رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إطلالة على المستقبل «2»


تناولت فى المقال السابق ثلاثًا من أصل عشر قضايا، أشرت فى مفتتحه إلى أننى «لو سُئلت، كمواطن، ومهتم بالشأن العام، عن آمالى وطموحاتى فى السنوات الأربع القادمة، لذكرتها، لأننى أراها حَرِية بأن تحتل، وبالتوازى، قمة ما يتوجب أن نوليه اهتمامنا، بالنظر إلى ضرورتها القصوى، لحل مشكلات عديدة تعترض مسيرتنا، وتفتح الطريق للمستقبل».. والقضايا التى عرضت لها فى مقال الأسبوع المنصرم هى: (١) علاج ضعف الحياة السياسية والمشاركة الـمجتمعية المنظمة فى العمل والبناء، ثم (٢) قضية العدالة الاجتماعية، و(٣) قضية التعليم.
ونستكمل فنشير إلى القضية الرابعة، وهى قضية تحسين أوضاع الصحة العامة للمواطنين وبالذات للأجيال الطالعة، التى ستتحمل عبء البناء والدفاع عن استقلال الوطن فى مقتبل الأيام.. وليس بخافٍ على لبيب الأوضاع الحرجة لصحة المجموع المصرى العام. انظر يا سيدى إلى حجم إعلانات الدعاية لجمع التبرعات، على شاشات التليفزيون التى تغشى أسماعنا وأبصارنا، خصوصًا فى شهر رمضان، لبناء «أكبر وأشمل» مجمعات علاجية، فى العالم، لمواجهة شتى الأمراض، وبالذات المستعصية والخبيثة، وعلى الأخص «السرطان»، والموجهة بشكل رئيسى إلى علاج الأطفال والناشئة، وتأمل!.
هذا الوضع هو نتاج طبيعى لمرحلة بائسة استمرت على مدى عقود، وما زالت لها توابعها المدمرة، سُممت فيها المزروعات التى نأكلها، بسبب الأسمدة والبذور المسرطنة والملوثة، والهواء الذى نتنفسه، بالجور على نظافة البيئة، والمياه التى نشربها بالاعتداء على حرمة النهر المقدس.. إلخ، ووجب التدخل الحاسم لعلاج هذا الملف المصيرى من جذور الجذور، لأنه يمثل عنصر تأثير مباشرًا على خطط الإنتاج، وجهود البناء، ومتطلبات حماية الأمن القومى والمصالح الوطنية!. ونأتى إلى القضية الخامسة، وهى قضية المواجهة الناجزة لمسألة الفساد، الذى أصبحت أشكاله ومظاهره صادمة ومتمترسة فى الواقع المصرى، تُخرج ألسنتها لنا جميعًا!.
وهناك جهود تُبذل فى هذا السياق نسمع عن آثارها من حين لآخر، لكن القضية أشمل وأعمق، وتحتاج إلى صياغة استراتيجية شاملة وحازمة، لوضع حد لهذا الوباء الذى يبدد جهد البناء، ويضاعف من عناصر التفاوت الطبقى، ويُعطل ماكينة الإنتاج والعمل، ويخدم الانتهازيين وأصحاب الأغراض الدنيئة، ويشيع أخلاقيات النهب العام والتربح والاستغلال، ويشيع اليأس من الإصلاح، وينشر الإحباط والاحتقان فى المجتمع، ويهدد الأمل فى المستقبل!.. أما القضية السادسة فهى العمل الدءوب من أجل تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب.
فالقوات المسلحة وقوات الأمن تخوضان معركة شرسة لاجتثاث الجذور الصلبة، أو المادية للإرهاب ووضع حد لترويعه للمجتمع والناس، وهو جهد مشكور، لا يتوانى فيه الوطن عن افتداء أمنه وحريته، بالدماء الزكية لأغلى بنيه.. لكن هناك واجبًا غائبًا آخر لا بد من الانتباه لضرورة النهوض به، ألا وهو العمل من أجل اجتثاث جذور الإرهاب فى الوعى والإدراك، وهو أمرٌ جلل لا يمكن تأجيله.
وإذا كان إعلان «اليونسكو» يُقر بأنه: «لما كانت الحروب تتولد فى عقول البشر، ففى عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام»، فيمكننا، على غرار هذه النظرة الثاقبة، القول بأنه «إذا كان الإرهاب يبدأ بالتسلل إلى وعى الأفراد والجماعات، ففى وعيهم وإدراكهم ذاته يكمن الطريق لمجابهة هذا الفكر الدموى»، بعد أن يكون قد بُذل جهد موازٍ لتخفيف ثقل أعباء الحياة، ولنشر الشعور بالعدل الاجتماعى، والثقة بالوجود والأمل فى التقدم!.
وهذا الأمر يمس ملفات عديدة مفتوحة: التعليم المتطور الذى يُعلى من قيمة العقل الناقد، والإعلام الذى يستهدف المعرفة الموضوعية الرصينة، والخطاب الدينى الذى يُعلى من قيم المساواة والتسامح، وثقافة المواطنة التى تنتشر فى شتى الربوع.. إلخ. (وللحديث بقية).