بالخلق القويم، والسلوك الإنسانى الكامل، دون عنتريات أو ادعاءات منه، أعادنا صلاح، بأثره فى شعوب أوروبا، للإسلام الذى اهتم بالأخلاق اهتمامًا بالغًا حتى إن القرآن الكريم لم يجد، حين أثنى على الرسول، ﷺ، أبلغ ولا أرفع من قوله تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، وقد لخص الرسول، ﷺ، الهدف من رسالته بقوله، فى إيجاز بليغ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. وبالأخلاق، فتح المسلمون بعض البلاد وتفتحت قلوب أصحابها للإسلام، عندما تم كثير من الفتوحات الإسلامية بسلطان المحبة والأخلاق وليس بسطوة السيف، وقد لعبت الصورة السلوكية الرائعة للمسلمبن دورها فى التأثير فى انتشار هذا الدين، فى بعض المناطق التى لم يصلها الفتح الإسلامى، إذ دخل فى هذا الدين الحنيف شعوبٌ بأكملها، لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة، خلقًا حميدًا يتحلى به أبناء هذا الدين.. فرب صفة واحدة مما يأمر به الدين، تترجم حيةً على يد مسلم صالح، يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشر، لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذى تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التى هى أول ما يُرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يُحكم له أو عليه من الله، ثم من الناس.. فكأنه دعا بلسان الحال وليس بلسان المقال إلى دينه، دعوة أبلغ وأوصل إلى القلب والعقل معًا.. وقد جاء رجل إلى النبى، ﷺ، فوقف بين يديه وقال: يا رسول الله: ما الدين؟ فقال له: حسن الخلق.
هذه القوة المصرية الناعمة، الجبارة، المخترقة للقلوب، المؤثرة فى العقول، نتاج صالح لقدوة لعبت دورًا بالغًا فى تربيته وتنشئته الاجتماعية الصحيحة.. فالأسرة هى المعين الأول الذى تتشكل وتتحدد فيه معالم شخصية الطفل، فهى التى تغرس لديه المعايير والقيم الدينية والأخلاقية التى يحكم بها على الأمور، ومدى شرعيتها وصحتها، ومن هنا فمن الضرورى أن يكون النموذج الذى يقتدى به الطفل نموذجًا صالحًا، يعبر عن تلك القيم والمعايير، ليس بالقول فقط أو بالدعوة والإرشاد إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم فى سلوك الوالدين.
لقد بات محمد صلاح، النتاج الصالح لكل ما سبق، من بين أكثر الشخصيات المؤثرة على الصعيدين، العربى والعالمى، مؤخرًا، ليشكل علامة نجاح لا تخفى على أحد.. تحدثت عنه صحيفة «كورييرى ديلو سبورت» الإيطالية، العام الماضى، خلال تألقه اللافت مع فريق روما، تناولت تدين الفرعون المصرى، مؤكدة أنه دائمًا يقرأ القرآن ولا يضع الوشم ولا يُفضل التدخين، ويقضى معظم أوقاته ما بين المنزل والمسجد.. ونشرت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية، تقريرًا عن صلاح من مسقط رأسه بقرية (نجريج)، سلطت فيه الضوء على جوانب وقصص غير معروفة عن نجم ليفربول، من حكايات تحيى فى النفوس معانى الإنسانية التى جعلت من صلاح قدوة لملايين من الأطفال حول العالم، وكذلك لكثير من الكبار، بتصديره الأخلاق الحسنة لمن حوله أو يتابعه.. فالخلق الرفيع هو سفير المسلم فى أى مكان.. وأخلاقك الحسنة وأفعالك وسلوكك مرآة تعكس كيف يجب أن تكون.. قد تصبح الأفعال أقوى، قد تكون السلوكيات دعوة فى حد ذاتها.
هذا بالفعل ما شاهدناه بعد أن أعلن أحد محبى نادى ليفربول، على تويتر، عن أن (محمد صلاح) سيجعله يفكر فى اعتناق الدين الإسلامى، بسبب مهاراته وأخلاقه الرفيعة، إذ وضع كارسون كوفيد، صورة يظهر فيها محمد صلاح وهو ساجد فى إحدى المباريات، وكتب على حسابه الشخصى «HE GONNA TURN ME MUSILM».. وأشاد موقع ليفربول بأخلاق وسلوكيات صلاح، بجانب موهبته الفنية الكبيرة التى ظهرت بمجرد انضمامه للريدز، وتحدث الموقع الإنجليزى عن أنه شخص هادئ الطباع ومتواضع مع زملائه اللاعبين ومع جماهير الريدز، ويتميز بأنه طيب القلب وأنه شخص محبوب للغاية، يقضى معظم أوقاته مع أسرته الصغيرة (زوجته وابنته)، ولا يفضل الخروج كثيرًا، ويحب الالتزام.. إذًا هى صورة إيجابية تصنعها لنفسك، بعملك قبل قولك، فما بالنا وصلاح لم يتحدث بكلمة، بل كان سلوكه هو رسوله لعقول وقلوب الأوروبيين وغيرهم.
فى مطار القاهرة، كشف فيديو تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر، خضوع (اللاعب الدولى والنجم المحترف) للتفتيش، بأريحية وترحيب منه، خلال سفره لإنجلترا، بعد مشاركته فى مباراة منتخب مصر أمام الكونغو، وقاد فيها المنتخب للتأهل لمونديال روسيا، ولم تأخذه العزة بالإثم، كما فعل من هم أقل منه كثيرًا، بل هى رفعة النفس التى شجعت الشرطى، الذى قام بتفتيشه عند البوابات الإلكترونية، على طلب التقاط صور تذكارية مع صلاح بعد انتهاء التفتيش، ولبى صلاح رغبته، وكل الذين طلبوا منه التقاط صور، فى موقف لقى استحسان الجميع لرقى تصرفات النجم وتواضعه.
جميل أن يشعر المشاهير بألم بلدانهم، وجميل أكثر أن يتمكنوا من كبت فرحتهم المبررة فى لحظة نصر، مراعاة للمصاب الذى حل بالمئات، هذا ما حصل مع المحترف فى صفوف ليفربول خلال مباراة تشيلسى، إذ امتنع عن التعبير عن فرحته بأهدافه، تضامنًا مع حزن بلاده على شهداء مسجد الروضة فى العريش، وجميل أكثر ألا يتنكر لجذوره، فصلاح يتميز، بين شباب قريته، بأنه صاحب ابتسامة لا تفارق وجهه، ويرون فيه إنسانًا بسيطًا، يتمتع بالأخلاق والاحترام والتواضع، ورغم مكانته ونجوميته لا يتكبر على أحد من أبناء قريته.. فالذين شاهدوا مهارات صلاح، منذ طفولته، ولعبه فى دورى المدارس، ضمن فريق القرية ومركز شباب القرية، شجعوه، كما شجعه والده الحاج صلاح غالى، وساعده على لعب كرة القدم، وتنمية مهارته.. ومع أنه كان متفوقًا دراسيًا، وحصل على مجموع يؤهله إلى دخول الثانوى العام، إلا أنه فضل التعليم الفنى حبًا فى كرة القدم.. فكيف لنا، ونحن نمتلك هذه القوة الضخمة، فخرًا لمصر وللرياضة المصرية، أن يأتى من يبحث عن كل ما ينغص على ثروتنا القومية حياتها، ويقض مضجعها، حسدًا من أنفسهم، ولكن الله يدافع عن الذين آمنوا، وهو غالبٌ على أمره.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.