رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيامة فى حياة الشعوب


إن تعبير القيامة يطلق على الأفراد والأمم والشعوب، فالابن أو الابنة اللذان فقدا من الأسرة ولم يعلم حياتهما من موتهما حتى إنه بعد مرور عدد من السنين توزع باقى أنصبتهما على باقى الورثة حيث يفقد الأمل فى العثور عليهما، ويسمى غيابهما هذا بالموت الحكمى،

هذا بخلاف الحمل المستكن فى بطن الأم ولم يكن الطب فى تقدمه يستطيع أن يدلنا عما إذا كان المولود ولداً أو بنتاً، طفلاً واحداً أو أكثر من طفل، فتجنب أجزاء من التركة أو ربما تؤجل قسمتها لحين أن تضع الأم مولودها أو مواليدها.

وعودة إلى القيامة بالمفهوم المجازى فى حياة الأفراد فنقول عن الغائب بلا أمل فى عودته إنه عندما يظهر فعليه يطلق القول كان ميتاً فعاش.

وفى حياة الأمم والشعوب رأينا دولاً كانت تحت خط الفقر وتولى قيادتها رجال أو نساء استطاعوا أن ينهضوا بشعوبهم وبلدانهم وفى سنوات وجيزة قامت هذه الدول من فقرها إلى غنى وتحولت الأزمة السكانية إلى ثروة حقيقية حتى إنها فتحت أبوابها لاستقبال الراغبين فى العمل الجاد من دول أخرى ففاض غناها على كثيرين من دول أخرى تضج من زيادة أعداد سكانها وكأنهم ولدوا عالة على قادتها، وكل ما يتمنونه لبلادهم هو هجرة أبنائها أو موت أكبر عدد منهم، وبالقطع فهذا يحدث للفقر فى الغذاء والعجز فى الدواء، والاضطراب الأمنى الذى يؤدى إلى موت الكثيرين وزيادة معدل حوادث الطرق الناتج عن سوء حالة الطرق وإهمال إصلاح السيارات ورعونة قائديها وإهمال مرافق النقل العام فى السكك الحديدية، ويتبع كل هذا الاضطراب الأمنى والفساد الذى يطول الأفراد والمؤسسات ولا حرج إذا قلنا إنه يطول منصات القضاء بل والملوك والرؤساء.

وبذلك تهوى كل المثل والمبادئ، وتعم الرشوة وينتشر الفساد من الرأس وإلى باقى أعضاء الجسد، والحكمة تقول إن السمكة تفسد من رأسها، وإذا كان الرأس سقيماً فستتهاوى معه كل أعضاء الجسد.

وتستمر الحلقات فى تهاويها، ولا يصلح الحال بترميم أو تدعيم حلقة من الحلقات فى حين أن التصدع طال جميعها، فالمبانى التى شيدت على أساسات تحتمل ارتفاعاً معيناً ولجشع لدى أصحابها وفى غيبة من النظام أو فساد فى أركانه، ارتفعت الطوابق حتى وصلت الأبنية إلى أضعاف قدرات احتمالها ، وما هى إلا سنوات أو أيام وبعد أن ازدحمت بسكانها وما يحملون من الأثاث والحراك الآدمى، فإذا بها تنهار من أعلى إلى أسفل وتضيع فيها الأرواح وتجرى التحقيقات ولسان حال الحاكم يحمد الله أن عدداً ليس بقليل (راح وحمله انزاح) لأنه يشعر بمسئوليته التى عجز عن حلها إلا بالموت إهمالاً أو جوعاً ومرضاً.

أما ما يهدد الحكام أيضاً لو أن دولة من الدول التى تستوعب عمالتنا وخبراءنا تهدد بطرد المغتربين لديها ولا تمانع من استبدال تلك الخبرات بغيرها من دول أخرى، وهنا ينزعج الحكام ويهرولون طلباً للرضى والصفح مع الاعتذار عن كل ما بدر منا إن جهلاً أو عمداً، قولاً أو عملاً.

تلك هى أحوال الدولة المريضة التى لم تصل إلى دواء ناجح، أو جراح ماهر يعرف العلة ويعرف سبل العلاج إن بالدواء المناسب أو بمشرط الجراح الحكيم كما كان الآباء يطلقون على الطبيب بلقب الحكيم، ومن عداه يلقب بالغشيم أى الجاهل وغير المتخصص أو بالمدعى ومنتحل الصفة وهو ليس من أبنائها، وهم كثرة فى أيامنا، وأخطرهم الطامع والمتكبر والعنيد.

تلك أحوال الأمم التى تعانى الفقر لا فى الموارد بل فى العقول والجهل والعناد ولا أمل فى إصلاحها إلا بقيامة تعيد الحياة بعد الموت، وهى معجزة حدثت فى التاريخ مرة، وتحدث فى حياة الشعوب الواعية مرات ومرات.. دعاؤنا أن نعود إلى الله – سبحانه – باتضاع واعتراف بعجزنا واستعداد أن ننحنى ونفسح الطريق لكل عاقل حكيم، ومخلص كريم يضع يده فى موضع الورم الخبيث وبمشرط العالم وبقلب الأسد الذى لا يفترس ولكنه يحمى غابته من وحوش ضارية تقضى على اليابس والأخضر. ويبقى الحل والدواء فى الاتضاع والرغبة المخلصة فى معجزة القيامة الممكنة إذا خلصت النوايا، وحلت الحكمة بدل الرعونة، والاستعداد لتغيير المسار للانتقال من الموت إلى الحياة بقيامة مجيدة تبدأ من داخلنا وتعم فى أرجاء أوطاننا من الأفراد وإلى سائر الشعب، إنها معجزة ولكنها ممكنة