رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: عقل الأمير.. (1) كيف استرد محمد بن سلمان الله من أيدى المتطرفين؟

محمد الباز
محمد الباز

◄ وضع 3 استراتيجيات فى التعامل مع رجال الدين الأولى عدم تحريم شىء مختلف عليه والثانية دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر وأخيرًا الضروريات تبيح المحظورات
◄نسبة المتشددين بالسعودية وصلت إلى ١٠٪ فقط من ٦٠٪.. وخيّرت المتطرفين بين ترك أفكارهم والصمت التام وإما السجن بالقانون
◄ «الإخوان» تسببت فى إفساد دين الناس.. وهيئة كبار العلماء بالسعودية تتنوع بين الحنابلة والحنفية والشافعية
◄ الأمير الشاب يعمل على «فرصة توسيع الإسلام» ويرفض نظرية أن «آل الشيخ» يملكون الكلمة و«آل سعود»
يملكون السيف

قبل أن يُنهى الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، حديثه معنا فى بيت السفير أحمد قطان، وزير الدولة للشئون الإفريقية، صافحته الكاتبة الكبيرة أمينة النقاش، رئيسة تحرير جريدة الأهالى، وسألته: متى نرى المرأة وزيرة فى السعودية؟
ابتسم لها ابتسامة ودودة، وقال: نحن الآن فى المملكة لا ننظر إلّا للكفاءة فيمن يشغل المنصب العام، وإذا كانت هناك سيدة كفء للمنصب أيًا كان، فستتولاه على الفور، إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن لم يكن غدًا فبعد غدٍ.. ثم إننا قمنا بتعيين امرأة فى منصب نائب وزير (يقصد الدكتورة تماضر الرماح التى تولت منصب نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية منذ أيام).. وهو ما يعنى أن أول الغيث قطرة كما يقولون.
امتدت جلستنا مع الأمير- مجموعة من رؤساء التحرير والكتاب والمفكرين والإعلاميين- لما يزيد على الساعتين ونصف الساعة تقريبًا، لم يشعر جميعنا بها، ليس لأهمية ما قاله الأمير الشاب فقط، ولكن بسبب ترتيب أفكاره ووضوح رؤيته وحيوية طرحه وقوته فى التعبير عما يرى أنه خير وحق.
منذ ظهر محمد بن سلمان وهو يُشغل العالم، وربما يثير مخاوفه، إذ ما الذى يحمله هذا الأمير الشاب لعالم يتشكل ويتغير كل يوم.
كنت أتابع ما يفعله الأمير وأنا مندهش، ليس من جرأته فقط، ولكن من إصراره على أن يمضى فى حقل ألغام كبير، دون أن يكون لديه ساتر يحمى به نفسه، لكن عندما استمعت إليه بتركيز شديد وتأمل أشد، أكتشف أن حلمه الكبير بالخروج بالمملكة العربية إلى النور كان كافيًا وحده ليكون حاميًا له من كل الشرور والأخطار.
لم تهمنى الكلمات التى تحدث بها الأمير، رغم أسطوريتها فى بعض المواضع، لكن شغلنى العقل الذى يبدو أنه تكوّن على مهل، فما قاله محمد بن سلمان يدلك على أن الشاب ليس ابن الصدفة، ولكنه جاء بقدَر وعلى قدْر للمملكة العربية السعودية فى هذا التوقيت بالذات.
هنا مهمة أساسية أعتقد أنه علىّ القيام بها، فالسؤال الأولى بالرعاية، ليس لى ولا لك فقط، ولكن لكل من يتابع الأمير الشاب هو: ما الذى جعل محمد بن سلمان على ما هو عليه الآن.. ليس فى معاركه الاقتصادية والسياسية وإنما الفكرية أيضًا؟
هل تريدون أن تعرفوا الدافع الذى يقف وراء كل أفكار محمد بن سلمان الإصلاحية، والتى يعتبرها البعض ثورة ثقافية ودينية وفكرية كاملة، ما كان لأحد أن يتخيل أنها يمكن أن تحدث فى المملكة فى يوم من الأيام، بل لو حدثنا أحد عنها لتعاملنا معها على أنها ضرب من ضروب الخيال؟
لم يصرح هو بدافعه، لكن من بين السطور التى توالت يمكن أن أقول لكم ما جرى.
رأى الأمير الشاب أن السعوديين لا يملكون ذكريات تربطهم ببلدهم، يقضون إجازاتهم خارجها طوال الوقت، يمكن أن يحدثك السعودى عن أيامه فى أوروبا وأمريكا، يعدد لك الأماكن التى زارها، والمتاحف التى تجول فيها، والشوارع التى أخذ لنفسه صورًا بها، لكنه لا يمكن أن يفعل ذلك مع شوارع السعودية وأماكنها، لا ذكريات ولا لحظات خاصة ولا ذاكرة مرئية يحتفظ بها أحد.
هل يقصد الأمير أن الشباب السعوديين كانوا يشعرون باغتراب فى بلدهم؟
أغلب الظن أنه كان يقصد ذلك، ولأجله تحرك، رأى البلد أولى بأهلها.
يقول: قررت باسم جيلى واسم الأجيال القادمة ألا نعيش خارج السعودية.. هذه بلدنا فلماذا لا نبنى حياتنا فيها؟
كان السؤال الأهم هو: كيف يعود بمن قرروا الخروج منها إليها مرة أخرى؟
دخل الأمير الشاب إلى الأزمة من باب الدين، وكان لا بد أن يدخل من هذا الباب تحديدًا.
يعترف هو أن الإسلام تم تشويهه فى أماكن كثيرة، لكن تم تشويهه داخل الممكلة العربية السعودية بشكل لا يحتمله أحد، ولا يقدر عليه أيضًا، ولذلك حدد نقطة البداية، إصلاح الدين لتنصلح الدنيا لأهلها ومن يعيشون فيها.
الوحدة الأساسية التى عمل عليها محمد بن سلمان كانت المواطن السعودى، وتساءل ما الذى يمكن أن يؤثر فى حياة هذا المواطن؟
الإجابة الواضحة التى تراءت أمامه هى أن تكون هناك قضية حقيقية يؤمن بها هذا المواطن، ثم تكون هناك مصلحة حقيقية أيضًا، تمسه وتمس حياته.
قرر الأمير الشاب أن يتحرك؟
حمل أفكاره وذهب إلى الشيوخ الذين يحملون الدين على ظهورهم فأثقلهم، وكان طبيعيًا أن يثقلوا به الناس.
كان قراره أن يعمل ما يرى فيه مصلحة مواطنيه، بصرف النظر عن وجهة نظر العالم فيه، يقول: قررت أن أدخل الحرب ليس من أجل العالم، ولكن من أجل السعودية ومستقبلها.
قناعته الأولى أن ما يفعله وما يفعله جيله من الشباب وما يقوم به السعوديون جميعًا متطابق تمامًا مع الإسلام، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحوار.
حمل الأمير الشاب أفكاره وذهب ليتحدث مع من يضعون العثرات فى طريق أبناء الحياة.
لن أبالغ إذا قلت إنه كان بسيطًا وواضحًا ومباشرًا وهو يعرض فكرته.
يقول: قلت لمن تحدثت معهم من رجال الدين أنا لدىّ ثلاث حجج، سأضعها أمامكم، ويمكن أن نتناقش حولها، يمكن أن تحل لنا معضلات كثيرة.
الحجة الأولى هى أنه لا يجب أن نقول إن شيئا ما حرام، طالما أنه مختلف عليه، فطالما أن هناك فقهاء يقولون أن الشىء الفلانى حرام، وهناك فقهاء آخرين يقولون إن الشىء نفسه حلال، فلا يمكن أن نقر بأنه حرام مطلق، ونحرمه على الناس، وهناك خلاف.
ضرب محمد بن سلمان هنا مثلًا بالغناء، فهناك فقهاء يقولون إنه حرام بشكل مطلق، وهناك من بين الفقهاء من يقول بعكس ذلك، بل يرونه حلالًا، فلا يجب أن نضع أنفسنا فى الغرفة المظلمة الضيقة ونقول إنه حرام، ثم نمضى تاركين الناس فى ضيق من أمرهم.
الحجة الثانية هى أن الدين الصحيح يقول بدفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، فإذا كان هناك ضرر واضح أمامنا ونعرف أنه يمثل كارثة، ولدينا ضرر نعرف أنه أصغر منه، ولن يضرنا كثيرًا، فيمكن أن نفعله من منطلق أننا ندفع عن أنفسنا ما يمكن اعتباره كارثة كاملة.
المثال الواضح على استخدام هذه الحجة- كما ساقه محمد بن سلمان- كان الحفلات الغنائية التى بدأت فى المملكة العربية السعوية منذ أشهر.
قال لمن رفضوا تنظيم هذه الحفلات إن الشباب السعودى يسافر إلى أوروبا وأمريكا ويحضر مثل هذه الحفلات، ويمكن أن يأتى من السلوك ما يتنافى مع الإسلام تمامًا، وهذا ضرر كبير لا يمكن أن يقبله أو يتحمله أحد، فما الذى يحدث لو أقمنا الحفلات داخل المملكة وحضرها الشاب السعودى، ثم عاد لينام فى بيته وتحت عيون أهله، قد يكون هذا ضررًا أصغر، لكن فعليًا نحن دفعنا به ضررًا أكبر، وهو ما يقول به الإسلام ولا يرفضه أبدًا.
الحجة الثالثة وهى قاعدة شرعية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان هناك محظور فى الحياة، لكن هناك ضرورة تغلب هذا المحظور، فلا بد أن يستجيب الدين، وليس هناك ضرورة أكبر من أن يتم الحفاظ على الشباب السعودى وصيانته.
ما صاغه الأمير الشاب من أفكار لا يقودك إلى أنه استمع من مستشاريه هذا الكلام، وراح يردده على مسامع الآخرين، لكن يؤكد أنك أمام شاب درس وتعلم وفكر وتأمل، ثم خرج بطرحه الخاص وأفكاره الشخصية التى يؤمن بها إيمانًا مطلقًا، وربما لهذا تحديدًا تأتى أفكاره قوية، لأنها تعبر عن قناعات حقيقية، ولن يكون مفارقًا للواقع إذا قلت إننا أمام مشروع فكرى يقود ثورة تحديث فى المملكة العربية السعودية.
يستند محمد بن سلمان إلى حياة النبى، صلى الله عليه وسلم، فى استيعاب الآخرين الذين يختلفون معه، يقول: السيرة النبوية تحمل لنا أخبارًا عن النبى العظيم، صلى الله عليه وسلم، الذى كانت له زوجة يهودية وأخرى مسيحية، وكان له جار يهودى لا يتوقف عن إلحاق الأذى به، لكن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان يحسن إليه فى مقابل الإساءة، هكذا كان النبى، وهكذا كان فعله، فلماذا لا نتآسى به، لماذا نتعامل معه وكأنه لم يفعل ذلك من الأساس؟
النبى محمد لا يزال يظلل أفكار محمد بن سلمان.
يقول: عرفنا من سيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يسابق السيدة عائشة، فى البداية كانت تسبقه، ولما كبرت قليلا كان يسبقها هو، داعبها بذلك، ثم أنه جاء لها بفرقة من الأحباش كانت ترقص وتغنى فى ساحة المسجد، وكان النبى يستمع إلى غنائها، وإلى جواره السيدة عائشة، بل إنه كان يحملها لترى الفرقة وهى ترقص، فما الذى جعلنا نطمس كل هذا من سيرة النبى؟، ما الذى جعل البعض يخفيه ويهيل عليه التراب، ويجعلنا نخاصمه ونخاف منه.
الفكرة الأكثر إثارة فيما قاله محمد بن سلمان كانت خاصة بما يمكن اعتباره تفكيكًا لسلطة رجال الدين المطلقة، وهى فكرة يمكن أن تدخلنا إلى قضية تجديد الخطاب الدينى من باب واسع، لا يمكن لأحد منعنا من الولوج منه.
عندما كان يتناقش مع رجال الدين فى مسألة الحفلات الغنائية التى كانوا يرفضونها، سألهم عن السبب، فقالوا: فيها اختلاط، والاختلاط حرام.
سألهم عن حجتهم الدينية فى تحريم الاختلاط.
قالوا: الاختلاط يكون سببًا فى وقوع مفاسد لا قِبل للناس بها.
هنا توقف محمد بن سلمان أمام منطقهم ليفكك حجتهم، يقول: قلت لهم أنتم بذلك تنتزعون سلطة الله على الأرض، تقدرون أنه ستحدث مفاسد، رغم أنه يمكن ألا تحدث، ثم أنه لو حدثت فإن الله وحده هو الذى يحاسب الناس على أعمالهم، لماذا تصادرون ما هو حق لله وتمارسونه وكأنكم وكلاؤه على الأرض؟
صمت محمد بن سلمان قليلًا، وقال: هناك من يريد أن يفرض سطوته على الناس من المهد إلى اللحد.. رغم أن الله أرحب من هذا بكثير، ويعذر الناس، فأنت يمكن أن تؤدى الصلوات الخمس، وتلتزم بتعاليم الإسلام، ويمكن أن تخطئ، لكن رحمة الله اقتضت أن يغفر لك ذنوبك، بل إن الله يحب عبده الذى يقع فى الذنوب ثم يطلب الصفح منه، لكن يبدو أن هناك من يريد تعطيل قوانين الله فى الأرض.
عاد الأمير الشاب ليؤكد دوافعه- ولا أقول مبرراته- لما يفعله ويقوم به، قال: لقد خضت هذه المعركة الصعبة لأن مصلحة الشعب السعودى تقتضى ذلك، احتياجات الناس كانت ملحة ولا بد من الاستجابة لها، ثم إن العالم كله يحتاج إلى ذلك، لأنه فى حاجة لمن يبنى لا من يخرب، والإسلام دين جاء بالأساس ليبنى، فلماذا نسجنه فى غرفة ضيقة، ونجعل الناس تخاف منه، الدين أبوابه واسعة، لكن هناك من يريد تضييقها، ومرن جدا لكن هناك من يريد أن يجعله جافًا، ومن لديه أى حد أدنى من المنطق أو العقل لا بد أن يقر بذلك.
وقد تسأل: وما النتائج التى حصدها الأمير الشاب محمد بن سلمان مما فعله، ما هو الأثر الذى جنته السعودية من وراء هذه الثورة الدينية التى ما كان لأحد أن يتخيل وقوعها على الأرض السعودية؟
يجيب الأمير بنفسه.
يقول: لو تحدثنا بالأرقام سنجد أننا وقبل أن نبدأ مشروعنا الإصلاحى فى المملكة كان لدينا ما يقرب من ٦٠ بالمائة متشددون، و٤٠ بالمائة وسطيون، وكان المتشددون يفرضون سطوتهم ووجهة نظرهم طوال الوقت، الآن الوضع تغير كثيرًا، ويمكن أن تقول إن لدينا ١٠ بالمائة فقط متشددون، وما يقرب من ٥٠ بالمائة وسطيين، والنسبة الباقية يمكن أن تقول إنها دخلت إلى مساحة من يمكن تسميتهم تنويرين.
هل أحدثكم عن وصفة الأمير الشاب لمحاصرة المتشددين، وهى وصفة أعتقد أننا فى مصر هنا فى حاجة إليها بشدة؟
كان يتم الحوار مع المتشدد، ويتم تخييره، فإما أن يدخل فى حوار هادئ حول أفكاره ليقتنع بالطرح الجديد، أو يصمت تمامًا، ومن يرفض كان يتم التعامل معه بالقانون.
ستقول إن ما جرى مع المتشددين يخالف مبدأ الحرية نفسه، فكيف يتم تخيير شخص ما بين أن يقتنع بفكرة معينة حتى لو كانت تنويرية أو أن يصمت تمامًا؟
سأقول لك التشدد نفسه ضد الحياة، ولا يجب أن يسمح لهؤلاء أن يحكموا هذه الحياة لأنهم ببساطة يخربونها، وما فعله محمد بن سلمان يشير إلى أنه كان يحرر المواطنين من سطوة من صادروا حياتهم، كان يسترد حقوق مواطنيه ممن أرادوا أن يصيغوا حياتهم على مزاجهم الخاص، وهو مزاج يتعارض تمامًا مع صحيح الدين.
هل هناك إجراءات أخرى سلك الأمير الشاب طريقها فى مشروع إصلاحه ونهضته؟
هناك إجراء دال جدًا.
تعرفون هيئة كبار العلماء فى السعودية، وتعرفون ما الذى كانت عليه من سطوة ونفوذ على حياة الناس وسلوكهم الشخصى وشكل تدينهم، لكن ما لم نكن نعرفه بدقة أن ٩٥ بالمائة من أعضاء هيئة كبار العلماء كانوا حنابلة، الآن وبعد الحوار الفكرى الذى صاغ كل شىء فى السعودية أصبح أقل من ٥ بالمائة من علماء الهيئة فقط حنابلة، الـ٩٥ بالمائة تفرقوا على المذاهب الفقهية الأخرى، فأصبح منها مالكيون وشافعيون وحنفيون، وهو تنوع له دور كبير فى إثراء الآراء وتنوع الأفكار.
لفت نظرى ما قاله محمد بن سلمان من أن الإخوان المسلمين كان لهم دور كبير فى توجيه هيئة كبار العلماء وتغليب المذهب الحنبلى الذى تعمل به الجماعة وتسير على طريقه عليهم.
ما الذى قفز بالإخوان المسلمين إلى الحوار؟
يرى الأمير الشاب أن الجماعة الإرهابية- ينظر لها على أنها كذلك بالفعل- كانت سببًا فى إفساد دين الناس، لأنها أخذت من الدين وسيلة للوصول إلى الحكم وتحقيق أهدافها.
رصد ما جرى بدقة.
قال: عندما كان الرئيس الراحل السادات يستخدم جماعة الإخوان وأبناء التيارات الإسلامية الأخرى لتحقيق أهداف سياسية، كان يتم الاستخدام نفسه ولأسباب سياسية فى المملكة العربية السعودية، هذا الاستخدام أضر البلدين بشكل كامل، لأن الجماعة كما خططت مبكرًا للوصول إلى الحكم فى مصر، فعلت ذلك فى المملكة، وكانت تعرف أنه لو حدث خلاف بين القبائل التى تشكل القوام الأساسى للمملكة فلن يكون هناك بديل آخر غيرها، وهو ما جعل الجماعة تخترق المؤسسات الدينية وإحكام السيطرة عليها، وهو ما انتبهنا له جدًا، وبدأ نحرر المؤسسات منه بقوة ودون تردد.
يقتنع الأمير الشاب بأن الإخوان المسلمين كانوا هم السبب الرئيسى فى تشويه المملكة العربية السعودية، وتشويه تدينها الذى كان وسطيًا، من بين ما قالوه ورددوه مثلا أن المملكة تقوم على عمودين هما آل سعود وآل الشيخ، آل الشيخ يملكون الكلمة وآل سعود يملكون السيف، ولا يمكن أن يستغنى أى طرف منهما عن الآخر، وهو ما يخالف الواقع، ورغم ذلك فقد ابتلع الجميع الطعم، وأصبحوا ينظرون إلى المملكة من هذه الزاوية.
يقول الأمير: هذا أمر لا بد من تصحيحه الآن، فنحن ندين بالإسلام الوسطى، نستمد الأحكام من القرآن والسنة، ونؤمن بأن الفقهاء الأربعة الكبار لهم احترامهم وتقديرهم، لكن باب الاجتهاد مفتوح إلى يوم الدين، لأننا دون الاجتهاد لا نستطيع أن نعيش فى هذا العالم الذى يتغير ويتطور بمعدلات سريعة، ولا بد أن يكون لدينا ما نقدمه لهذا العالم، فليس منطقيًا أن نعيش عالة عليه طول الوقت.
لا يزال هناك خيط مهم جدًا أراه واضحًا أمامى فى عقل محمد بن سلمان، وهو خيط وضعت يدىّ عليه من كلمة قالها بشكل عابر، وربما لم يتوقف أمامها أحد من الموجودين، لكنها مثلت بالنسبة لى حجر الأساس فى كل ما فعله وما قام به حتى الآن فى مساحة الإصلاح الدينى.
قال الأمير الشاب: أنا أعمل بشكل أساسى على ما أسميه «فرص توسيع الإسلام».
قد يكون التعبير غريبًا بعض الشىء، يمكن أن ترفضه، أن تعتبره خطرًا، لكن ما قاله عن فكرته خلال جلسته الممتدة مع مجموعة المثقفين المصريين، تقول إنه مقتنع أن الإسلام دين جاء من أجل الحياة، لكن هناك من سد شرايينه، وأراد أن يصادره لنفسه، وعلى المسلمين اليوم أن يردوا لدينهم اعتباره.. وهذا ليس فضلًا منهم بل واجب عليهم.