رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جميعنا يُعاني ولكن


تأملت كثيراً فى أحوالنا بعد ثورتين قمنا بهما رغبة فى الإصلاح وضد براثن الفساد الذى يخيم على معظم مؤسسات الدولة.. وسألت نفسى: هل يمكن أن تستقيم أمورنا وبيننا المدرس الذى يبخل على تلاميذه فى المدرسة بالشرح بينما يجتهد فى الدروس الخصوصية حتى «يلهف» منهم أموالهم فى ظل هذه الظروف المأساوية التى يمر بها أولياء الأمور؟!.. أو الطبيب الذى يتاجر بأعضاء مرضاه.. أو هذا الذى يذهب إلى عمله بالمستشفى الحكومى يوماً واحداً..

بينما يقضى بقية أيام الأسبوع فى عيادته الخاصة؟!.. أومهندس المحليات الذى يعطى ضميره إجازة مفتوحة قبل أن يفتح فمه و«كرشه» لرشوة أصحاب المبانى المخالفة ليستخرج لهم الرخص «المضروبة» ويعتمد المبانى والطرق والكبارى غير المطابقة للمواصفات؟!. أو رجل الشرطة الذى يجلس فى مكتبه تاركاً الشوارع والأسواق ليل نهار تعج بالبلطجية يروعون المواطنين؟!.. أوعضو البرلمان الذى يلهث خلف مصالح حزبه ومصالحه الشخصية ضاربًا بمصالح الوطن والمواطن عرض الحائط؟!.. أو فئة التجُار الذين يحتكرون الغذاء والدواء والمسكن والملبس؟!.. أو إمام المسجد الذى يقف على خشبة المنبر واعظاً فى الصباح، وفى المساء لا يتوانى عن ارتكاب معظم الموبقات؟!.. أو القاضى الذى يحصل على ثلاثة أشهر إجازة فى العام فيما تعج محكمته بآلاف القضايا؟!.. أوالرئيس الذى يسمح لنفسه باغتصاب أموال شعبه ليضعها فى بنوك سويسرا؟!.
يقينى أن أمورنا لن تستقيم ما دمنا نتجاهل التحقيق مع من ينهب آثار بلده ليبيعها للمنظمات الصهيونية بمساعدة معدومى الضمير والوطنية.. ولن ننجو مما نمر به وبيننا تجار الدين الذين سعوا فى الأرض فساداً وتعاملوا مع العدو ضد بلادهم باسم الإسلام والإسلام منهم برىء براءة الذئب من دم سيدنا يوسف عليه وعلى أنبياء الله أفضل الصلاة والسلام.. ولن تستقيم أمورنا وبيننا أصحاب مزارع الدواجن والفواكه والخضار التى تتغذى على الصرف الصحى والهرمونات والأدوية المغشوشة فتصيبنا بأبشع الأمراض وتقتلنا جماعات وفرادى!!.
يا سادة.. نحن الآن ومنذ عدة عقود فى مأزق حقيقى.. مأزق خراب الذمم وبيع الضمائر لمن يدفع .. فإذا كنا -فعلاً- نطمح فى الإصلاح ومحاربة الفساد.. فعلينا بالعودة إلى الضمير الحى.. الضمير الجمعى اليقظ الذى يسمو بمصلحة الشعب على المصالح الشخصية والحزبية والفئوية.. حينها فقط ستستقيم أمورنا ونصبح دولة قوية تحافظ على ميزان العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.. دولة تدعم إرادة المنجزين والمجتهدين والمبدعين.. دولة تحاسب من يخترق القوانين ويشيع ثقافة المحاباة ويقتل قيم العمل ليخلق حالة من اليأس والإحباط واللامبالاة.. دولة تطبق الحد الأقصى والأدنى على الكل دون استثناء.
دولة تقطع يد من يتطاول على المال العام ويسرق أراضى الشعب ويقنن الرشوة.. دولة تحرص على حماية الرقابة والمتابعة وتعمل بمبدأ الثواب والعقاب.. دولة تقضى على النزعة الشخصية والمزاجية فى الإدارة حينما تعتبر الوظيفة العامة ملكية خاصة وتحارب الكفاءات الواعدة.
دولة يكون فيها للأجهزة الرقابية دورها الفعال على نشاط كل شخص فى الدولة مهما علا شأنه.. دولة جادة وقوية فى محاربة الفساد بنفس قوة وصلابة محاربتها للإرهاب.. هذا ما نطلبه من الدولة.. أما المطلوب من الشعب.. فهو صحوة الضمير.. فدون صحوة ضمائرنا فلنقل على الدنيا السلام.