رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغيرات الدولية.. وفشل مؤتمرات جينيف الثلاثة


تناولت فى المقال السابق تصريحات المتحدث الرسمى للقوات المسلحة السعـوديـة أن السعـوديـة أصبحت على استعـداد كامل للتـدخـل البـرى فى سوريـا لقتال التنظيم الإرهابى «داعش»، وقد حضر ولى ولى العهـد وزيـر الدفاع السعـودى اجتماعات حلف الناتو التى انعـقـدت فى بروكسل 10 فبرايـر لبحث الأسلوب الأمثل للقضاء على ميليشيات داعش فى سوريـا، وذكرت أن هذا التصريح يُعـتبـر المتغـيـر الأبرز على الساحة الإقليمية، ذلك أنـه سيعـرض المنطقة لمزيـد من تدخلات القوى العـظمى، ويُؤدى إلى تعـظَيم أدوار القوى الإقليمية غـيـر العربية ويكرس لنفوذها فى المنطقة، كما سيؤدى إلى مزيـد من التحالفات والتحالفات المضادة، وهدم توازنات قائمة وبناء توازنات وتوازنات مضادة جديـدة، وسيـزيـد من تصعـيـد إستفزازات تركيا لروسيا، وتصعيـد علاقات الفعـل ورد الفعـل بيـن السعـوديـة وإيران المتـوتـرة أصلا، وربما يجـر المنطقة إلى سباق تسلح مدمر وهو الأشد خطرا والأعظم أثرا على الأمن الإقليمى للشرق الأوسط

واتساقـا مع مفهوم مصطلح التدخل الذى سبق توضيحه، ومع فشل مؤتمـرات جنيف الثلاثة، وفشل المنظمات الدوليـة فى التوصل إلى إطار أممى لحل الأزمة السورية، ومع التصريحات الحاسمة التى أدلى بها لافروف وميدفيديف وخطاب بوتيـن أمام الدوما، واتساقا أيضا مع الدور الحقيقى الذى يقوم به تنظيم داعش والذى يمكن إيجازه فى أنـه يقـوم بتلبية أهداف ومطالب إستراتيجيات جميع القوى الفاعلة فى المنطقة، سأتناول اليوم السلوك السياسى المتوقع للقوى الفاعلة العالمية والإقليمية إزاء الأزمة السوريـة التى تزداد تفاقما يوما بعـد يوم، ومن الطبيعى أن نبـدأ بالسلوك السياسى للولايات المتحدة التى تقود تفاعلات النظام الدولى الراهن باعتبارها قطب النظام الراهـن الوحيـد. إذ يُشيـر الواقع إلى أن الولايات المتحدة تمـر بعام الركود السياسى، عام إعـداد وإدارة الانتخابات الرئاسية، العام الذى تمتنع فيه الإدارة الأمريكية عن اتخاذ أو تفعـيـل القرارات الاستراتيجية المؤثرة فى سياسات وأهداف واستراتيجية الولايات المتحدة، العام الذى ينشغـل فيه الجميع بمرحلة انتخاب المرشح للانتخابات الرئاسيــة على مستوى الحزبيـن الديمقراطى والجمهورى، ثم بمرحلة تنظيم حملات الدعاية والمناظرات التى سيقوم بإجرائها المرشحان وتنتهى آخر العام، واتساقا مع هذا العام فإنه من اليسيـر أن نتوقع السلوك السياسى للإدارة الأمريكية الراهنة، حيث يبدو لى أنها ستسعى إلى إدارة الأزمة السورية ولن تسعى إلى حلها، بل ربما تسعى إلى تأجيجها واستمرارها للعام السادس، وربما تحولها إلى صراع مزمن وتأجيجه لضمان بقاء الوضع الراهن على ما هـو عليه، حتى يأتى الرئيس المنتخب بإدارته التى ستتولى إدارة شئون الولايات المتحدة فى ينايـر 2017.

وترتيبا على ذلك، ستسعى الإدارة الأمريكية الراهنة حثيثا إلى الحفاظ على إتجاه مسارات المحتوى الفكرى للاستراتيجيـة الأمريكيـة دون انحراف، المسار الأول هو تجـريــــد سوريـا من مصادر وعـناصر قوتها الشاملة، خاصة قدرتها العسكريــة وذلك بتدميـر جـيـشها باعـتبار أنـه كان من أقوى جيوش المنـطـقـة «لصالح إسرائيل»، والثانى هو تسليم سوريـا إلى التيـار الإسلامى «جماعة الإخوان المسلميـن السورية» لتحقيق مخطط التقسيم وفقا للتفاهمات التى تمت بينها وبين الجماعة الإرهابية من ناحية، وحتى يتسق مع النظام الحاكم فى تركيا من ناحية أخرى، والمسار الثالث هو أنـه إذا كانت المصلحة الأمريكية العـليا تـقـتـضى حل أى أزمة أو إنهاء أى صراع فى المنطقة، فإن هذا الحل لابــد أن يأتى على حساب العـرب ولصالح إسرائيل، وتلقى هذه المسارات الثلاثة الضوء الكاشف على تراجع موقف الإدارة الأمريكية الراهنة عن فكرة التـدخل البرى السعـودى التركى، ذلك أن هذا التدخل سيحدث تغييرا حادا فى الأوضاع داخل سوريا، وربما يؤدى إلى تصعيد الموقف مع روسيا وإيران.

وللتدليل على السلوك السياسى الأمريكى المتوقع فإنى أسوق تصريح أوباما قبل أن يُغادر البيت الأبيض «دون رجعة إلى حيث ألقت أم قشعـم» بأن «التدخل الروسى دليـل على ضعـف الأسد»، وكأنه قال حكمة بالغـة، ذلك أن التدخل الروسى قـد سبق التدخل الأمريكى الذى كان مخططا له من قبل، فحال دون تحقيق الأهداف الأمريكية فى سوريا حتى الآن، وأن التدخل الروسى قـد ألقى الضوء الكاشف الواضح الفاضح على كذب القائد السياسى الأكثر فشلا فى إدارة أقوى دولة فى العالم، الذى وعـد شعـبه بالتغـلب عـلى التحديات التى تحول دون بناء مستـقـبـلٍ أفضل للولايات المتحدة، وأنه جاء إلى البيت الأبيض وهو مفعـم بالآمال والإلهام لتحقيق هذا المستقبل، ووعـد العالم بولايات متحدة جديـدة، ووعـد العالم الإسلامى بفجر وشيك، ووعـد العالم العـربى بعلاقات يسودها الود والاحترام، ووعـد الفلسطينيين بحل الدولتين، وعـد الجميع بكل شىء لكنه لم يعـط أحدا أى شىء.

وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

■ أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة بورسعيد