رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التوقيت الصيفى.. أفتح الشباك ولا أقفله؟!


هل عدمنا الأفكار المبتكرة؟! هل عدمنا المشكلات حتى نلتهى فى اللعب فى آلة الزمن ونشغل بها أنفسنا إلى هذا الحد المربك حتى تحولت إلى مشكلة مزمنة مستعصية حقيقية تأخذ منا الكثير من الاهتمام والنقاش بل والخلاف فيما بيننا فتقسمنا نصفين بين مؤيد ومعارض.

الفنان أحمد الجزيرى، هو أحد أعمدة المسرح القومى المصرى فى حقبة الزمن الجميل، صاحب العبارة الشهيرة: «أفتح الشباك واللا أقفلـه»؟! فى مسرحية «القضية» للكاتب المائز لطفى الخولي. تذكرته اليوم بهذه العبارة الخالدة، وأنا أطالع الصحف السيارة والمجلات والمحطات الفضائية والإذاعية والثلاجات والبوتاجازات، حديث كل عام عن المدعو «التوقيت الصيفى»، الذى جعلوه كالابن اللقيط الذى يتهرب من بنوته كل الأهل، ويتركونه على أبواب المستشفيات والإصلاحيات ودور الأيتام، وحتى على مناضد ومقاعد ومنصات مجلس النواب الموقرـ حفظه الله ـ، حتى يمنحونه شهادة إما بالاستمرارية فى الحياة أو الحكم عليه بالموت الزؤام، ليتجدد الحديث عنه فى العام التالي، وكأننا فى مفاجأة مذهلة بأن الصيف قد أتى، وعلينا البحث والتمحيص، فى مسألة أو مشكلة الاعتراف به من عدمه!!

هل عدمنا الأفكار المبتكرة؟! هل عدمنا المشكلات حتى نلتهى فى اللعب فى آلة الزمن ونشغل بها أنفسنا إلى هذا الحد المربك حتى تحولت إلى مشكلة مزمنة مستعصية حقيقية تأخذ منا الكثير من الاهتمام والنقاش بل والخلاف فيما بيننا فتقسمنا نصفين بين مؤيد ومعارض ونرى لجاناً تعقد تنبثق عنها لجان تدرس وتطلق توصيات مرة بالموافقة والعمل بهذا التوقيت بدءاً من تاريخ كذا وانتهاء بتاريخ كذا وهكذا دواليك عاما بعد عام تاركين الأمور الأكثر أهمية مهمشة مما يؤدى إلى أن تتفاقم يومآ تلو اليوم على طريقة..حوطينى يا كيكا.. لم كل هذا العبث والهراء وضياع الوقت من القائمين على شئون الشعب المؤتمنين على مصالحه فى مسألة أبسط من البساطة؟! وقد حضرنى هذا المشهد المسرحى الذى استهللت به مقالى لتقريب وجهة نظرى وإيضاح الدور الذى يلعبه الفن فى التعبير عن مشكلات المجتمع مبكراً فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان وآوان تتنوع متاعبه وأزماته الحياتية والأسرية والمجتمعية بسيناريوهات متباينة لكنها تظل فى وجدان الفنان منطلقة فى تقديم إبداعه بمنظار ومجهر يضخم المشكلة ويقربها إلى الأذهان سعياً وراء استنباط الحلول وإبداء الرأى حتى تتبلور وتتوالى الانفراجات من مأزق لم نتصور أن تحل بسهولة ويسر لولا مواجهة أنفسنا بها ووضع أيدينا عليها بدلاً من دفن رؤوسنا فى الرمال! فالمسئولية فى مواجهة أى عقبات أو مشكلات تقع أولا وأخيرًا على عاتق المتسببين فيها وتركها بلا حلول جذرية تحسمها و تنهيها إلى الأبد.

ليتهم ينصتون إلى التذمر الشعبى الرافض لهذا التوقيت الذى يقلب موازين الأيام ويربك أحوال العباد فى مواعيد نومهم واستيقاظهم والذهاب إلى العمل فهو يجتث نشاطهم ويصيب أجسامهم بالخمول كنتيجة طبيعية للعبث بالساعة الميقاتية الربانية المغروسة فى جسم الإنسان وزلزلة عقاربها..لما لا يصارحوننا بالمكاسب الضخمة التى نجنيها التى تستحق انزال الفرمان الحكومى المربك والمقاوم بشدة من جانب الشعب..وهل درس حصاد تطبيقه فى الأعوام السابقة من منافع وإيجابيات تجعل المسئولين يلحون فى فرضه علينا لكونه يحقق مكاسب لاتعد ولاتحصى يصعب الاستغناء عنها..لم نتلاعب بعقارب الساعة والزمن الربانى؟! لم لاندعو إلى الترشيد والاعتدال حتى يصبح سلوكاً أصيلا فى وجدان المواطنين دونما حاجة إلى التدخل و ارباك الزمن؟! لماذا سحبوا الفرحة من النفوس بعد سماعنا لخبر إلغاء العمل بهذا التوقيت الصيفى المقيت؟! وعادت ريما إلى عادتها القديمة..اقرار الشئ وضده فى آن معاً. إلى متى يشغل الرأى العام بتوافه الأمور بدلاً من استثمار الوقت والجهد فى العمل والإنجاز للحاق بركب الحضارة وقطار المستقبل؟! نحن فى حاجة ماسة إلى نظم ثابتة مدروسة بإحكام وحنكة من جانب المتخصصين فى كل مجالات حياتنا يصيغون بها ملامح الحياة الكريمة الهادئة التى تسهم فى إحساس جمعنا الشعبى بالاستقرار النفسى الذى يعد المعول الرئيس فى إقبال كل على عمله والتفانى فى إنجازه دون معوقات زمانية ولا مكانية ولا حكومية، لقد سئمنا القهر وفرض مانرفضه دوماً من قرارات بدعوى أنكم أدرى بمصالحنا أكثر منا ضاربين بالعامل النفسى عرض الحائط لدى الرافضين برغم أن المنطق حليف لهم فيما يريدونه وتفرضونه أنتم يا أصحاب الفرمانات التى تمس حيواتنا اليومية..رفقاً بنا لقد عانينا بما فيه الكفاية وأصابنا صداع التوقيت الصيفى على مدى أعوام وحتى بعد أن ظننا أن الحياة تغيرت من حولنا وبدأنا نستنشق نسائم الاستقرار والحرية ولو بقدر ، وظننا بحسن نوايانا وطيبة قلوبنا وفطرتنا المصرية النقية التى ترنو دوماً إلى التفاؤل وتوقع استقبال غد أفضل، إنه من المحال أن يلوح لنا بمبغضات تكرر التصريح بنفورنا منها.بطبيعة الحال نحن لا نشكك فى نوايا أحد وإنما نلفت النظر إلى وجود خلل ما وضعنا أيدينا عليه فمسئولية الوطن تقع على عاتقنا جميعاً لا مناص لذا تعلونا الدهشة إزاء التجاهل المتعمد لمطلب نراه عادلاً يمس دقائق حياتنا نجد أنه يحل بجرة قلم! «فالمستقبل اسمه الغد والغد جنين فى رحم يومكم الذى يحتويكم حاضره، فحافظوا على صحة الجنين بتغذيته بالإبداع فى أساليب حياتكم ، والحلم بفكرة مبتكرة...هكذا يولد الغد عفيًّا ومشرقا وخطوة فى طريق التقدم للمجتمع ولكم» -مقولة صاغها أستاذنا د. سليمان العطار -.ترى.. متى تنصتون إلى نبض الشارع المصرى ولا تتجاهلون صيحاته ورجاءاته فى أبسط أمور حياته..ساعة يده؟!

.. وأخيرا قفلنا الشباك بعد قرار مجلس وزرائنا الموقر بإلغاء هذا التوقيت المقيت.

■ أستاذ العلوم اللغوية أكاديمية الفنون