رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيسى.. وتجديد الدعوة للتنقية والتأويل «2-3»


تحدثت فى المقال السابق عن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الفكر الدينى أثناء الاحتفال الذى نظمته وزارة الأوقاف بمناسبة ليلة القدر، فقال: «ومن هذا المنطلق أقول لعلماء الأزهر الشريف واصلوا جهودكم ومساعيكم المحمودة لنشر صحيح الدين وتصويب الخطاب الدينى والتعريف بجوهر الإسلام الحقيقى الذى يحض على التسامح والرحمة وقبول الآخر وإعمال العقل والذى يتنافى تماماً مع دعاوى القتل والتدمير والتخريب والطاعة العمياء التى تُغَيِّب العقل... ونبهوا عامة المسلمين إلى أن «الدين المعاملة» وبأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده. كما أكد الرئيس فى كلمته على أهمية تحقيق التوازن بين الإتباع وبين النظر والتدبر وإعمال العقل.

مشيراً إلى أنه إذا كانت السُنة النبوية المُطهرة قد تمت مراجعتها ووُجد أن هناك حوالى 600 ألف حديث غير صحيح، فقام المسلمون الأوائل بتنقية علم الحديث وتساءل السيسى: «هل بالإمكان أن نقوم بعمل كهذا فى الأمور الأخرى». وأضاف: «فإنه من الأحرى أن يتم التصدى للتفاسير المغلوطة والممارسات الخاطئة التى يقوم بها البعض فى عالم اليوم، والعمل على إيضاح عدم صحتها حتى يتعرف عامة المسلمين على صحيح الدين». وذكرت أنه لا يمكن لأى منصف الحديث عن الإصلاح الدينى وحتمية إعمال العقل فى النصوص الدينية دون الحديث عن ابن رشد، فالرجل يمثل محطة بارزة فى الثقافة العربية الإسلامية جعلت منه قنطرة بين الشرق الآفل والغرب المتوثب، وفى مقال اليوم أستكمل الحوار حول ابن رشد، فقد قدمه ابن طفيل لأبويعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً فى قرطبة، تولّى ابن رشد منصب القضاء فى إشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو؛ تلبية لرغبة الخليفة الموحدى أبى يعقوب يوسف.

وتعرض فى آخر حياته لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضون له بالكفر والإلحاد ثم أبعده أبويعقوب يوسف إلى مراكش وتوفى فيها عام «1198م»، عُرٍف ابن رشد فى الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتى لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية فى العصور الوسطى المبكرة، فقبل عام 1100 م كان عدد قليل من كتب أرسطو عن المنطق هو الذى تم ترجمته إلى اللغة اللاتينية على يد الفيلسوف المسيحى بوتيوس، على الرغم من أن أعمال أرسطو الكاملة كانت معروفة فى بيزنطة، ثم بعد أن انتشرت الترجمات اللاتينية للأعمال الأخرى لأرسطو من اليونانية والعربية فى القرن الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين أصبح أرسطو أكثر تأثيراً على الفلسفة الأوروبية فى العصور الوسطى، وقد ساهمت شروح ابن رشد على ازدياد تأثير أرسطو فىالغرب فى العصور الوسطى، وفى أوروبا العصور الوسطى أثرت مدرسة ابن رشد فى الفلسفة والمعروفة باسم الرشدية تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين من أمثال توما الأكوينى، والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون، وكانت كتابات ابن رشد تدرس فى جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية هى الفكر المهيمن فى أوروبا حتى القرن السادس عشر الميلادى.. وللحديث بقية.