رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى رحيل أيقونة الكنيسة القبطية


فى 9 مارس من كل عام يحتفل المصريون بمختلف طوائفهم وعقائدهم بذكرى رحيل رجل كرس حياته لله، فأحب شعبه المصرى دون تمييز ولا تفرقة، هو البابا كيرلس السادس «1902 – 1971» البطريرك 116 الذى نحتفل بذكرى مرور 45 عاماً ولكننا – الذى عرفناه عن قُرب - كان ظاهرة فريدة فى مصر. ومازال الكثيرون – أقباطاً ومسلمين - يتندرون بالعديد من القصص عنه وقد رأينا ولمسنا وعرفنا قدر قامته الروحية والإنسانية والوطنية. بطريرك التحف بالبساطة والصدق مع النفس والصدق مع الله، فكان شمعة مضيئة فى جيلنا ولأجيال كثيرة. وإليكم إحدى القصص الحقيقية التى يتحدث عنها صاحبها:

المرحوم نجيب اسكندر بشارة كان يعمل مديراً لمدرسة ثانوى بالقاهرة. وقرر فى أحد الأيام أن يحضر صلوات القداس الذى أعتاد أن يقيمه يومياً البابا كيرلس السادس وينتهى مبكراً ليذهب بعدها الى مدرسته دون أن يتأخر على موعده الصباحى الذى طالما حرص أن لا يتأخر عنه أبداً. وبعد انتهاء صلوات القداس كان مازال هناك متسع من الوقت ليأخذ البركة من البابا كيرلس قبل أن ينصرف. وفعلاً وقف المرحوم نجيب ينتظر خروج قداسة البابا من هيكل الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية لأخذ البركة وقبّل يده إلا أن البابا أمسكه بيده اليسرى وأخذ يبارك الشعب باليد الأخرى !!! ومرت عدة دقائق وهو لا يدرى لماذا يريده البابا؟ خاصة أنه ليس هناك أى سابق معرفة!!وظل على هذا الحال لمدة نحو ربع ساعة وقد أصبح من المؤكد أنه لن يصل لمدرسته فى الموعد!! وأخيراً ترك قداسة البابا يده دون أن يكلمه أو يوضح له هل كان يحتاجه؟ فما كان من عم نجيب سوى أنه أسرع للمدرسة لكنه كان قد تأخر بالفعل ربما لأول مرة منذ أن أصبح مديراً للمدرسة.

وعند باب المدرسة قابله وكيل المدرسة قائلاً: «الحمد لله أنك تأخرت اليوم يا حضرة المدير... ده سقف حجرة مكتبك وقع منها كتلة مسلحة كبيرة حطمت زجاج المكتب كله». أسكتت الدهشة عم نجيب للحظات ثم شكر ربنا الذى ألهم البابا أن يستوقفه هذه المدة لينجو من الحادث الأليم. وبعد أن تمالك عم نجيب نفسه أخذ يتأمل مدى تواضع هذا البطريرك العظيم الذى لم يشأ أن ينبههبالكلمات أو يخبره بأى شىء. ثم أخذ عم نجيب يبتسم كلما تذكر تذمره الداخلى عندما كان البابا ممسكاً بيده وهو يتأخر عن مدرسته «بدون داع».

جميع الذين تعاملوا مع البابا كيرلس عن قرب يحتفظون بالعديد من الذكريات وبعضها يكاد يكون من النوادر. لقد رأينا نحن الذين كنا بالقرب منه صورة لآباء البرية المصرية الأولين، صورة لقديسى الكتاب المقدس، صورة رائعة للأب الذى يحيط بأولاده ولا يبعدهم عنه. كان بالحقيقة صورة حقيقية لرجل الله. هذا هو البابا كيرلس أيقونة الكنيسة القبطية والذى ذكراه متجددة كل يوم.

■ عضو المجمع العلمى المصرى